مرة أخرى، يعود ملف التوقيف الإداري القديم المتجدد، إلى واجهة النقاشات بين الأوساط الحقوقية والمدنية والسياسية، وتحديداً بعد القضية التي رفعتها منظمة تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، لعاملة إندونيسية الجنسية جرى توقيفها إدارياً لثلاثة أعوام ونصف العام، وصدور قرار محكمة استئناف عمان مؤخراً بتعويضها.
في إطار ذلك، وضمن حوارات تعزيز ثقة الجمهور في قطاع العدالة من خلال الحوار الاجتماعي، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الثلاثاء 29 نيسان/أبريل 2024، لقاءً حوارياً بعنوان:”حرية مرهونة: التوقيف الإداري نموذجاً”، أدارته المحامية ونائبة رئيس جمعية الحقوقيين الأردنيين نور الإمام، وتحدث فيه المديرة التنفيذية لمنظمة تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا الكلش، والمحامية المتخصصة بقضايا العمال أسماء عميرة.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فتم تسجيل نحو 34 ألف موقوف إداري في المملكة عام 2023، حيث شددت الكلش في هذا الصدد، على ضرورة وقف العمل بقانون منع الجرائم، مشيرة إلى أن حكم محكمة الاستئناف بتعويض العاملة سيؤسس لقرارات أخرى من هذا النوع، حيث تعتبر “تمكين” هذه القضية والحكم الذي صدر بها قضية استراتيجية ستعيد النظر بملف التوقيف الإداري في الأردن، وستلقي الضوء من جديد على القانون وكيفية تطبيقه على أرض الواقع، فضلاً عن التكاليف المالية الكبيرة على خزينة الدولة جراء توقيف أعداد كبيرة إدارياً في مراكز الإصلاح.
وحول التوقيف الإداري، شددت الكلش أنه يعد انتهاكاً للحق في الحرية الشخصية، رغم أن الدستور الأردني ينص على أن الحرية الشخصية مصونة، وأن كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة هي جريمة يعاقب عليها القانون كما كفلت الاتفاقيات الدولية الحرية والأمان وعدم توقيف أي شخص تعسفاً.
وذكرت الكلش قصة العاملة التي وصلت لها تمكين من خلال زيارات ميدانية تقوم بها لمراكز الإصلاح حيث تم تحويل ملفها الى وحدة المساعدة القانونية فيها التي بدورها رفعت قضية لها، بعد أن تم إيقافها إدارياً مدة ثلاثة أعوام ونصف العام في مركز إصلاح وتأهيل الجويدة للنساء، حيث حكمت محكمة استئناف عمان بتعويض لها قيمته (20,880) دينار.
وبشأن قرار الحكم في قضية العاملة، بينت عميرة أن القرار يعد سابقة قضائية لحصول عاملة مهاجرة على تعويض عن مدة التوقيف الإداري، وذلك استناداً إلى الدستور الأردني، كما كفلت الاتفاقيات الدولية الحرية والأمان وعدم توقيف أي شخص تعسفاً.
وعن الصلاحيات التي يمكن للحاكم الإداري توقيف الأشخاص، أوضحت عميرة أنه وفقاً لقانون منع الجرائم حددت الصلاحيات الممنوحة للمحافظ والمتصرف فيما يتعلق بالتوقيف، مثل الاعتقاد بوجود شخص في منطقة الاختصاص على وشك ارتكاب جرم أو المساعدة على ارتكابه أو كل من اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة أموال مسروقة أو اعتاد حماية اللصوص أو كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً على الناس أو أن تكون هناك أسباب كافية لاتخاذ الإجراء، وحضور الشخص أمام المتصرف ليبين إذا كانت لديه أسباب تمنعه من ربطه بتعهد.
وحول هذا الجدل المتصاعد من سنوات كثيرة، بشأن ملف التوقيف الإداري، دعا المشاركون في اللقاء لإعادة النظر وعمل مراجعات دائمة لأوضاع الموقوفين إدارياً وقضائياً، مشيرين إلى أن العالم يتجه حالياً إلى التقليل من استخدام العقوبات السالبة للحرية، مقابل عقوبات لا يكون لها تأثير اقتصادي أو اجتماعي على المحكوم عليهم، وبشكل لا يؤثر على حقوق المواطنين. كما أوصوا بأهمية رفع وعي دائم للحكام الإداريين (المحافظ والمتصرف) والتعاون بين المجتمع المدني الجهات الحكومية للوصول إلى أفضل ممارسة فضلى للقانون، مع إعادة النظر في التأثيرات السلبية للتوقيف الإداري على العائلات والأسر الأردنية، وخاصة المرأة، إضافة إلى إجراء مراجعة شاملة وحقيقية للقانون بصورة تضمن تطبيقه بعدالة.