في كل حرب ونزاع مسلح وعدوان على أمن وسلامة الناس وكرامة عيشهم، تتجه العيون على النساء والفتيات، إذ لا يزال الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات حسب التقارير الأممية السلاح المفضل في ثلث الصراعات المسلحة الحالية.
مع التأكيد أن العنف الجنسي الممنهج ضد النساء والفتيات يعد من أقدم الأسلحة في الحروب، لذلك أصدرت الأمم المتحدة القرار 1325 حول المرأة والأمن والسلام، بالإضافة لقرارات أخرى متتالية لحماية النساء والفتيات في النزاعات وما بعدها، وإعطاء دور للمرأة نفسها في هذه النزاعات لتحمي مجتمعاتها وبنائها بعد انتهاء الحروب.
إلا أنه من الواضح أن هذه الآليات لم تستطع فعل الكثير بمواجهة عجلة الحرب التي فتكت بالعديد من الضحايا من النساء والفتيات، خاصة في منطقتنا العربية والعالم، حيث سجل التقرير السنوي للأمين العام الذي يغطي عام 2023 3,688 حالة تم التحقق منها من قبل الأمم المتحدة من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، مما يعكس زيادة كبيرة بنسبة 50 % مقارنة بعام 2022.
ففي السودان وحده يواجه نحو 6 ملاين إنسان خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولازالت الانتهاكات بحق أبناء وبنات ونساء قطاع غزة مستمرة بما يفوق الخطوط الحمراء، فقد استخدم الاحتلال العنف الجنسي ضد المرأة والأسيرة الفلسطينية كاستراتيجية ممنهجة لسحق أمل الفلسطينيين بالتحرر ولترهيب المجتمع والنيل من كرامته. حيث أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه تلقى شهادات جديدة عن تعرض معتقلين فلسطينيين من قطاع غزة -بمن فيهم نساء وأطفال- لعمليات تعذيب قاسية ومعاملة تحط بالكرامة الإنسانية، بما في ذلك التعرية والتحرش الجنسي أو التهديد به، مطالبا بتحرك دولي عاجل لوقف تلك الانتهاكات.
تحقيقات وشهادات مروعة من نساء ناجيات من حروب المنطقة العربية أكدت تعرضهن للاغتصاب وانتهاك العرض قسراً وفي أحيان كثيرة أمام أفراد من عائلاتهن. وهذه الانتهاكات لم تقف عند عمر محدد، حيث كشفت التحقيقات عن تعرض الأطفال والفتيان والفتيات لظروف قاسية لا تخلو من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ورغم ازدياد أعداد ضحايا النزاعات المسلحة من النساء والفتيات، إلا أن الأرقام أكبر بكثير لتجنب الناجيات من التبليغ خوفاً من الوصمة وللشعور بالذنب والعار، أو خوفاً من الانتقام. خاصة مع ندرة خدمات الحماية والعلاج في حالة الحروب والنزاعات، وتفشي القلق والاكتئاب الذي يشل قدرة الضحية من التصرف السليم ولجوئها لأي وسيلة حتى الاختباء طيلة حياتها لتنسى هول الصدمة هذا إذا لم تلجأ للانتحار خاصة مع غياب الدعم النفسي في معظم الحالات، والعلاج طويل الأمد الذي تطلبه هذه الحالات.
لذا، خصص العالم يوم 19 حزيران/يونيو يومًا عالميًا للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، للاحتفاء بتاريخ اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2015 القرار رقم 1820 (2008) الذي اعترف بالعنف الجنسي كتكتيك من أساليب الحرب وتهديد للسلام والأمن الدوليين، حيث أن هذه التكتيكات متجذرة في الممارسات الاستعمارية للسيطرة على المجتمعات المضطهدة. لذا، يتذكر العالم كل عام أن يتضامن مع كل المتضررين من هذا الانتهاك المروع والخطير لحقوق الإنسان، ويجدد التزامه بمكافحته والعمل على اتخاذ تدابير شاملة لمنعه ولحماية المرأة أثناء النزاعات.
إلا أننا في هذا اليوم نحيي صمود وقوة النساء والفتيات في المنطقة العربية اللاتي على الرغم من مواجهتهن تحديات هائلة كل يوم، يواصلن الدفاع عن حقوقهن، ودعم بعضهن البعض، والدفاع عن العدالة، لذلك قلنا إن المرأة سيف بمئة حد! وهذا ما أثبتته النساء في كل الدول التي تعرضت للحروب والنزاعات، إذ كانت بالصفوف الأولى للدفاع عن كرامتها وكرامة ومجتمعاتها، ولم تتوان عن تقديم الحماية والدعم لغيرها من النساء.
ومن هنا، ندعو المجتمع الدولي ببذل الجهود لإنهاء الحروب والنزاعات، وضمان استمرار مساعي بناء السلام لمنعها، إذ لا شيء يمكن أن يوقف تهميش المرأة في الصراعات، بالإضافة لإعطاء الأولوية لحماية وتمكين النساء والفتيات، وضمان سماع أصواتهن ودعم حقوقهن. وتكريس التمويل طويل الأمد للبرامج الإنسانية التي تعني بالمرأة والفتاة وقت النزاعات وبعد انتهائها لضمان تعافيها من آثار هذه الحروب ولتضمن مساهمتها في عمليات إعادة الإعمار لمجتمعاتها أسوة بالرجال في مجتمعاتها.
وفي النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، تعمل وحدة دراسات المرأة في مركز النهضة الإستراتيجي، على تعزيز المبادرات التي تركز على دور المرأة في جهود السلام والأمن، ودعم المدافعين عن حقوق الإنسان، والتعاون مع منظمات المجتمع المدني، والمشاركة مع الحكومات لمعالجة عدم المساواة والتمييز الجنسي الهيكلي. وتسعى جاهداً لتقديم خدمات شاملة تركز على الناجين وفعالية آليات العدالة التي تحاسب الجناة، وتسليط الضوء على الدور الأساسي للنساء والفتيات باعتبارهن جهات فاعلة رئيسية في عمليات بناء السلام.