الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

ما لن تحكيه الأرقام أبدًا: جروح غزة العميقة والأمل الدائم في فلسطين

مشاركة

إذ ترحب منظمة النهضة (أرض) بدء وقف إطلاق النار في غزة كبارقة أمل في بحر من المآسي والغضب. يمثل وقف النار هذا إذا تم تنفيذه، خطوة ضرورية نحو حرية فلسطين وتفكيك نظام القمع الاستعماري.

لكن ما لا يمكن للأرقام أن تحكيه هو الألم الإنساني العميق والصدمة عابرة الأجيال أولئك الذين بقوا على قيد الحياة يحملون الحزن على الأرواح التي أزهقت، والأطراف التي بُترت، والمنازل التي أصبحت رمادًا، وابتسامات الأطفال التي سُرقت إلى الأبد. سنوات من الاقتلاع والتشريد عمّقت الجرح الفلسطيني وفصلت الناس عن وطنهم. بعد 15 شهرًا من العيش في خيام مؤقتة وتحت سماء مظلمة لا يخترقها سوى صوت القنابل والطائرات المسيرة، تبددت الذكريات والأحلام، لتبقى حياة الفلسطينيين معلقة بين موت سريع وبطيء.

يمثل وقف إطلاق النار فرصة طال انتظارها، ومساحة للتعبير عن الحزن على ما ضاع، وللبحث عن المفقودين ودفنهم بكرامة. كما يمنح الفلسطينيين بعض الوقت للتعامل مع الألم واسترجاع لحظات ثمينة مع من فقدوا. بالنسبة للأسرى، يحمل وقف إطلاق النار وعدًا بحياة بلا قيود أو عذاب. سيعيد الأسرى الفلسطينيون تذوق الحرية ومعانقة أحبائهم بعد غياب طويل. فوقف إطلاق النار ليس مجرد نهاية للعنف المباشر؛ إنها بداية لإعادة البناء واستعادة القوة، وللاستمرار في النضال من أجل فلسطين حرة.

فعلى مدار ما يقارب 500 يوم، دمرت القوى الاستعمارية 365 كيلومترًا مربعًا من فلسطين، وشنت حملة محسوبة لقمع الوجود الفلسطيني في غزة.

فتسببت خمسة عشر شهرًا من القصف المتواصل في خسائر بشرية لا يمكن قياسها: فقد قتلت القوات الاستعمارية ما بين 47000 إلى 389000 فلسطيني على الأقل وجرحت – معظمهم بإصابات غيرت حياتهم – ما بين 110012 و 221760. لقد حاصرت متاهة من الأوامر الفوضوية المتناقضة سكان غزة بالكامل، مما أدى إلى احتجازهم تحت قصف لا هوادة فيه وتهجير قسري. وقد حدث هذا وسط مجاعة من صنع الإنسان، تغذيها تصعيد إسرائيل لحصارها المستمر منذ 16 عامًا والهجمات المتعمدة على مرافق الأونروا وتفويضها. لقد استهدف هذا الهجوم كل جانب من جوانب الحياة في غزة، من الموظفين المدنيين والأطباء إلى العاملين في وسائل الإعلام والأطفال والنساء والرجال والآباء والأمهات والأجداد، وكذلك المهندسين والمعلمين والأساتذة والفنانين والطلاب، مع محو عائلات بأكملها من سجل التاريخ. لقد تم تدمير كل مكان يحمل سجلات حياة وبقايا وآثار عميقة الجذور للتراث الفلسطيني عمداً، وهو ما يذكرنا بالنكبة بشكل مؤلم. لقد وصل الدمار الشامل إلى 92٪ من المنازل، و88٪ من المرافق التعليمية بما في ذلك جميع الجامعات، ودمر 80٪ من المرافق التجارية، و68٪ من شبكات الطرق، و68٪ من الأراضي الزراعية، و52٪ من الآبار الزراعية، و44٪ من الدفيئات الزراعية، و72٪ من أسطول الصيد، وجميع المرافق الصحية لم يتبق سوى 50٪ من المستشفيات تعمل جزئيًا، بينما تم قتل 95٪ من الغلايات. وفي الوقت نفسه، ألقت حملة شاملة من الاعتقالات الجماعية القبض على ما لا يقل عن 4000 فلسطيني من غزة، وأرسلتهم إلى غرف التعذيب القاتلة – والعديد منهم لا يزال مصيرهم محاطًا بعدم اليقين.

وبينما يكرر المسؤولون الاستعماريون بلا هوادة تعهداتهم القاتمة، يجد أولئك الذين نجوا من الموت أو الاعتقال التعسفي أنفسهم في بيئة مسمومة غير صالحة للحياة. فهم محاطون بأكثر من 40 مليون طن من الركام، بما في ذلك الذخائر غير المتفجرة والبقايا البشرية، و140 موقعًا مؤقتًا للنفايات، و340 ألف طن من النفايات، مع مياه الصرف الصحي غير المعالجة ومياه الصرف الصحي المتدفقة التي تخنق ما تبقى من وطنهم.

تُحيّي منظمة النهضة (أرض) الفلسطينيين الصامدين الذين تحدّوا أهداف المستعمر. فغزة لم تُطهّر من سكانها الأصليين، ولم تُسلّم للمستوطنين الأجانب، ولم تُمح القضية الفلسطينية من خلال أجندة الحركات الشعبية أو المجتمع الدولي. بل لا تزال غزة تُلهِم نضالات السكان الأصليين حول العالم.

فيما تعد شروط وقف إطلاق النار بمثابة شهادة على الهشاشة المتزايدة للقمع الاستعماري، وضعف أنظمة التهجير والفصل العنصري في جميع أنحاء العالم، مع ذلك، يجب ألا نعود إلى الوضع الراهن والذي كان في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2023.  حيث ترزح فلسطين لاحتلال استعماري متواصل ومتدرج لأكثر من 76 عامًا، حرم شعبها بشكل منهجي من حقوقه وأنكر حقه في العودة إلى وطنه. إذ فرضت السلطة الاستعمارية حصاراً متزايداً على غزة منذ عام 1948، مع شن ما لا يقل عن 12 هجوماً كبيراً عليها حتى عام 2023، فضلاً عن الحواجز البيروقراطية والاقتصادية والمادية والرقمية الخانقة التي أقيمت طوال التسعينيات، وفي عامي 2005 و2007.

وعليه، تدعو منظمة النهضة المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء هذا الظلم، وتشمل المطالب الرئيسية ما يلي:

  • ضمان التنفيذ الكامل والمستدام لوقف إطلاق النار.
  • مساءلة مرتكبي الجرائم الدولية، بما في ذلك الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
  • تعزيز حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات لإنهاء الاحتلال الاستعماري والفصل العنصري والإبادة الجماعية بما يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
  • دعم جهود إعادة الإعمار في غزة.
  • ضمان حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى وطنهم.
  • إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم 10400 سجين وضمان عدم إعادة اعتقالهم، بالإضافة لإعادة جثث الشهداء لأهاليهم.
  • توحيد إدارة الحكم الذاتي بين غزة وباقي فلسطين استجابة لمطالب الفلسطينيين.

 

لا تعد هذه الإجراءات ضرورية لضمان استمرار وقف إطلاق النار فحسب، بل أيضًا لإحقاق سلام دائم وعادل في فلسطين. فوقف إطلاق النار هو خطوة نحو تحقيق حق الفلسطينيين في العيش بحرية، متجاوزين مجرد البقاء على قيد الحياة، دون خوف من الموت والتهجير، مع امتلاكهم السيطرة المستقلة على تشكيلهم السياسي، واستعادة سيادتهم على مواردهم الطبيعية. أي شيء أقل من ذلك لن يحقق سلامًا دائمًا.

وإذ تشيد المنظمة بالجهود الدؤوبة لمناصري القضية الفلسطينية، فإننا نعرب عن امتناننا العميق للشبكة الدولية للقضية الفلسطينية، بما في ذلك المسؤولين، والجهات المانحة، ومنظمات المجتمع المدني، والعاملين في الإعلام، وزميلتنا المقررة الخاصة للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، على دعمهم المستمر والتزامهم الثابت.

بينما نشدد على أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه وكالة الأونروا في تقديم الإغاثة الضرورية للفلسطينيين، فإننا نؤكد اعتزازنا بقوة وصمود الشعب الفلسطيني، الذي يلهمنا أمله المتجدد ومثابرته. كما نثمن الحركة الشعبية الدولية التي واصلت جهودها بشكل مستمر وأكدت تضامنها الراسخ مع فلسطين وشعبها، ونعترف بدورها في تحقيق هذا النصر الذي طال انتظاره.

فيما تؤكد منظمة النهضة (أرض) التزامها الراسخ بالقضية الفلسطينية والنضال العالمي من أجل العدالة، فإنها تؤكد على ضرورة ألا يكون الإعلان عن وقف إطلاق النار مجرد هدنة عابرة، بل خطوة حاسمة نحو إنهاء الظلم والاستعمار الذي يواصل إلحاق المعاناة في جميع أنحاء العالم. نقف متضامنين مع الفلسطينيين الصامدين، وندعو المجتمع الدولي إلى التحرك بحزم وترجمة الكلمات إلى جهود مستدامة ذات مغزى. فمن خلال العدالة فقط يمكن تحقيق السلام الدائم والحرية.