يعد التاريخ الاجتماعي والثقافي لجبل عمّان انعكاساً غنياً لتنوع الثقافات والتقاليد والقيم بين سكانه، حيث جسدت خصوصيته المميزة روح المنطقة وسيرة تطورها. وقد أسهم هذا التاريخ في تشكيل علاقة الإنسان بالمكان، مما أضفى عليه هوية فريدة وذاكرة نابضة بالحياة، تجلت في جوانب الفن والثقافة.
ويشكل الحفاظ على التراث الثقافي من خلال المشاركة المدنية وخاصة من قبل الشباب ؛ ضماناً لتمكين الأجيال القادمة من تقدير هذا الإرث الثري والمساهمة في استمراريته. وقد أثبتت برامج عدة نجاحها في هذا المجال، مثل أيام شومان الثقافية، التي نُفذت بالشراكة مع جمعية سكان حي جبل عمّان القديم (جارا)، حيث أسهمت في إشراك السكان بالمحافظة على التقاليد الثقافية عبر الموسيقا والفن والمشاركة الأكاديمية.
وفق هذا السياق عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الجلسة الحوارية الرابعة، لمبادرة “جبل عمّان: الماضي والحاضر والمستقبل” والتي حملت عنوان: “النسيج الاجتماعي والثقافي”، الإثنين 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وأدارتها المستشارة في منظمة النهضة (أرض)، المهندسة مرح خياط.
وحول جمعية جارا، لفت نائب رئيس الجمعية، خضر قواس، إلى أن الجمعية تأسست بهدف الحفاظ على تراث حي جبل عمّان القديم وطابعه، وتعمل على التعريف بالحي، ونشأته التاريخية والفنية والثقافية، والحفاظ على جزء من إرثه الحضاري.
وحول سوق جارا وأهميته الثقافية والتراثية، تحدث قواس: “إن سوق جارا الذي انطلق أول مرة عام 2005، يجمع سكان المملكة ككل، وأغلب المشاركين فيه من سيدات المجتمع المحلي، مهتمات بالتراث والفنون، ويقمن بعرض منتجاتهن كل يوم جمعة، بهدف إرجاع الحياة إلى شارع الرينبو ومنطقة جبل عمّان، هذه المنطقة العريقة بسكانها ومبانيها وشوارعها”.
وأكد قواس على أهمية تعريف الجيل الجديد على منطقة جبل عمّان والأسواق التراثية فيه، مشيراً إلى أن جمعية جارا لها اتصال دائم مع المجتمع المحلي من خلال التعاون مع المدارس مثل مدرسة الأهلية، حيث نتج عن هذا التعاون إقامة مهرجان “حارتنا”؛ بهدف إحياء النسيج الاجتماعي والثقافي في المنطقة.
أما بخصوص جبل عمّان كحاضنة للثقافة والتنوع السكاني، فأعتبر المؤسس والمدير العام لجبل عمّان ناشرون ومنصة كتبي، د. سنان صويص، أن منطقة جبل عمّان حملت ثقافة التنوع والانفتاح وروح التشاركية منذ نشأتها، كما شكلت نموذجاً للحيّ ومفهوم الحارة، لافتاً إلى أن عمّان كانت مثالاً حياً لانصهار الثقافات العربية فيها.
وبحسبه، وكأحد الذين نشأوا في منطقة جبل عمّان، أشار إلى أن هناك تحولات مجتمعية كبيرة حدثت في المنطقة، خاصة وأنها تميزت بنسيج اجتماعي قوي ومترابط منذ قديم الزمان، حيث بنت عائلات كبيرة من شتى الأعراق والديانات منازلها عليها وأصبحت تراثية الآن، ناهيك عن أن الناس كانوا يتصفون بالألفة والمحبة والتواضع والتعاون في كل المناسبات، إضافة إلى ثقافة الإنتاج والريادة لدى سكان الحيّ والتي تحولت اليوم إلى ثقافة مستهلكة.
ختاماً؛ أوصى المشاركون في الجلسة بأهمية إعادة إحياء التراث الثقافي والاجتماعي في جبل عمَان، وإثارة اهتمام الشباب بالمناطق والأحياء القديمة لمدينتهم، كما من المهم تطوير الأحياء وترميمها والحفاظ عليها، وهو ما يتطلب دراسة تخطيطية شاملة للمنطقة تشمل كافة العناصر. وأيضاً من الضروري جمع المعلومات والوثائق عن تجربة الحي المتعلقة بالنسيج الثقافي والاجتماعي، وحول تاريخ وحضارة الحيّ، وصولاً إلى تعزيز مهارات الأجيال الجديدة، وتشجيع المبادرات الثقافية الشبابية من أجل الإسهام في استدامة العمل الثقافي والاجتماعي والمحافظة على الهوية العَمانية التي تميزت عبر التاريخ.