غالباً تكون الزيارات الميدانية للمعالم القديمة بقصد الترفيه، لكنها غير ذلك؛ إذا كانت مع شابات وشباب يدركون أن معرفة التاريخ والإرث الحضاري والسياسي لأي مدينة هو الأساس لنهضة وقيام الدولة وأحد أبرز عناصر صمودها.
من هذه النقطة؛ تشكلت أهمية الزيارة الثانية لشبكة شباب النهضة، بعد محافظة السلط، لمنطقة الأزرق التابعة لمحافظة الزرقاء، والتي تعد أحد أهم بوابات البادية الأردنية وملتقى الحضارات والمسارات ودروب القوافل التجارية، وذات تنوع طائفي وديني على مر العصور.
محطات عديدة ومتنوعة زارتها الشبكة يوم السبت 12 آذار/ مارس 2022، وأولها “قصير عمرة” أحد أشهر القلاع الصحراوية في المدينة، ويعود بناؤه إلى أوائل القرن الثامن الميلادي، في عهد الخليفة الأموي الوليد بن يزيد، حتى أنه أُدرج ضمن قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، ما ساعد في رفع مكانته بين أماكن السياحة في المملكة.
المحطة الثانية للشبكة، كانت في قلعة الأزرق، إحدى القلاع التاريخية في الأردن، وأعيد بناؤها العرب في عهد عز الدين أيبك، وهي شاهدة على تاريخ الأردن منذ زمن الرومان واليونانيين وصولاً إلى عهد الثورة العربية الكبرى وتأسيس الدولة الأردنية، مروراً بالعهود العربية والمملوكية والتركية.
وانتقالاً من الحضارة والآثار والتاريخ، إلى المشاركة السياسية والمدنية والحزبية للشباب، حيث تعرفت الشبكة على مساحة “بازلت” الشبابية التي تأسست قبل عام من خلال البرنامج الذي أطلقته منظمة “أكشن ايد” للاشتباك بشكل مباشر مع قضايا الشباب ورفع وعيهم بالعمل الحزبي والسياسي، والوصول للبرلمان وصناعة القرار.
و”بازلت” يديرها 7 من شابات وشباب أبناء المنطقة، وتتيح للشباب الانخراط أكثر مع المبادرات المجتمعية والأحزاب وصناع القرار وبناء قدراتهم واحتضان أفكارهم، لتمكينهم مدنياً وسياسياً واقتصادياً وتفعيل دورهم بالمجتمع.
بينما تركزت انطباعات الشباب في مداخلاتهم وحواراتهم مع مؤسسي المساحة على ضرورة تحفيز الشباب والاندماج أكثر مع قضاياهم المجتمعية، والترشح لمجالس المحافظات بالتزامن مع حاجتهم إلى التغيير والمشاركة السياسية، وضرورة تفهم الدولة احتياجاتهم وطموحاتهم واهتماماتهم، ما يستوجب وضع علاقة الشباب بالعمل السياسي ضمن خانة أهداف الدولة الاستراتيجية.
وطالبوا بتهيئة مناخات ومساحات أرحب أمامهم وتجسير الفجوة بينهم وبين الأحزاب السياسية، وتطوير قدرات الأحزاب نفسها بالوصول إليهم، والتحول من الخطابات إلى تفهم هذا الجيل والتفاعل معه وإشراكه في العمل الحزبي المناسب له.
المحطة الأخيرة؛ تمثلت بزيارة الشبكة لـ”مطبخ عامر” وسط المدينة قرب قلعة الأزرق، إذ تأسس قبل أثني عشر عاماً على يد السيدة (تمام عامر) لمساعدة أبنائها على إكمال دراستهم الجامعية. يعد المطبخ أحد أهم المشاريع الإنتاجية في المنطقة ويستقطب سياحاً من مختلف أنحاء العالم ويقدم مأكولات وحلويات (المفتول والمنسف والكبة واللزاقيات)، كما له دور كبير في الحفاظ على الإرث والتنوع الذي تشتهر به منطقة الأزرق والتي يسكنها الدروز والشيشان وبعض العائلات الفلسطينية وبدو الأردن.
وفي هذه المدينة؛ يتركز الدروز ويبلغ عددهم نحو 58 ألف نسمة، لكنهم يتواجدون في مناطق أخرى بينها: العاصمة عمان والرصيفة بمحافظة الزرقاء ومنطقة أم القطين في محافظة المفرق، وكلها مناطق شمالي الأردن، كما يوجد جزء قليل منهم في منطقة العقبة، أقصى جنوبي البلاد.
لعل التعرف على المبادرات المجتمعية والإرث الحضاري والثقافي والتاريخي للمدن، لا يكون بمنأى عن التفكير والعمل من أجل المستقبل، ما يتطلب من الشباب فهم وممارسة حقوقهم الدستورية وإحداث التغيير من خلال المشاركة السياسية والمدنية، بالتزامن مع إتاحة الفرص التدريبية أمامهم ورفدهم بالخبرات العملية ودعمهم من قبل المؤسسات الحكومية والجهات المدنية الشريكة، ومن غير ذلك لا حديث عن أي حاضر أساسه الشباب.