جلال أبو صالح
بين عامي 2006 و2024، قتل أكثر من 1700 صحفي في جميع أنحاء العالم، مع بقاء ما يقارب 9 من 10 حالات بدون حل قضائي، وفقاً لمنظمة يونسكو، وسط تصاعد الصراعات وحالات النزاع والأزمات في الوطن العربي والعالم ككل، وتفاقم المخاوف المتعلقة بالوقاية والحماية والملاحقة القضائية للصحفيين.
وفي اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الذي يصادف 2 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، وثيمته لهذا العام “سلامة الصحفيين خلال الأزمات وحالات الطوارئ”، تفيد آخر البيانات التي نشرتها اليونسكو بشأن جرائم قتل الصحفيين أنه لا يزال المعدل العالمي للإفلات من العقاب فيما يخص مقتل الصحفيين، الذي تبلغ نسبته 86٪، مرتفعاً بشكل مُريع، مما يدعو لاتخاذ سائر التدابير الضرورية لضمان التحقيق بالجرائم المقترفة ضد الصحفيين على النحو السليم، وتحديد هوية الجناة وإدانتهم.
ورغم خطة عمل الأمم المتحدة لسلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب، التي اعتمدتها في عام 2012 وتهدف إلى خلق “بيئة حرة وآمنة للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام”، إلا أنه لم يتم بذل الكثير من الجهد لتقديم قتلة الصحفيين إلى العدالة، وإجراء تحقيقات مستقلة في الهجمات ضد العاملين الإعلاميين، وتوفير البيئة الآمنة اللازمة للصحفيين للقيام بواجباتهم.
فيما يواجه الصحفيون الذين يعملون في مناطق الأزمات والصراعات تهديدات شديدة في أداء عملهم. وفي حين وثقت اليونسكو منذ عام 2017 فصاعدًا انخفاضًا تدريجيًا في أعداد العاملين في مجال الإعلام الذين قُتلوا في مناطق الصراع، سجلت عمليات الرصد في عام 2023 أن أكثر من 50% من حالات قتل الصحفيين وقعت في مناطق الأزمات والصراعات، مع ارتفاع الأعداد باستمرار في النصف الأول من عام 2024.
تهديدات لا حصر لها
وفي حين أن عمليات القتل هي الشكل الأكثر تطرقاً للرقابة على وسائل الإعلام، يتعرض الصحفيون كذلك لتهديدات لا حصر لها؛ بدءًا من الاختطاف والتعذيب وغيره من الاعتداءات الجسدية إلى المضايقات، لا سيما في المجال الرقمي.
وتؤدي التهديدات بالعنف والاعتداءات ضد الصحفيين بوجه خاص إلى بث الخوف في العاملين في مجال الإعلام، مما يعيق حرية تداول المعلومات والآراء والأفكار أمام كافة المواطنين. كما تتأثر الصحفيات بوجه خاص بالتهديدات والاعتداءات، ولا سيما تلك التي تجري عبر الإنترنت.
فوفقاً لورقة المناقشة التي أصدرتها اليونسكو في ما يتصل بالاتجاهات العالمية في العنف ضد الصحفيات عبر الإنترنت”، قالت 73 % من الصحفيات اللاتي شملهن الاستطلاع إنهن تعرضن للتهديد والترهيب والإهانة عبر الإنترنت في مسائل تتعلق بأعمالهن.
وفي عديد الحالات، لا يُحقق تحققاً سليماً في التهديدات بالعنف والاعتداءات الواقعة ضد الصحفيين. وهذا الإفلات من العقاب يشجع على مزيد من الجرائم والانتهاكات، فضلاً عن أن له تأثير مروع على المجتمع بما في ذلك الصحفيين أنفسهم. وهناك قلق لدى المعنيين في يونسكو في ما يخص الأضرار التي تلحق بمجتمعات بأكملها بسبب التستر على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد والجريمة.
الصحفيون في العالم العربي: يدفعون الثمن غالياً!
وتؤكد البيانات والأرقام حجم التحديات التي تواجه حرية الصحافة في العالم العربي، وتظهر مدى تأثيرها السلبي على المجتمع، ففي عام 2023 قتل 201 صحفي عربي وفقًا لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، وأكثر من 300 صحفي عربي معتقل حاليًا.
كذلك فإن أكثر من 50% من الصحفيين العرب يمارسون الرقابة الذاتية خوفًا من الملاحقة أو الاعتقال، وما نسبته 70% من المواقع الإلكترونية العربية محجوبة في بعض الدول العربية.
ولا تقتصر القيود على الجانب القانوني فحسب، بل تمتد إلى التدخل السياسي حيث تمارس الحكومات ضغوطًا سياسية على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، مما يجبرها على الالتزام بالخط الرسمي وتجنب نشر أي معلومات تنتقدها أو تحرجها. ويواجه الصحفيون العرب تحديات إضافية تحد من حريتهم في التعبير والتنقل، مما يعيق ممارسة مهنتهم بحرية.
ويتعرض الصحفيون لتحديات جمة في ممارسة مهنتهم، مثل الاعتداءات الجسدية والقتل أثناء أداء عملهم، وخاصة في مناطق الصراع، مما يشكل رسالة خوف تهدد سلامتهم وتعيق ممارستهم لواجبهم. وكذلك يتعرضون للاعتقال التعسفي والاحتجاز دون محاكمة، مما يقيد حريتهم ويعيق قدرتهم على ممارسة عملهم بحرية، وأيضًا للمضايقات والترهيب من قبل السلطات والجماعات المسلحة، مما يجبرهم على ممارسة الرقابة الذاتية وتجنب نشر أي معلومات تثير غضبهم.
“عامٌ دموي”
ويصف رئيس لجنة دعم الصحفيين، صالح المصري، العام الحالي بـ”الدموي” على الصحفيين الفلسطينيين؛ بفعل حجم جرائم الاحتلال الكبيرة بحقهم. وأوضح أنّ ذروة جرائم الاحتلال بحق الصحفيين كانت خلال شهر أيار/ مايو 2022 باغتيال مراسلة قناة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة، ثم اغتيال الصحفية غفران وراسنة، في الأول من حزيران (يونيو) من ذات العام.
وأكد أنّ الرسالة الأساسية في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، هي محاكمة كل من ارتكب الجرائم بحق الصحفيين أمام محاكم دولية لضمان عدم إفلاتهم من العقاب. وذكر أنّ لجنة دعم الصحفيين وثقت أكثر من 600 انتهاك بحق الصحفيين منذ بداية العام الحالي.
فيما يقبع في سجون الاحتلال، وفق لجنة دعم الصحفيين، 21 صحفيًا، 7 منهم رهن الاعتقال الإداري دون تهم، و4 آخرون معتقلون دون محاكمة. ومنذ العام 2000، قتل الاحتلال الإسرائيلي نحو 55 صحفيًا، أثناء أداء مهامهم الصحفية.
ووفقًا لدراسة تفصيلية نشرتها منظمة “التيارات المضادة” في أميركا في حزيران (يونيو) الماضي؛ تصدّر الاحتلال المرتبة الأولى عالميًا في قتل الصحفيين وانتهاك حقوقهم وملاحقتهم، بفارق كبير عن دول أخرى تشهد حروبًا متواصلة أو تنشط فيها عصابات المخدرات والإجرام.
وبينت المنظمة أنّ قتل الصحفيين على يد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين يتصدر العالم، وهو أكبر بنسبة 73.4 مرة مما هو عليه في العالم ككل.
مطلوب مسار جاد وعادل للمساءلة والمحاسبة!
وفق تلك المؤشرات، مطلوب من المجتمع الدولي منع إفلات المتسببين في قتل وتهديد الصحفيين أينما كانوا من العقاب، وتعزيز مسار المساءلة بحقهم من خلال تفعيل آلية محكمة الجنايات الدولية، وذلك يتطلب تضافر الجهود من الحكومات والمجتمع المدني ووسائل الإعلام وجميع المعنيين بتعزيز سيادة القانون، مع ضرورة بلورة استراتيجية وطنية وتحديداً في العالم العربي لضمان مسار جاد وعادل لمحاسبة أية جهة تهدد الصحفيين أو تفقدهم أرواحهم.
كما من المهم العمل على حماية الصحفيين وتمكينهم من القيام بواجبهم الصحفي مع المحافظة على حياتهم حتى يتمكنوا من إيصال المعلومات الصحيحة إلى الجماهير، إضافة إلى ضرورة تنسيق الجهود بين كافة الجهات لاتخاذ خطوات وتدابير تتصدى لظاهرة الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالجرائم والاعتداءات التي ترتكب ضد الصحفيين في جميع أنحاء العالم.
بالمحصلة؛ فحرية الصحافة تعد أحد أركان الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزز الشفافية والمساءلة والتنمية، ومن الضروري أن يعمل المجتمع الدولي والدول العربية على تعزيز حرية الصحافة وحماية الصحفيين، وتذليل العقبات التي تحول دون ممارستهم لمهنتهم بحرية وأمان.