سعيًا للتأسيس منبر للحوار المستمر وتبادل المعلومات ذات الصلة بالقضايا والاهتمام المشترك بين الأردن وفلسطين، وتنسيق المبادرات التي من شأنها الدفع نحو أجندة مشتركة تخدم مصالح البلدين السياسية والاقتصادية ودعمها في ظل الضغوط المتزايدة عليهما، ولغايات توحيد الجهود ضمن مجموعة عمل جديدة في الأردن والمنطقة، وتشجيع جيل جديد من الأردنيين والفلسطينيين على التعاون معًا لما فيه خير البلدين، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) وكجزء من برنامج القضية الفلسطينية الذي تنفذه منذ عام 2018، لقاءً حواريًا بعنوان “العمل المشترك من أجل الأردن وفلسطين”، شارك فيه من الأردن رئيس ومؤسس مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية الباحث الدكتور محمد العدوان، ومن فلسطين المدير التنفيذي لمركز برج اللقلق الاجتماعي في القدس منتصر ادكيدك، وممثل منظمة العمل الدولية في فلسطين منير قليبو، بالإضافة إلى المستشار الرئيس لبرنامج القضية الفلسطينية في مركز النهضة الفكري بمنظمة النهضة (أرض) الدكتور ليكس تاكنبيرغ.
وأدار اللقاء الوزير السابق والخبير الاقتصادي معالي الدكتور يوسف منصور، الذي أكد أن القضية فلسطينية تبقى القضية المحورية للعرب كافة بالرغم مما يطالعنا به الإعلام من مظاهر تطبيع واتفاقيات خارجة عن إرادة الشعوب، وصراعنا مع الصهاينة صراع وجود وليس صراع حدود، مشيرًا إلى أن عنوان اللقاء ليس شعارًا وحسب، فالعمل المشترك والشراكة بين الأردن وفلسطين والسياسة الأردنية نحو فلسطين ثابتة منذ عهد الملك الراحل الحسين بن طلال وحتى الملك عبد الله الثاني الذي سار على عهد أبيه.
وفيما يخص التوثيق المعرفي، جاءت كلمة الدكتور محمد العدوان، التي أكدت أيضاً أن العلاقات الأردنية الفلسطينية هي علاقة الحلف ضمن مفهوم علم الاجتماع الدولي والاستقرار الجيني والعرق واللغة والعادات والتقاليد، والأهم ضمن مفهوم الأحاسيس والأحكام والعقل الناظم المتراكم.
وفي الحديث عن واقع القدس وشبابها، استعرض منتصر ادكيدك ومن واقع عمله على ملف التعليم في القدس من خلال مركز برج اللقلق، الواقع المأساوي للشباب والأطفال هناك، وأضاف ” نسبة التسرب في المدارس بلغت 28% نتيجة الفقر الذي تجاوز خطه حاجز الـ81%، فالآباء يخرجون أبنائهم من المدارس للعمل ومساعدتهم في تحمل تكاليف الحياة الباهظة جدًا، بينما تبلغ نسبة التسرب من التوجيهي في السنة الأخيرة 51%، أي أن أبناء القدس لم تعد الجامعات تغريهم، لارتفاع أجر غير الجامعي الذي يعمل عند الاحتلال، ونسبة البطالة في القدس 18% وهي نسبة كارثية جدًا، أضف إلى ذلك أن عدد المنازل التي هدمت بلغت 2146 بيتاً حتى عام 2021، ناهيك عن معاناة الشباب المقدسيين الذي لا يستطيعون السفر أو تمثيل بلادهم في الخارج بسبب صراع الهوية ما بين الجواز الأردني والوثيقة الفلسطينية والإسرائيلية “. وهذا يترك المجال لمزيد من المشاكل إن لم يكن هناك تدخلات سريعة ومدروسة من جميع الأطراف.
أما عن اعتبار الأردن لدى الفلسطينيين، أكد منير قليبو أن الأردن هو الرئة الثانية لفلسطين والحامي لتطلعات وآمال شعبها، متأملًا أن يزداد الدعم أكثر من ذي قبل، فمأساة فلسطين اليوم تتجلى في تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء: القدس المحتلة، والضفة الغربية، وغزة التي تعيش أصعب ظروف القهر والاحتلال، ويجب لم الشمل الفلسطيني وتحقيق الوحدة، فالمؤسسة الفلسطينية غائبة لأنها اعتمدت على التمويل وليس مواجهة المصير. وأضاف: “بخصوص سوق العمل المقدسي فهناك 220 ألف عامل وعاملة يتوجهون إلى العمل عن طريق شقوق الجدار العازل الذي يفصل فلسطين عن فلسطين، ونحن في منظمة العمل الدولية ندرب الفلسطينيين ونبني قدراتهم ثم يأخذهم الاحتلال بكل سهولة، فصاروا يأخذون أفضل الشباب الذين دربناهم في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وأكثر ما يقلقنا أن المقدسيين لا يذهبوا للداخلية الإسرائيلية للحصول على بطاقة هوية فلسطينية، بل من أجل التجنيس الذي تكون نتيجته باهظة عند إجبارهم على الالتحاق بالخدمة المدنية.”
بدوره، أكد د. ليكس تاكنبيرغ أن شرعية الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، تتعرض لتحديات متزايدة فضلًا عن تقارير المنظمات الإنسانية والدولية و تقارير الأمم المتحدة المتعاقبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ تؤكد هذه التقارير أن دولة الاحتلال تطبق نظام أبارتهايد (نظام فصل عنصري) فعليًا، منتقدًا ازدواجية المعايير فيما يتعلق بالوضع في فلسطين والحرب في أوكرانيا، كما أشار إلى أن النية الجادة لعملية السلام لم تظهر في أي من الانتخابات الإسرائيلية الأربعة الأخيرة ، كما أن اتفاقيات إبراهيم خلقت تصورًا بأن دولة الاحتلال وجدت أخيرًا الشرعية في جزء أكبر من العالم العربي، إلا أننا نحتاج فقط إلى النظر حولنا هنا في الأردن لنعلم أن الشارع العربي لا يزال مؤيدًا بشدة للفلسطينيين.
وأكد الحاضرون على ضرورة لجم من يفصل بين الشعبين، والتركيز على الوجود الإسرائيلي في فلسطين باعتباره احتلال وليس نظام فصل عنصري فحسب حتى لا ننحرف عن القضية الأساسية، واستثمار وسائل الإعلام لإبراز المخاطر الجديدة التي تعصف بالمنطقة ونتيجة الانتخابات الأخيرة التي تشكل قلق بالغ الأهمية بالنسبة للأردن، ونادوا بتأطير وتوحيد الجهود للعمل معاً للدفاع عن البلدين المستهدفين بنفس العزم والانتماء، فالدفاع عن عمّان يعني الدفاع عن القدس. وخلصت المجموعة إلى ضرورة استمرار الحوارات واللقاءات لتوحيد الرؤى ومجالات العمل المشترك بين جميع المعنيين.