في بلد مثل الأردن، ليس بالأمر الجديد القول إن عملية التنمية الاقتصادية فيه تحكمها عدة عوامل، كموقعه الجيوسياسي، والتطورات الإقليمية، وما خلفته الاضطرابات الإقليمية من تداعيات، مما أثر على إمكانية التعافي الاقتصادي للبلاد، فمعدل البطالة سجل ارتفاعاً ملحوظاً في العقد الماضي، ثم جاءت جائحة كورونا التي زادت آثارها الاقتصادية الطين بِلة، فسجل معدل البطالة بين الشباب الأردني ارتفاعاً جديداً وغير مسبوق ليصل إلى حوالي 48 %، بينما سجل الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً نسبته 3.8% خلال الربع الثاني من عام 2020.
ووفقاً لهذه المعطيات، كان لا بد من البحث عن حلول ناجعة لمعالجة آفاق النمو الاقتصادي التي يمكن لها تحسين سبل عيش الفئات الأكثر ضعفاً، فارتأت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) تنظيم سلسلة من اجتماعات الطاولة المستديرة، لتكون جزءاً لا يتجزأ من مشروع “صمم”.
أولى هذه الاجتماعات كانت يوم الأربعاء 22 كانون الأول/ديسمبر 2021، بهدف بناء تفاهمات نحو النمو الاقتصادي، وتحدث فيها كل من المهندس مأمون أبو شاور، مدير برنامج تسريع نمو المشاريع الاقتصادية في المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية (جيدكو)؛ وثناء خصاونة، المديرة التنفيذية لجمعية سيدات الأعمال والمهنيات؛ وسمر محارب، المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة (أرض)؛ ورائد مدانات، مدير مشروع الشباب والتكنولوجيا والوظائف، وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة؛ ونجوان الضرغام، مساعد أول في قسم سبل العيش بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
من المعروف أن لريادة الأعمال إسهامات وآثار إيجابية على صعيد التنمية الاقتصادية، وفي هذا المجال تحدث المهندس مأمون أبو شاور عن أهداف مؤسسة (جيدكو) عن تعزيز القدرات التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة، مؤكداً أن الشركة دعمت أكثر من 10 آلاف شركة، وأثمر هذا الدعم بوصول نشاطات تلك الشركات إلى أكثر من 112 دولة.
ولأن الهدف من مشروع صمم لا يتوقف عند تحسين صمود الأردنيين من خلال تعزيز الوصول إلى فرص كسب العيش اللائقة والآمنة، بل يشمل اللاجئين أيضاً، ومن هذا المنطلق، أثنت الضرغام على الدور الحاسم للحكومة الأردنية في مساعدة اللاجئين بالعمل، حيث يتمتعون بإمكانية الوصول لفرص العمل مدفوعة الأجر، لكن ثمة تحديات تتعلق بمحدودية القطاعات التي تسمح لهم بالعمل، مع أن بقدرتهم تقديم قيمة مضافة حقيقية لردم النقص في بعض القطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات.
زيادة تصدير الشركات التي تمتلكها أو تديرها النساء، أحد الأهداف التي تعمل عليها جمعية سيدات الأعمال والمهنيات، فالنساء لا يقتحمن هذا المجال ويعتبرنه حكراً على الرجال، هذا ما أكدته الخصاونة من واقع خبرتها بالتعامل معهن، ولذلك؛ تحاول الجمعية خلق الرغبة لديهن بالتصدير، وتنمية مهاراتهن، وإيصالهن للأسواق الخارجية من خلال توقيع اتفاقيات مع الجهات المعنية.
في بدايات وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة -كان اسمها القديم وزارة الاتصالات وتكنولوجيات المعلومات- اقتصر عملها على المبادرات، بيد أن مدانات قال “إن تراكم الخبرات ساعدها بداية العام الحالي في وضع سياسة وخطة عمل للريادة حتى عام 2025، وقد أقرها مجلس الوزراء مؤخراً على أن يجري العمل على تنفيذها مع الجهات المانحة، كما حصلت الوزارة على 40 محطة معرفة وحولتها لحاضنات أعمال، وهي في تصرف الشباب مجاناً إذا أرادوا تقديم البرامج والمشاريع من خلالها”.
وفي الحديث عن غياب الأولويات، قالت محارب “إن هذا الأمر يتجلى في نقص توفر الدراسات باللغة العربية، فمعظم المعلومات المتوفرة عن قطاع الريادة الحديث، مكتوبة باللغة الإنجليزية، رغم أن هذا القطاع يصب في مصلحة الفقير قبل الغني وغير المتعلم قبل المثقف”.
وعن أبرز المشاكل التي تواجه المشاريع الريادية في الأردن، قالت محارب “إنها تتمثل بأن هذه المشاريع فردية في الغالب، فحوالي عشرين مؤسسة فقط تقدم الدعم للمشاريع الريادية”، موصية بضمهم ضمن مجموعة عمل والاستماع لخبراتهم وطريقتهم في عمل المشاريع، فهذه المؤسسات لا تنظر في مشاريعها للجانب الربحي والتأثير الاجتماعي فقط، وإنما تهتم أيضاً بالناحية الاقتصادية، والثقافية، والإنسانية، والحقوقية، وغيرها.
وبينت محارب أن عمل مؤسسات المجتمع المدني على قضايا اللاجئين والمجتمعات المضيفة من الفئات الأكثر احتياجاً، ساعدها في الاطلاع عن كثب على قضايا الفقر والبطالة، وأوضاع المرأة ومدى تأثير جائحة كورونا على ارتفاع نسبة ديونها. مؤكدة على ضرورة الحوار وتوطيد العلاقة مع الحكومة والقطاع الخاص لإيجاد حلول عملية وحقيقية لخفض نسب البطالة، وقالت: “المساحة التي نخصصها اليوم لتبادل وجهات النظر، تهدف بالدرجة الأولى لإثبات أن المجتمع المدني شريكاً وليس مناكفاً للحكومة أو القطاع الخاص.
وأشارت محارب إلى كثرة التشريعات والتعليمات في قوانين العمل، وتعديلها باستمرار، مما يؤدي للإرباك واستغراق الكثير من الوقا لفهمها، ومن الأمثلة على ذلك؛ التعديلات الأخيرة على قانون الضمان الاجتماعي، التي احتاج خبراء القانون وقتاً لفهمها ووقتاً أطول لشرحها للناس، وقالت “إن تطلعات الشباب تفرض علينا البحث أكثر، والابتكار والتعاون لتبسيط الإجراءات المتعلقة بموافقات المشاريع الريادية وحاضنات الأعمال”.
المستشار الاقتصادي لمنظمة النهضة العربية (أرض)، الدكتور يوسف منصور، تحدث عما أسماه “ظلم المؤسسات الصغيرة” حين نجري عليها دراسات مشتركة مع المؤسسات المتوسطة، فتحديات المؤسسات الصغيرة مختلفة، ولا تستطيع الحصول على التمويل مثل الشركات المتوسطة، مما يجعلها غير منتظمة، ولا تشمل موظفيها بنوع من أنواع الحماية الاجتماعية، مؤكداً أن التاريخ الأردني أثبت أن الشركات المتوسطة قد تصبح كبيرة، وبالمقابل فإن المؤسسات الصغيرة تبقى كما هي أو تتراجع. داعياً إلى إيجاد حلول تكفل للشركات الصغيرة الحصول على القروض.
وحول حاضنات الأعمال، أكد منصور أن الأهمية لا تكمن بعددها بقدر أهمية قيمتها المضافة، أي الخدمات التي تقدمها هذه الحاضنات وضرورة أن تكون متكاملة.
تسعى هذه السلسلة من اللقاءات لتوفير منصة تسمح للجهات المسؤولة، والقطاع الخاص، والمؤسسات المانحة، والمنظمات الدولية غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني، والشباب بتبادل وجهات نظرهم وخبراتهم، فضلاً عن الاحتياجات المتعلقة بالنهوض بأجندة التنمية الاقتصادية. كما توفر هذه المنصة فرصة لدمج الجهود والبناء على خبرة ومعرفة المشاركين في جلسات الطاولة المستديرة، لاستخلاص أوجه التظافر اللازم لتشكيل إطار عمل مستدام يعزز النمو الاقتصادي.
يذكر بأن مشروع “صمم” ينفذ بدعم مادي من البرنامج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية لدعم لبنان، الأردن والعراق (RDPP II)، وهو مبادرة أوروبية مشتركة بدعم من جمهورية التشيك، الدنمارك، الاتحاد الأوروبي، إيرلندا وسويسرا.