بقلم د. ليكس تاكنبيرغ
بعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي مشروعي قانونين في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024، بهدف حظر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) من العمل في جميع أنحاء فلسطين المحتلة، استعانت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بخبراء شبكتها الدولية للقضية الفلسطينية لاستكشاف المسارات الممكنة للمضي قدمًا في هذا السياق. وطوال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2024، تناولت النقاشات التفاعلية والموضوعية التي عقدتها الشبكة آثار الحظر، وسياقه الجيوسياسي الأوسع والتحديات الحرجة التي تواجهها الأونروا، وركزت هذه النقاشات على نحو رئيسي على الحفاظ على سجلات اللاجئين الفلسطينيين، مع التأكيد على أهمية حماية ملفات أرشيف الأونروا وتسريع جهود رقمنة الوثائق.
تتجاوز أهمية هذا القرار مستقبل الأونروا، إذ يبدو أنه يتماشى مع أجندة دولة الاحتلال الإسرائيلي الإقصائية الأوسع نطاقًا. وقد أبرزت النقاشات أن التقاعس الدولي المستمر لم يشجع دولة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل قوض أيضًا أسس القانون الدولي ذاتها. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الأطر الحالية تشير إلى أن القانون الدولي قد عزّز في بعض الأحيان أفعال دولة الاحتلال الإسرائيلي بدلًا من الاعتراض عليها. وتعكس جهود إسرائيل لتشويه سمعة المؤسسات العالمية واستبدالها تزايد هشاشة النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، كما تتفاقم هذه الأزمة بسبب فشل القوى الغربية –ممن يفترض بها أن تكون مهندسة هذا النظام وحارسته المفترضة- في دعم مبادئه عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال. أيضًا، يثير إحجام هذه القوى عن فرض هذه المعايير تساؤلات عميقة حول شرعية الحكم الدولي ومستقبله، مما يشكل تحديًا وجوديًا لمصداقيته وفعاليته.
إن ما يزيد من تعقيد هذه الأزمة هو نتيجة الانتخابات الأمريكية الأخيرة لعام 2024، فمن المتوقع أن تؤدي عودة ترامب إلى سدة الرئاسة إلى تسريع انسحاب الولايات المتحدة من الأمم المتحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى خفض ملحوظ في تمويل الأونروا الذي يعاني حالة حرجة بالفعل. وأشار أعضاء الشبكة إلى أن النهج الذي يتبعه ترامب في السياسة الأمريكية الخارجية سيفاقم وضع الإبادة في غزة، والتوسع غير المنضبط لاستعمار دولة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وضم القدس إليها تدريجيًا. وفي حين أن سياسات ترامب قد تؤدي إلى تكثيف العنف في الأمد القريب، فإن تركيزه على الصفقات البراجماتية التي تخدم المصالح الذاتية قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية، وخاصة مع دول الخليج، بوصفها جزءًا من جهد أوسع لتهميش القضية الفلسطينية. كما أثارت النقاشات موضوع انهيار السلطة الفلسطينية وزيادة الضغوط الإسرائيلية على الحكم الفلسطيني بوصفها نتائج محتملة.
ويتطلب هذا الموقف الملح التحول من الخطاب إلى العمل الملموس، وفي الوقت الذي تتعارض فيه المواقف الرسمية للدول في كثير من الأحيان مع تقاعسها عن الفعل، فقد أكد المشاركون الحاجة إلى قيام الدول الأعضاء بفرض ضغوط اقتصادية ودبلوماسية على دولة الاحتلال، ونقض الروايات الإسرائيلية، وحماية عمل الأونروا. كما أن هذه اللحظة محورية إذ يتوجب على المجتمع الدولي أن يقرر إن كان سيتمسك بالتزاماته الأخلاقية والقانونية أو سيسمح لهذا الحظر بزيادة تآكل نظام المساءلة الدولية الضعيف بالفعل. ومن دون تدخل حاسم، سيستمر محو فلسطين دون رادع، مع عواقب مدمرة على النظام العالمي وحياة الفلسطينيين. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي توجيه الأولوية إلى العمل الذي يركز على تعزيز الحركات الشعبية لتحقيق أهداف طويلة الأمد، مثل حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) للدفع نحو تدابير مضادة دبلوماسية واقتصادية عملية، بما في ذلك فرض العقوبات وتعليق مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في المنتديات الدولية. ويجب أن يتم دعم ذلك من خلال توجيه الجهود المستمرة والمتنامية لعزل دولة الاحتلال دبلوماسيًا كما ينبغي منح الأولوية لإعادة تأطير فلسطين ضمن أطر العمل الاستيطانية الاستعمارية والإمبريالية وذلك على مستوى المجتمع المدني والحركات الشعبية.
في الوقت نفسه، فمن الأهمية بمكان حماية التاريخ والهوية من التدمير الإسرائيلي المستمر لفلسطين ونسيجها الأصلي. وفي هذا السياق، أحيت الأونروا مشروع الأرشيف التاريخي -الذي بدأ في عام 2005- والذي يضم 30 مليون وثيقة تعود إلى زمن النكبة، وذلك بما يهدف إلى الحفاظ على السجلات الحيوية مثل ملفات الأسرة، والمواليد والزواج وتحويلها إلى صيغة رقمية. من جهة أخرى، ثمة خطط قائمة لتطوير أدوات تتبع شجرة العائلة لستة ملايين لاجئ مسجل بحلول عام 2025، في حين يتيح تطبيق eUNRWA الآن للاجئين الوصول إلى السجلات وتحديثها عن بُعد.
ومع استمرار حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد فلسطين دون هوادة، ومع اتخاذها تفكيك الأونروا تكتيكًا رئيسيًا لتنفيذ مآربها، يغدو التخطيط الاستراتيجي والتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والشراكات مع الأكاديميين لضمان الحفاظ على ملفات الأرشيف جهودًا حيوية لخلق سيادة مضادة تدافع عن تاريخ فلسطين وهويتها، وقصصها وحقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف في العودة إلى أراضيهم.