“للتخطيط الحضري دور هام ومحوري في الحفاظ على التراث العمراني المميز في جبل عمّان مع معالجة التحديات المعاصرة كالنمو السكاني، والتحسين الحضري، والازدحام المروري، وغيرها. لذلك، من الضروري أيضاً أن نلتفت لأهمية المشاركة المدنية لسكان المنطقة، وخصوصاً الشباب في هذا التخطيط ليكون لهم رأي في تحديد احتياجاتهم من أجل صياغة مستقبلهم”.
بهذا الحديث قدمت المستشارة في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، المهندسة مرح خياط، الجلسة الحوارية الأولى لمبادرة “جبل عمّان: الماضي والحاضر والمستقبل”، والتي حملت عنوان: “التخطيط الحضري”، وعقدت يوم الإثنين 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، حيث تحدث فيها خبير التخطيط والتراث والتنمية الحضرية د. رامي الضاهر، والمهندسة ديما أبو دياب منسق برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والعضوة في لجنة جبل عمّان (وهي لجنة شكلتها النهضة العربية (أرض) لتعزيز المشاركة المدنية الهادفة في تخطيط جبل عمّان عبر تطوير خطة حضرية شاملة ومستدامة لتنشيط المنطقة).
وتأتي هذه الجلسة الحوارية ضمن فعاليات مشروع “الأمل صورة بألف كلمة”، والمدعوم من السفارة السويسرية في الأردن، والذي سيمثل ماضي جبل عمّان وحاضره ومستقبله بعيون المصورين الشباب؛ والذين سيشاركون في جلسات حوارية مع خبراء ميدانيين حول القضايا الهامة التي يركز عليها المشروع، وهي التخطيط الحضري، والإهتمام البيئي، والتنمية السياحة، والنسيج الاجتماعي والثقافي، والتنمية الاقتصادية. في حين ستترجم نتائج المسابقة والجلسات الحوارية الى سياسات تعتمد على رؤى الشباب لمشاركتهم في تطوير مجتمعاتهم بكافة أبعاده.
وفي حديثه عن جبل عمّان: “الحي بعالميته، وحداثته المنسية”، وصف الضاهر عمّان بمدينة “الطواقي”؛ لتميزها منذ بداياتها باستقبال جميع الطوائف والعائلات في صدرها الرحب، لافتاً إلى أن عمّان قدمت نموذجا للتآخي والتعايش والمسؤولية المجتمعية. ودعا ضاهر في هذا السياق، إلى إبراز الهوية المعمارية لعّمان كمدينة عربية أصيلة.
وأشار إلى أن الذين درسوا عمّان في بدايات القرن التاسع عشر، لم تكن دراساتهم موضع اهتمام حقيقي في العمل على إبراز معالم المدينة. ورأى أن المدارس والمستشفيات والأحزاب السياسية والفنادق القديمة كانت جزءًا مهماً من مشروع حداثة عمّان التي تعد أكبر مدينة وكثافة سكانية يقطنها السكان في المملكة.
وعلى حد وصفه، فـ”قصة عمّان هي قصة أهلها”، مبيناً أن معلمي المدارس والأطباء والتجار هم من بنوا عمّان. مؤكداً أن الخطر الحقيقي على منطقة جبل عمّان يكمن بعدم فهم إرثها التاريخي ونسيجها الاجتماعي، والتغيرات التي لا تناسب النمط الحضاري للمنطقة.
وشدد الخبير على ضرورة أن يكون للشباب دور فاعل في المدينة من خلال حماية تراثها وتشكيل مستقبل مجتمعاتهم، وتطوير المبادرات الهادفة للحفاظ على هويتها، وبالتحديد في هذه المرحلة حي جبل عمّان، موضحاً في سياق متصل أن مشاركة المجتمع في التخطيط الحضري يحسن من جودة الحياة.
وعن أبرز تحديات التخطيط الحضري لمدينة عمّان، أوضح الضاهر أن إهمال المشاركة السكانية، واحتكار القرار، بالإضافة لعدم عمل الجهات التنظيمية والخدمية كفريق متكامل ونقص التمويل تعتبر من أهمها، مبيناً أن الخصخصة زادت من المعوقات التي يواجهها التخطيط الحضري واستدامته، بالإضافة إلى افتقار التخطيط الحضري إلى مشاركة التخصصات المتعددة، حيث تقتصر عادةً على المهندسين والمعماريين فقط، دون النظر إلى مجالات أساسية أخرى مثل علم الإنسان، والجغرافيا، وعلوم البيئة، وغيرها.
وحول المشاركة المجتمعية في عملية التخطيط الحضري، أكدت أبو دياب على أهمية سماع صوت الشباب في تحديد الاحتياجات، مؤكدة على حق المشاركة المجتمعية في عمليات التخطيط الحضري وتحديد أولويات التنمية والتطوير، باعتباره حق من حقوق الإنسان، مع ضرورة التركيز على شمولية كافة فئات المجتمع في هذا السياق.
وبشأن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، لفتت أبو دياب إلى أنه يعمل على أساس رؤية أن المشاركة المجتمعية تفضي لمستقبل حضري أفضل، حيث يقوم بدعم تنمية المدن والمستوطنات البشرية المتكاملة والشاملة والمستدامة، القادرة على توفير مستوى معيشة ملائم للأطفال والشباب والنساء والرجال، والتي تتمتع بالحوكمة والقدرة على التكيف مع الصدمات.
من جانبهم، أكد المشاركون الشباب في الجلسة على ضرورة زيادة وعي الطلبة في المدارس والجامعات والمعاهد حول أهمية التراث والحضارة، بالإضافة إلى أهمية بناء المعرفة المجتمعية والثقافية وانتاجها لدى الشباب، وأن يكون لديهم نظرة وأفق أوسع لإحداث التغيير الإيجابي في المجتمع، سواء على المستوى المحلي أو الوطني، وهي مسؤولية وطنية للحكومات والمجتمع المدني، منبهين أيضاً إلى ضرورة أن يكون هناك مبادرات لتأهيل دخول الشباب والشابات في العمل المدني.
وبحسبهم، فإن هناك تراجع في العالم العربي بما يتعلق بالدراسات النقدية المتعلقة بالحضارة والتراث والتخطيط العمراني، منبهين إلى أن إشراك المجتمعات في عملية صنع القرار المتعلقة بالتخطيط الحضري يعمل على تمكين الأفراد من أن يكون لهم صوت في القرارات التي تؤثر على أحيائهم وشوارعهم وبيئاتهم الحضارية.