واحد من كل ثلاثة ضحايا اتجار بالبشر هو طفل، والغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال من الفتيات”، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، ورغم إقرار العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية لمناهضة الاتجار بالبشر، إلا أن الصراعات السياسية والحروب والأزمات الاقتصادية الخانقة في المنطقة العربية فاقمت أزمة الاتجار بالبشر واستغلالهم دون أي قرار منهم.
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يصادف 30 تموز/ يوليو من كل عام، وشعار لهذا العام: “عدم التخلي عن أي طفل في معركة التصدي للاتجار بالأشخاص”، وفي ظل تفشي النزاعات والتطور الإلكتروني الحاصل، لا تزال هذه الظاهرة المستعصية تمثل قضية عالمية ملحة، وتؤثر على ما يقارب من 50 مليون شخص وفقاً للأمم المتحدة، على الرغم من التجريم الواسع النطاق للانتهاكات التي يتعرضون لها هؤلاء الضحايا، وأيضاً معارضتها لحقوق الإنسان والمواثيق العالمية.
وحول مفهوم “الاتجار بالبشر”، فيقصد به “تجنيد أشخاص، أو نقلهم، أو تنقيلهم، أو إيوائهم، أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر، أو الاختطاف، أو الاحتيال، أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة ضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة، أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء”.
وفي معظم مناطق العالم، يشكل المهاجرون أكثر من نصف ضحايا الاتجار الذين حددت هويتهم، يوجد منهم 65% في غرب أوروبا وجنوبها، و60% في الشرق الأوسط. وفي كثير من حالات الاتجار المبلغ عنها هذه، استغل المتاجرون وضع الضحايا المرتبط بالهجرة للحفاظ على سيطرتهم عليهم واستغلالهم ومنعهم من الفرار و/أو الإبلاغ عن الانتهاكات التي يعانون منها، إضافة إلى تعرض الكثير من الأشخاص سنوياً إلى الغرق وخطر الموت، والفقدان.
في السياق، يزداد خطر الاتجار بالبشر بسبب عوامل عديدة: منها ارتفاع معدلات البطالة، وانعدام الحماية الاجتماعية، وتقطع السبل بالعمال المهاجرين في البلدان التي لا يستطيعون فيها الحصول على الخدمات الصحية والاجتماعية، إلى جانب تعرض الأطفال لأشكال متعددة من الاتجار، بما في ذلك العمل القسري، والجريمة، والتسول، فضلاً عن تزايد انتشار المنصات والألعاب الإلكترونية تسبب بمخاطر إضافية، حيث يتواصل الأطفال غالباً مع هذه المواقع بدون حماية كافية.
عالمياً؛ ووفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، نصت المادة (8) على أنه: “لا يجوز استرقاق أحد، ويحظر الرِّق والاتجار بالرِّقيق بجميع صورهما. كما لا يجوز إخضاع أحد للعبودية… ولا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الإلزامي”.
وعلى صعيد نطاق الحماية لضحايا الاتجار بالبشر، انضم الأردن للاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 والبروتوكولين الملحقين بها المتعلقة بمنع وحظر الاتجار بالبشر، خاصة النساء والأطفال ومكافحة تهريب المهاجرين لسنة 1962، كما وقع على 24 اتفاقية عمل دولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل.
كما صدر قانوني إبطال الرق لسنة 1929، ومنع الاتجار بالبشر لسنة 2009 والذي تم تعديله سنة 2021، وحملت التعديلات الجديدة الكثير من الإيجابيات ومنها إضافة التسول المنظم كصورة من صور الاتجار بالبشر، فيما تم تغليظ العقوبات الواردة به، وتم النص على الإقامة المؤقتة للضحية (من الجنسيات الأخرى) في المملكة إلى حين استكمال الإجراءات الضرورية للتحقيق والمحاكمة.
من جهتها، تحث منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) التي شاركت في العديد من المؤتمرات وأوراق سياسات قانونية للحد من الاتجار بالبشر إقليمياً، المجتمع الدولي، أن يلعب دوراً حاسماً في معالجة هذه القضية، وتوحيد الجهود والعمل معاً لضمان الالتزام بحقوق الإنسان وحماية اللاجئين والمهاجرين ومنع استغلالهم. كما تعمل المنظمة من خلال ملتقى الهجرة واللجوء في العالم العربي (مرفأ)؛ هو شبكة مستقلة من الأكاديميين العرب ونشطاء حقوق الإنسان والمحامين، على مناصرة حقوق المهاجرين واللاجئين والتوعية بالقضايا الملحة ذات الصلة في المنطقة، بما في ذلك قضايا انعدام الجنسية، والشتات، والإجراءات والسلوكيات التمييزية ضدهم.
ختاماً؛ من الضروري التصدي لمسببات هذه الجريمة وذلك عبر العمل على إحلال الأمن والسلام في المنطقة، وتحسين الوضع الاقتصادي، وزيادة وعي الأطفال وأهاليهم بـأخطار هذه الظاهرة وخاصة على الفضاء الإلكتروني، ورفع وعي الشباب من مخاطر الهجرة غير الشرعية، واتخاذ تدابير شاملة وقائية لحماية جميع البشر ومساعدة الضحايا، وهو ما يتطلب جهوداً مشتركة على المستويين الوطني والدولي، عبر إعطاء الأولوية لحماية الأطفال، وتعزيز القوانين الرادعة في هذا الصدد وتظافر الجهود لكل المعنيين من الحكومات، والمنظمات غير الحكومية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص في زيادة الوعي، وتقديم خدمات الدعم، والدعوة إلى الإصلاحات ذات الصلة، وتوفير مزيد من الموارد لمكافحة الاتجار بالأطفال، إلى جانب تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية، وصولاً إلى تسريع الجهود للقضاء على الاتجار بالبشر.