بقلم زينب الخليل وجلال أبو صالح
يعد تعزيز دور المرأة الأردنية في مختلف المجالات ضرورة وطنية ليست طارئة. فمنذ تأسيس المملكة وصك دستورها عام 1952 تم التفات لدور المرأة المهم في مجتمعاتنا، وذلك رغم العديد من التحديات التي تواجه النساء؛ مثل ضعف العدالة بين الجنسين، والقيود السياسية والاقتصادية، وصعوبة الوصول لمواقع صنع القرار.
وبين ما حققه الأردن والعالم العربي، من إنجازات كثيرة في صعيد إشراك المرأة على كل الأصعدة في سبيل ضمان دورها في أمن واستقرار وسلم المجتمعات والتزامهم في المواثيق الدولية والعالمية، بما في ذلك إعلان ومنهاج عمل بكين، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقرارات مجلس الأمن حول المرأة والأمن والسلام، إلا أنه ما يزال هناك المزيد للقيام به لتعزيز مشاركتها في عملية صنع القرارات الاستراتيجية، وخاصة في ظل الأزمات التي تواجهها المنطقة والتي تعتبر النساء والفتيات من الفئات الأكثر تأثراً بها.
وفي اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من آذار/ مارس 2025، وشعاره لهذا العام “الحقوق والمساواة والتمكين لكافة النساء والفتيات”، تزداد الحاجة إلى تعزيز العدالة بين الرجال والنساء، وتمكين النساء والفتيات، وحماية حقوقهن، إذ يحظى موضوع هذا العام بأهمية خاصة لأنه يسبق الدورة التاسعة والستين للجنة وضع المرأة، التي ستقوم بمراجعة إعلان ومنهاج عمل بكين – وهو إطار تاريخي لتحقيق العدالة بين الجنسين، بحيث يجتمع صناع السياسات والدعاة لتقييم التقدم العالمي في هذا السياق.
*يوم المرأة العالمي.. فرصة للتفكير وإعادة ترتيب الأولويات
وعلى مدار أعوام طويلة، كان للنساء دور مهم في مجتمعاتنا بدءًا من حراك النهضة والتحرر من الاستعمار، لذلك يعد إبراز دور المرأة القيادي في السياقات المحلية والوطنية وتبوئها لمناصب صنع القرار، وتمثيل أفضل للمرأة بمختلف خلفياتها الفكرية والثقافية، والاستماع لها بنظرة شمولية والأخذ بالأصوات النقدية المحلية التي تسعى جاهدة للاستجابة لقضايا مجتمعاتها، أمراً ضرورياً، خصوصاً أن ضمان مشاركتهن الكاملة ليس مجرد مسألة عدالة – بل هو ضروري لبناء مجتمعات مرنة وشاملة ومزدهرة.
ووفقاً للمجلس الأعلى للسكان، فإن ضعف العدالة بين الجنسين على المستويين الاقتصادي والسياسي، انعكس على موقع الأردن في مؤشرات وأدوات القياس العالمية بشأن إحراز الدول للمساواة في النوع الاجتماعي، إذ حصل الأردن في تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي لسنة 2024 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي على درجة 123 من أصل 153 دولة، في حين بلغت درجة المملكة في المشاركة والفرص الاقتصادية 145، وفي درجة التحصيل التعليمي 81، فيما كانت درجة الصحة والبقاء 103، وفي التمكين السياسي 113.
وأشار المجلس إلى أن وضع المرأة الاقتصادي أكثر صعوبة من الرجال لتأثرها بالتغيرات الاقتصادية التي تزيد من وتيرة معاناتها أثناء قيامها بالمهام الاجتماعية المناطة بها. وبين أن المرأة تواجه صعوبات في الوصول لمشاركة فاعلة في تحقيق تنمية وطنية مستدامة والتي تتطلب تفعيل سياسات حكومية متكاملة وتشريعات تدعم الجهود المجتمعية المبذولة لتغيير الصورة النمطية لدور المرأة في المجتمع.
كيف تتقاطع التزامات إطار بكين مع اليوم العالمي للمرأة؟
ويرتبط إطار عمل بكين ارتباطاً وثيقاً باليوم العالمي للمرأة، حيث يشكل إعلان ومنهاج عمل بكين أحد أهم المرجعيات العالمية لتعزيز حقوق المرأة والعدالة المجتمعية بين الرجال والنساء. كما يعد اليوم العالمي للمرأة فرصة لإعادة تقييم مدى التقدم المحرز في تنفيذ التزامات إطار بكين، وتسليط الضوء على التحديات المستمرة مثل عدم المساواة في الأجور، وضعف تمثيل النساء في المناصب القيادية، واستمرار العنف ضد المرأة.
ويدعو إطار بكين لهذا العام، الحكومات والمجتمعات إلى تنفيذ سياسات تضمن حقوق المرأة في جميع المجالات، ومكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة، وسد الفجوة الاقتصادية بين الرجال والنساء، فضلاً عن دعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية والقيادية، والاحتفاء بإنجازات النساء حول العالم.
ومنذ إعلان منهاج بكين عام 1995، ويعمل على عدة قضايا مثل الفقر، التعليم، الصحة، العنف ضد المرأة بكافة أشكاله (الجسدي، النفسي، الجنسي)، حقوق الإنسان، البيئة، والتمكين الاقتصادي والسياسي. كما دفعت توصياته إلى تغييرات قانونية وإصلاحات في العديد من الدول.
النهضة العربية (أرض): التزام مستمر بإيصال أصوات النساء
وأولت منظمة النهضة العربية (أرض) منذ بداية تأسيسها عام 2008 وإلى الآن، اهتماماً خاصاً برفعة النساء ودورهن في نهضة مجتمعاتنا، حيث نفذت العديد من المشاريع التي تدعم التمكين
الاجتماعي، والاقتصادي، والمدني للنساء لتتمكن من إعلاء صوتها والمساهمة بصنع القرارات.
وضمن أجندة وصول المرأة للعدالة التي ساهمت في إيجاد منصة للحوار للخروج بحلول للتحديات المشتركة التي تواجهها المرأة، سلطت المنظمة الضوء على العنف الأسري، والتمكين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لها، ومعالجة العقبات الفكرية والثقافية التي تقف أمام تمكينها في كافة المجالات، ودعم الرجال لأجندة المرأة، وكذلك تزويدهن بمهارات القيادة، وإعطائهن مساحات آمنة لتطوير أوراق سياسات ودراسات تدعم وصولهن للعدالة.
إلى ذلك؛ تسعى المنظمة منسق التحالف الوطني الأردني للمنظمات غير الحكومية (جوناف) الذي تأسس في عام 2016، بتفعيل قرار 1325 بشأن المرأة والأمن والسلام، وتنسيق الاستجابة الإنسانية الوطنية وجهود التنمية في الأردن وقيادتها، وفتح آفاق جديدة أمام النساء من خلال التشبيك والتحالف مع الجهات لزيادة الفرص أمامهن ومعرفة المشاكل التي تواجههن.
كما واصلت المنظمة جهودها بتعزيز إنجازات ونجاحات المرأة في المجالات كافة، إضافة إلى التأكيد على ضرورة الاستمرار والعمل على تنمية مهاراتها وإمكاناتها، من خلال إطلاق شبكة نساء النهضة التي تضم نساء قياديات ورياديات وإعلاميات وناشطات في العمل الاجتماعي والمدني ومن مختلف الخلفيات والتخصصات، واللواتي يعملن على تعزيز قيم التماسك والتضامن في مجتمعاتهم. وأيضاً لسد الفجوة في الخبرات المتعلقة بالمرأة، والقدرة البحثية في الأردن، والمساهمة في العدالة في المنطقة، تم إطلاق وحدة دراسات المرأة في مركز النهضة الاستراتيجي التابع للمنظمة.
نحو مستقبل أكثر إشراقاً .. خطوات لدعم قضايا المرأة
ختاماً؛ لا بد من الالتفات وطنياً لقضايا المرأة، والتركيز على أن يوم العالمي للمرأة هو بالفعل فرصة للتوعية والتغيير وليس مجرد احتفال رمزي. لذلك من المهم الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات، وضمان استدامة تمويل قضايا المرأة محلياً وعربياً، من خلال تطوير استراتيجيات تركز على تنويع مصادر التمويل، وتعزيز وتوسيع الشراكات بين القطاعات المختلفة لدعم المشاريع المتعلقة بالنساء.
أيضاَ من الضروري توفير منصات آمنة وشاملة للنساء للدفاع عن حقوقهن وأولوياتهن، إلى جانب استقلالية الجهات المحلية للتفكير بالأجندات النسوية، بما يراعي سياقاتها المحلية واحتياجاتها، حيث أنها الأقدر على تلمس احتياجات مجتمعاتها وتكييف برامجها بما يلائم هذه الاحتياجات ويحقق النتائج المرجوة.