في كل عام، يذكرنا اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في النزاعات المسلحة الذي يصادف 6 تشرين الثاني/ نوفمبر، بالنظر في الجانب المهمل غالبًا من الخسائر البيئية التي تحدثها الأعمال العسكرية في أنظمتنا البيئية، والمناخ، والصحة المجتمعية. ومن المؤسف أن تكون الحرب على غزة مثالاً صارخاً على ذلك، إذ خلفت عمليات القصف العنيف الأخيرة التي شنتها القوات العسكرية الإسرائيلية آثاراً خطيرة ودائمة على النظم البيئية في المنطقة، ما أدى إلى تلويث المياه، والتربة والهواء.
وعلى الرغم من تزايد الوعي حيال هذه القضية والعديد من الفعاليات الجانبية التي نظمها المجتمع المدني في الغالب، فقد أغفلت المناقشات الرسمية في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ وإلى حد كبير القضية الحاسمة في هذه المسألة والمتمثلة في الانبعاثات الناجمة عن العمليات العسكرية والصراعات.
الأزمة البيئية والإنسانية في غزة
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تواجه غزة تحديات بيئية وإنسانية شديدة، كما أنّ لوجود أكثر من 39 مليون طن من الحطام المتناثر في جميع أنحائها تداعيات بيئية هائلة. وفي الشهرين الأولين فقط من العمليات العسكرية، كانت الانبعاثات الناتجة أشبه بحرق 150 ألف طن من الفحم ــ وهو رقم مذهل يسلط الضوء على التأثير البيئي الشديد الناجم عن مثل هذه الأعمال العسكرية المكثفة. بالإضافة إلى ذلك، كانت طائرات الشحن الأمريكية التي تقدم المساعدة العسكرية لإسرائيل مسؤولة عن إطلاق ما يقرب من نصف هذه الانبعاثات، الأمر الذي يسلط الضوء على تكلفة الكربون الكبيرة المرتبطة بالإمدادات العسكرية.
وقد أدى تدمير البنية التحتية إلى دخول غزة في أزمة بيئية حادة، إذ تحول أكثر من ثلث مبانيها -بما في ذلك المنازل، والمدارس والمستشفيات- إلى أنقاض، كما أن مياه الصرف الصحي غير المعالجة تسبب الآن تلوث المياه العذبة والنظم البيئية الساحلية.
وقد تتطلب جهود إعادة بناء ما يقرب من 100 ألف مبنى متضرر في القطاع انبعاثات كربونية تماثل في عددها ناتج الانبعاث الكربوني السنوي في نيوزيلندا. وسيكون لهذه الانبعاثات آثار دائمة على القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والصحة العامة، والأمن الغذائي، ما سيؤثر على المجتمعات خارج حدود غزة كذلك.
التفكر في الخطاب المناخي
في الوقت الذي تعمل فيه بعض الأمم الغربية على تعزيز العمل المناخي على الساحة العالمية، ثمة تناقض مقلق في هذا الخصوص، إذ تدفع بعض الدول الغربية نحو تبني سياسات مناخية قوية، إلا أنها تعفي الأنشطة العسكرية من التقارير الدولية عن الانبعاثات الضارة في ذات الوقت. وتشير الأبحاث إلى مساهمة العمليات العسكرية بحوالي 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وهو ما يتجاوز الانبعاثات الصادرة عن قطاعات بأكملها كالطيران والشحن مجتمعة.
ولوضع هذه الحقيقة في منظورها الصحيح، ينتج الجيش الأمريكي ما يقدر بنحو 48 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً -أي أكثر من إجمالي الانبعاثات الصادرة عن 150 دولة مجتمعة. ومن المقلق كذلك أن الأمم المتحدة بشأن المناخ ما زالت تستبعد الانبعاثات العسكرية من نقاشاتها، كما أن ظاهرة “الاستثناء البيئي العسكري” لا تؤدي إلى إضعاف الجهود الحقيقية في مجال المناخ فحسب، بل إنها تثير أيضاً تساؤلات حول مدى نزاهة التزامات الحكومات الغربية حيال الوضع المناخي. ويستلزم تحقيق العدالة المناخية مساءلة جميع القطاعات عن انبعاثاتها، وخاصة تلك المرتبطة بالدفاع والحرب.
دعوة للعمل نحو مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين وأهمية جدول أعمال المرأة والسلام والأمن
ومع اقترابنا من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، ثمة فرصة حاسمة للمجتمع الدولي لتناول موضوع الانبعاثات العسكرية باعتبارها قضية مناخية ملحة. ولا ينبغي أن تشمل هذه المناقشات الانبعاثات الناجمة عن الصراعات النشطة فحسب، بل ينبغي لها أن تشمل أيضًا الضرر البيئي الناجم عن جهود إعادة البناء في المناطق التي مزقتها الحروب. والأهم من ذلك، يجب أن يبني مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين على أجندة المرأة والسلام والأمن، التي تسلط الضوء على سبل تحمل النساء والمجتمعات المهمشة وطأة الدمار البيئي المرتبط بالنزاعات، وحقيقة كونهن في طليعة جهود إعادة بناء مجتمعاتهن.
تعد منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء ضرورية لتخفيف تحديات المناخ والتكيف معها مع الدعوة إلى مساءلة الممارسات العسكرية التي تؤثر على البيئة. ومن دون هذه المساءلة، فإننا نخاطر بتفاقم أزمة المناخ العالمية. إن توسيع شبكة الباحثين الذين يتتبعون الانبعاثات العسكرية، والتواصل مع صناع السياسات، وضمان قيام منظمات مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بدمج البيانات العسكرية في أطرها، خطوات مهمة نحو إيجاد حل شامل للقضية المناخية.
ويكشف الضرر البيئي الناجم عن الحرب عن تناقض صارخ في سياسات المناخ العالمية، التي تعطي الأولوية لأهداف خفض الانبعاثات في حين تتجاهل الأضرار الجسيمة الناجمة عن العمليات العسكرية. ولكي يكون مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون فعالاً، يجب عليه أن يواجه مباشرة هذه التجاهل الصارخ للإبلاغ عن الانبعاثات، ودمج التداعيات البيئية للصراع في سياسة المناخ العالمية، وتبني نهج شامل يتماشى مع أهداف أجندة المرأة والسلام والأمن.
ختاماً؛ وفي اليوم الدولي لمنع استغلال البيئة في النزاعات المسلحة، فإننا نحث الدول، على السعي لتحقيق العدالة المناخية الحقيقية من خلال مساءلة جميع القطاعات، وخاصة تلك التي التي تهدد أفعالها الأمن البيئي العالمي على نحو مباشر.
مراجع:
- “الأضرار التي لحقت بغزة تسبب مخاطر جديدة على صحة الإنسان والتعافي على المدى الطويل.” برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 18 حزيران/يونيو 2024. برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
- “الحرب في غزة هي أيضاً كارثة بيئية.” لوموند، 8 تموز/يوليو 2024. صحيفة لوموند.
- نينا لاخاني “الانبعاثات الناجمة عن حرب إسرائيل في غزة لها تأثير “هائل” على كارثة المناخ” 9 كانون الثاني/يناير 2024. الغارديان.
- دوج وير، “لم يعد من الممكن تجاهل تكاليف المناخ التي تسببها الحرب والجيوش” 9 كانون الثاني/يناير 2024. الغارديان.
- “الأثر البيئي للصراع في غزة: تقييم أولي.” الأمم المتحدة، يونيو/حزيران 2024. تقرير الأمم المتحدة.
- “الصراع في غزة تسبب في أضرار بيئية كبيرة، كما تقول الأمم المتحدة.” رويترز، 18 يونيو/حزيران 2024. رويترز.