الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

الظلال الرقمية: تهديد العنف الرقمي الموجه ضد المرأة في الأردن

مشاركة

يعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي بالنسبة للنساء سلاح ذو حدين. فمنذ ظهور منصات التواصل الاجتماعي، تستخدم النساء هذه المنصات لا للتعبير عن أنفسهن فحسب بل للدفاع عن حقوقهن أيضًا. أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منصة يسهل الوصول إليها لتسهيل التحرش بالنساء سواء عبر الإنترنت أو خارجه، ما أدى إلى تأجيج نوع جديد من العنف يُسمى العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا (TFGBV).

تهدف هذه المدونة إلى توضيح مفهوم العنف، واستكشاف تأثيره على النساء في الأردن والمنطقة العربية. كما تهدف إلى تسليط الضوء على المخاطر المتزايدة الناتجة عن وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي التوليدي[1] مع التأكيد على الحاجة إلى أطر قانونية وإجراءات مجتمعية أقوى لحماية النساء من التحرش الرقمي وآثاره على أرض الواقع، وتسعى كذلك إلى إطلاق التقاشات، وجهود المناصرة والإصلاح لمكافحة العنف الموجه ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا، وضمان مساحات رقمية أكثر أمانًا للنساء.

ما هو العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا؟

وفقًا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فهو “أي فعل يُرتكب، أو يتيسّر أو يتفاقم أو يتضاعف باستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات أو غيرها من الوسائل الرقمية، ويتسبب أو من المرجح أن يتسبب في أذى جسدي، أو جنسي، أو نفسي، أو اجتماعي، أو سياسي أو اقتصادي أو غير ذلك من انتهاكات للحقوق والحريات[2]“.

الأمر الذي يجعل هذ النوع من العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا مختلفًا عن الأنواع الأخرى من العنف هو سهولة ارتكابه، الأمر الذي بدا جلياً خاصة منذ جائحة كوفيد-19 إذ بدأت المزيد من النساء والفتيات في استخدام الإنترنت في عملهن ودراستهن. في عام 2020 وحده، قالت 40 بالمئة من النساء ممن أبلغن عن تعرضهن للعنف عبر الإنترنت إن هذا العنف انتقل إلى حياتهن خارج الإنترنت، مقارنة بـ 15% اللاتي أبلغن عن نفس الموقف في السنوات السابقة[3].

بالإضافة إلى ذلك، أدى صعود الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى جعل بعض أشكال العنف التي كان من الصعب إنشاؤها، مثل التزييف العميق[4] والإباحية المزيفة[5]، أسهل في الإنشاء، والتعزيز والوصول إليها من أي وقت مضى. “كانت الإصدارات السابقة من الذكاء الاصطناعي التوليدي تتطلب قدرات البرمجة ومهارات الهندسة؛ أما الآن، فيقتصر الأمر بالنسبة لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى الإنترنت على استخدام خياله فقط[6]“. على سبيل المثال، استُغل الذكاء الاصطناعي التوليدي لمضايقة الصحفيات من خلال استخدام صورهن لوضع صور ومقاطع فيديو مخلة تشرعن حملات الكراهية وتكثفها ضدهن[7].

إحدى أكثر الحالات شهرة التي توضح خطورة العنف ضد الفتيات والنساء هي الحالة التي تعرضت فيها فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا في مصر للتهديد والابتزاز من قبل رجال استخدموا تقنية التزييف العميق لتغيير صورها الشخصية، إذ وصلوا إلى الصور من خلال رابط أرسله إليها زميل رفضت مواعدته، ما أدى إلى إنشاء صور مخلة مزيفة لها وانتحارها في النهاية[8].

في هذه الحالة وحدها، هناك طبقات وطبقات من القضايا التي يجب تفكيكها، أولاً، فكرة أن غريزة المعتدين الأولى كانت تزييف صورة الضحية بطريقة خاضعة للمساومة تشير إلى أن العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا متجذر بعمق في الوصمة المجتمعية المحيطة بالنساء ووجودهن في المجال العام. ثانيًا، يشير عجز الضحية عن الإفصاح عن الحادثة، أو الإبلاغ عنها للسلطات، إلى نقص الوعي في التعامل مع مثل هذه القضايا. ثالثًا، القضية بأكملها دليل على أن العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا ليس ظاهرة منفصلة عن العنف “في العالم الحقيقي”، بل ينبع في الواقع من احتمالية كونه الشرارة التي تشعل العنف خارج المجال الرقمي.

وضع العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا في سياقه: العنف عبر الإنترنت في الأردن

ارتفع استخدام الإنترنت في الأردن على مدار العقد الماضي، بنسبة 118.72%[9]. وفي حين وفر هذا الارتفاع العديد من الفرص للرجال والنساء على حد سواء، إلا أنه فتح منصة جديدة وأكثر سهولة ووصولًا للتحرش في النساء والفتيات بشكل خاص. ووفقًا للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، يعتبر العنف الإلكتروني ثالث أكثر أشكال العنف الموجه ضد النساء والفتيات شيوعًا بعد العنف الجسدي والنفسي، حيث أكدت 63.1% من المشاركات تعرضهن للعنف عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل في حياتهن[10]. علاوة على ذلك، احتل الأردن المرتبة الثانية على مستوى الشرق الأوسط في عام 2020 من حيث نسبة الناجيات من النساء اللاتي أبلغن عن تعرضهن للعنف الرقمي[11].

وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تعاملت المحاكم الأردنية مع 16,760 قضية متعلقة بالإنترنت شملت 20,259 فردًا، مع 13,108 قضية تنتهك قانون الجرائم الإلكترونية على نحو مباشر. تصدرت قضايا التشهير والقذف والسب القائمة بـ 11,926 قضية، تليها 1,424 قضية تهديد إلكتروني[12]. وفي هذا العام وحده، سُجلت 698 حالة ابتزاز إلكتروني 1,153 حالة احتيال مالي إلكتروني[13]. والجدير بالذكر، وفقًا لمحمود المغايرة، رئيس وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، أن النساء هن الضحايا الرئيسيات للابتزاز، وغالبًا ما يجري استهدافهن من خلال مخططات تعتمد على الثقة وتتضمن صورًا أو مقاطع فيديو خاصة بهن[14].

إن هذه الأرقام مقلقة للغاية، خاصة مع اعتماد العديد من النساء على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لكسب معيشتهن على وجه الخصوص، وحقيقة أن 28% من النساء اللاتي تعرضن للعنف عبر الإنترنت قررن تقليل تواجدهن عليه[15]. وكشفت دراسة أجرتها منظمة النهضة العربية (أرض)[16] حول الأعمال المنزلية المملوكة للنساء أن النساء يجدن وسائل التواصل الاجتماعي ذات قيمة لا تقدر بثمن للتسويق لاعمالهن وتعزيز سمعتها. وأكدت الدراسة على استخدام منصات مثل واتساب وفيسبوك للوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع الأردني، والتغلب على قيود الحدود الجغرافية. ومع ذلك، أبرزت جمعية معهد تضامن النساء الأردني[17] أن هذه التطبيقات نفسها هي أيضًا الأكثر استخدامًا للتحرش بالنساء.

تحديات مكافحة العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا في الأردن

تسلط الأبحاث حول هذا العنف التكنولوجي والتي أجريت مؤخرًا، الضوء على الحواجز المستمرة التي تمنع النساء من الإبلاغ عن الإساءة عبر الإنترنت. ووفقًا للجمعية الأردنية للمصدر المفتوح (جوسا)[18]، تثبط الوصمة المجتمعية المرتبطة بزيارة أقسام الشرطة من عزيمة النساء على طلب المساعدة، بينما تشير منظمة سايرن[19] إلى أن الرجال أكثر ميلًا للإبلاغ عن الجرائم مع ميل أقل إلى دعم النساء من حيث قيامهن بنفس الفعل.

بالإضافة إلى ذلك، تفتقر العديد من النساء إلى الوعي بكيفية الإبلاغ عن الجرائم عبر الإنترنت، خوفًا من الفضيحة العلنية أو التعرض للفضائح. كما يحد عدم التأكد من مكان الإبلاغ وكيفيته من الوصول إلى العدالة. ويؤدي هذا التردد إلى تعقيد جهود وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لإدارة البحث الجنائي في مديرية الأمن العام، والتي تعمل بسرية تامة وتوفر الحماية للمشتكين. وتعطي الوحدة الأولوية لعافية المبلغين، وخاصة النساء، من خلال تقديم تدابير الحماية الإلكترونية مثل حذف البيانات الضارة، واستعادة الحسابات ومنع المزيد من الضرر قبل إحالة الجناة إلى القضاء.

ولمعالجة هذه التحديات، أدخلت مراجعة عام 2023 لقانون الأمن السيبراني الأردني 41 مادة تستهدف العنف والاستغلال والتحرش عبر الإنترنت. ويكمل القانون قانون العقوبات، الذي ينطبق في الحالات التي لا يغطيها الإطار المتخصص صراحة. ومن الجدير بالذكر أنه في العام 2020، أرست المحاكم الأردنية سابقة قانونية بإدانة مرتكب “هتك العرض عن بعد” باستخدام الإنترنت، الأمر الذي يبين تكيف النظام القانوني مع أشكال العنف الرقمي الناشئة[20].

ختامًا

تعد شبكة الإنترنت أداة قوية لمساعدة عدد لا يحصى من النساء على الوصول إلى الفرص التي لا يمكنهن الوصول إليها بخلاف ذلك. ولهذا السبب، فإن مكافحة العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا أمر أساسي جدًا لضمان حرية النساء لا من حيث الوصول إلى الإنترنت فحسب، ولكن أيضًا الشعور بالأمان والقدرة على التعبير عن أنفسهن بحرية دون خوف من التعرض للمضايقة أو المطاردة.

وتعمل منظمة النهضة العربية (أرض) حاليًا على تقييم مدى تأثير هذا العنف من خلال الحصول على شهادات مباشرة من الخبراء والناشطات لتعزيز المعرفة والحوار المجلي حوله في السياق الأردني؛ نظرًا لأن العنف عبر الإنترنت لا يأت بمعزل عن مفاهيم العنف القائم ضد النساء والفتيات.

 


 

[1] الذكاء الاصطناعي التوليدي هو تقنية تبتكر (أي تولد) محتوى استجابة للأسئلة (أو التوجيهات) التي يقدمها المستخدم. فهو ينتج محتوى “جديدًا” من خلال تحليل كميات كبيرة من البيانات التي يستوعبها والتعلم منها، والتي غالبًا ما تشمل مساحات كبيرة من الإنترنت. المصدر: اليونسكو.

[2] هيئة الأمم المتحدة للمرأة، “الأسئلة الشائعة: التصيد، والمطاردة، والتشهير، وأشكال أخرى من العنف ضد المرأة في العصر الرقمي”، هيئة الأمم المتحدة للمرأة -المقر الرئيسي، 28 حزيران/ يونيو 2024، https://www.unwomen.org/en/articles/faqs/faqs-trolling-stalking-doxing-and-other-forms-of-violence-against-women-in-the-digital-age

[3] هيئة الأمم المتحدة للمرأة، “العنف ضد المرأة في الفضاء الإلكتروني: رؤى من دراسة متعددة البلدان في الدول العربية”، 2021، https://www.unfpa.org/ar/TFGBV.

[4] استخدام الذكاء الاصطناعي لتصنيع الصور والصوت والفيديوهات لتبدو حقيقية. المصدر: JOSA TFGBV Glossary.

[5] المواد الإباحية المزيفة هي شكل من أشكال المواد الإباحية حيث يتم وضع وجه شخص رقميًا على جسد شخص آخر في مشهد صريح. المصدر: JOSA TFGBV Glossary.

[6] اليونسكو، “كشف العنف ضد الفتيات والنساء الذي تسهله التكنولوجيا في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي”، سلسلة الاتجاهات العالمية في حرية التعبير وتطوير وسائل الإعلام (اليونسكو، 2023)، https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000387483/PDF/387483eng.pdf.multi.

[7] إبراهيم المبيضين، “ما هو ‘الديب فيك’.. وكيف نتعامل مع محتواه؟”، الغد، 2024، قسم اقتصاد، https://shorturl.at/PbEJH.

[8] بي بي سي، “بسنت خالد: انتحار فتاة مصرية بسبب “ابتزاز وصور مفبركة” والأزهر يحذر”، 4 يناير/كانون الثاني 2022، https://www.bbc.com/news/world-middle-east-59868721.

[9] وبحسب دراسة أجرتها دائرة الإحصاءات العامة بعنوان “استخدام تكنولوجيا المعلومات في المنازل” في عام 2013 فإن 41.4% فقط من السكان يستخدمون الإنترنت، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في عام 2022 ليصل إلى 90.55%.

 

[10] المجلس الوطني للمرأة، “العنف ضد المرأة في المجال العام والسياسي في الأردن”، 2022، https://shorturl.at/QNhYE.

[11] هيئة الأمم المتحدة للمرأة، “العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تسهله التكنولوجيا”.

[12] المملكة، “أكثر من 20 ألف شخص ارتكبوا جرائم إلكترونية في الأردن خلال 4 سنوات ماضية”، قناة المملكة، 2023، https://www.almamlakatv.com//news/111294

[13] المملكة، “698 قضية ابتزاز إلكتروني قدمت لوحدة الجرائم الإلكترونية منذ بداية العام”، قناة المملكة، 2022، https://www.almamlakatv.com//news/100608.

[14] المملكة.

[15] تضامن: الجرائم الإلكترونية أرغمت العديد من النساء على التقليل عمدًا من ظهورهن على شبكة الإنترنت”، 2019، https://haqqi.s3.eu-north-1.amazonaws.com/2019-01/SIGI_Cybercrimes.pdf.

[16] منظمة النهضة العربية  (أرض)، “عمل المرأة غير الرسمي في الأردن: التحديات التي تواجه مشاريع الأعمال المنزلية خلال أزمة كوفيد-19″، قضايا مناصرة المرأة (أرض، 2021)، https://shorturl.at/bJTBc.

[17] تضامن: الجرائم الإلكترونية أرغمت العديد من النساء على التقليل عمدًا من ظهورهن على شبكة الإنترنت”.

[18] جوسا، “العنف الرقمي ضد النساء في الأردن”، 2022، https://www.josa.ngo/ar/publications/47.

[19] منظمة سايرن، “التقرير السنوي لمنظمة سايرن”، 2021، https://sirenassociates.com/docs/Siren-Annual-Report-FY20-21.pdf

[20] موفق كمال، “اجتهاد قضائي: الحبس لهتك العرض عن بعد”،  الغد, 2020.