على مر التاريخ، تحول جبل عمّان من كونه منطقة سكنية إلى حي يشهد استثمارات تجارية متنامية. فأصيح شارع الرينبو، تحديداً، نقطة جذب للشركات والمطاعم والمقاهي، الأمر الذي رفع من جاذبية الحي التجارية. ومع ذلك، فقد أثر ارتفاع التكاليف وعمليات التحسين الحضري على السكان، مما دفع بعضهم إلى الرحيل.
ويشير البعد الاقتصادي إلى الأنظمة والأنشطة التي تنطوي على إنتاج السلع والخدمات داخل المجتمع وتوزيعها واستهلاكها. وقد شهد اقتصاد جبل عمّان تغيرات كبيرة في هذا المجال، حيث تحول من منطقة سكنية راقية إلى مركز تجاري وثقافي نشط. ومع ذلك، فقد أدت عملية التجديد وارتفاع تكاليف التشغيل إلى عدة تحديات أيضاً، بالنسبة للسكان ذوي الدخل المنخفض والفئات المهمشة خاصة. وهنا؛ تلعب المشاركة المدنية في التخطيط الاقتصادي دوراً حاسماً في تعزيز النمو المتوازن والشامل الذي يعكس احتياجات جميع السكان وتطلعاتهم.
في هذا الإطار، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الجلسة الحوارية الخامسة، لمبادرة “جبل عمّان: الماضي والحاضر والمستقبل”، والتي حملت عنوان: “البعد الاقتصادي”، الإثنين 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وأدارتها المستشارة في منظمة النهضة (أرض)، المهندسة مرح خياط.
وبشأن بناء الاقتصادات المحلية وريادة الأعمال، أكد مدير ومؤسسة منظمة قادة الغد والعضو في لجنة جبل عمّان، د. سامي الحوراني، على ضرورة التحفيز المجتمعي كأداة للنهوض الاقتصادي وتأثيره على ريادة الأعمال، كما يجب تحفيز الشباب في العمل الاجتماعي كونه علم بحد ذاته، ويحتاج إلى جهد كبير، والذي يبدأ بإدراك غاياتهم.
ولفت إلى أن ثقافة الإنتاج هي أساس نهضة المجتمعات، فغياب هذه الثقافة عن مجتمعاتنا تجعلنا قاصرين عن مواكبة أهم التطورات على الساحتين المحلية، والإقليمية، والعالمية، مستشهداً بدول مثل سنغافورة وماليزيا اتبعت هذه الثقافة لتحقيق نهضتها.
ونبه إلى أهمية العمل الجماعي وتعزيز الشراكات بين كافة الجهات عند إنشاء المبادرات المجتمعية، والمشاريع الريادية، والاستثمارات المختلفة، بعيداً عن “الفردية” لتحقيق المنفعة الاقتصادية الشاملة للمجتمعات، فضلاً عن أهمية تسليط الضوء على قدرات الشباب بالمنافسة عالمياً، مشيراً إلى أن الاقتصاد الأردني لن يحل مشكلة البطالة بين الشباب على مدى السنوات العشر القادمة، لكن مطلوب في هذا السياق تحسين قدراتهم، والقدرة على التنافس عالمياً.
وفيما يتعلق بأهمية الاستثمار السياحي في جبل عمّان، شدد هيثم القسوس من مجموعة روميرو، على أهمية التخطيط الاستراتيجي عند إقامة المشاريع أو المبادرات في المنطقة، بحيث توفر فرص عمل للمجتمع المحلي نفسه، مع التركيز على دور المؤسسات في دعم أفكار الشباب ومبادراتهم.
وسلط القسوس الضوء على كيفية تحقيق نتائج مبهرة عبر الرؤى الاستراتيجية التي يتمتع بها بعض الأفراد المتميزين وإصرارهم لتحقيق الأهداف مما يفتح المجال لإلهام الآخرين وخلق أثر إيجابي مستدام، مستعرضاً على المستوى الشخصي والعائلي تجربة مجموعة روميرو كمثال حي، حيث تمكنت هذه المجموعة من بناء قصة نجاح ملهمة تجمع بين الابتكار والإدارة الفعالة، أدت لتحقيق إنجازات مستدامة سواء على مستوى تطوير الأعمال أو التشغيل المجتمعي، ومثال نجاح آخر على المستوى المجتمع: من خلال تقديم تجربة جمعية وسوق جارا، حيث نجحت الجمعية في تعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية للمنطقة، واستثمار الموارد المحلية من خلال تنظيم سوق جارا الذي أصبح منصة لتمكين المجتمعات ودعم الاقتصاد المحلي.
ختاماً؛ أكد المشاركون على أهمية دعم الشباب ومبادراتهم الإنتاجية والاجتماعية في جبل عمّان خاصة والمملكة ككل، وكذلك من الضروري إطلاق حوارات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، والمجتمعات كافة، مع التأكيد على أن رغبة الشباب في المشاركة على مستويات مختلفة لا بد أن تحاط ببيئة اجتماعية ومؤسسية داعمة.