الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

العرب وتحديات 2023، بقلم د. حسن نافعة، المفكر المصري وعضو مجلس الأمناء

يبدو أن عام 2023 سيكون مليئًا بصعوبات وتحديات عالمية وإقليمية كبرى. ولأن العالم العربي يمر حَالِيًّا بمرحلة استثنائية من تاريخه، بسبب تفاقم أوضاعه الداخلية التي تجعله أكثر ميلًا للانكفاء على ذاته والبحث عن حلول فردية لما يعانيه من مشكلات، يرجح أن تكون قدرته على التعامل بكفاءة مع التحديات الخارجية التي تواجهه محدودة جِدًّا، خاصة وأنه يتوقع أن تأتي تحديات العام القادم أكثر تعقيدًا وأشد خطرًا مما كانت عليه التحديات السابقة. لذا، ينبغي على القادة العرب أن يدركوا أن الحلول الفردية لا تجدي فتيلًا، وأن تفعيل العمل العربي المشترك لم يعد أمرًا ثَانَوِيًّا يمكن تجنبه وإهماله، ولكنه قد يكون الوسيلة الوحيدة التي تتيح التعامل بفاعلية مع مختلف التحديات، وبالتالي تمكنهم من تعظيم قدرتهم على الاستفادة إلى أقصى حد ممكن مما قد تتيحه هذه التحديات من فرص، وتقليل ما قد تتسبب فيه من خسائر وأضرار إلى أدنى حد ممكن. وفي تقديري أن ثلاثة تحديات كبرى سوف تواجه العالم العربي خلال عام 2023:

التحدي الأول: التداعيات المترتبة على احتمال استمرار وتصاعد الحرب الدائرة حَالِيًّا على الساحة الأوكرانية.

التحدي الثاني: التداعيات المترتبة على احتمال الإعلان رَسْمِيًّا عن فشل وتوقف مفاوضات فيينا المتعلقة ببحث إجراءات عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق عام 2015 حول برنامج إيران النووي.

التحدي الثالث: التداعيات الناجمة عن السلوك المتوقع لحكومة نتانياهو القادمة، والتي تجمع كافة المصادر على أنها ستكون الأكثر تطرفًا وعنصرية في تاريخ إسرائيل.

 

               ففيما يتعلق بالحرب الدائرة على الساحة الأوكرانية منذ فبراير الماضي، يلاحظ أنها تتجه نحو التصعيد وليس التهدئة، ونحو التعقيد وليس الحل. فروسيا تصر على تحقيق كامل أهدافها مما تعتبره مجرد “عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا”، ألا وهي: 1- ضم الأقاليم الواقعة في شرق وجنوب أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي سبق ضمها عام 2014، والتي تسكنها أغلبية من أصل روسي. 2- التزام الحكومة الأوكرانية بعدم الانضمام الآن أو في المستقبل إلى حلف الناتو. 3- التزام حلف الناتو بوقف التوسع شرقًا، وبالكف عن تحريض الدول الأوروبية المتاخمة للحدود الروسية بهدف تحويلها إلى دول معادية لروسيا، وبمنح روسيا ضمانات أمنية في إطار صيغة متفق عليها للأمن الأوروبي ككل. أما حلف الناتو، وهو الطرف الرئيس في الحرب التي تدور بالوكالة على الساحة الأوكرانية، فيصر على إفشال العملية العسكرية الروسية، من خلال تقديم كافة أنواع المساعدات العسكرية، والسياسية والمعلوماتية اللازمة لتمكين أوكرانيا من تحرير كافة أراضيها المحتلة، بما فيها شبه جزيرة القرم، ما يعني إلحاق هزيمة استراتجية كاملة بروسيا. ولأنه يصعب تصور استسلام دولة نووية في حرب تجري على حدودها وفوق أراض تعتقد أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها، فالأرجح أن تتحول هذه الحرب إما إلى حرب استنزاف طويلة المدى، أو إلى حرب عالمية ثالثة قد تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية. ومع التسليم بأن استمرار وتصاعد الحرب الأوكرانية سيكون لهما تداعيات بعيد المدى على العالم كله، إلا أن تداعياتها على العالم العربي ستكون أشد حدة لسببين:

الأول: إن العالم العربي يحتوي على أكبر وأهم مخزون للطاقة في العالم. ولأن الطاقة هي أحد أهم الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب، وربما تكون أحد أهم موضوعاتها أيضًا، فمن الطبيعي أن يكون العالم العربي ليس فقط في مقدمة المتأثرين بمآلاتها، وإنما من بين القادرين على التأثير في مسارها أيضًا.

الثاني: إنه أحد أكبر الأقاليم المستوردة للمواد الغذائية في العالم. ولأن روسيا وأوكرانيا هما من أكبر المنتجين والمصدرين للحبوب والأسمدة، فمن الطبيعي أن يكون العالم العربي من أكثر المتضررين من استمرار هذه الحرب. إما بسبب احتمال توقف إنتاج وتصدير الحبوب في هذين البلدين ومنهما، وإنما بسبب الارتفاع الكبير وغير المحتمل في الأسعار.

 

في سياق كهذا، يتعين أن تكون لدى العالم العربي رؤية موحدة أو مشتركة لكيفية التعامل مع تداعيات الأزمة الأوكرانية، سواء للاستفادة مما قد تتيحه من فرص، أو للتقليل مما قد تتسبب فيه من خسائر وأضرار، خاصة وأنه لن يكون بمقدور أي دولة عربية بمفردها أن تمارس نفس التأثير الذي يمكن للدول العربية مجتمعه أن تمارسه في الحالتين.

               وفيما يتعلق بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، فمن الواضح تمامًا أن من مصلحة الدول العربية كافة، خاصة الدول العربية الخليجية، ليس فقط أن تستمر هذه المفاوضات، وإنما أن تكلل بالنجاح أيضًا وأن تثمر عن عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق 2015 والتزام كافة أطرافه بكل بنوده. ذلك أن توقف هذه المفاوضات أو فشلها سيؤدي حتمًا إلى إقدام إيران على إنتاج أكبر كمية ممكنة من اليورانيوم المخصب بنسب عالية، ربما تصل إلى 90 %، والتعجيل بالتالي من اقترابها من “العتبة النووية”، الأمر الذي سيكون له انعكاسات سلبية هائلة على الاستقرار في المنطقة. فمن المعروف إن إسرائيل ستكون المستفيد الأول من توقف هذه المفاوضات وإعلان فشلها رَسْمِيًّا، خاصة وأنها سعت لإفشالها من قبل بكل ما تملك من وسائل، ومن ثم فسوف تكون الأطراف أكثر سعادة إذا ما تم الإعلان رَسْمِيًّا عن توقفها وفشلها. وحينئذ يتوقع أن تسعى بكل ما تملك من وسائل الضغط والابتزاز لدفع الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي للتعاون معها من أجل توجيه ضربة عسكرية شاملة للبرنامج النووي الإيراني، وربما العمل على إسقاط النظام الإيراني نفسه، من منطلق أنه يشكل مصدر التهديد الرئيسي لكل دول المنطقة، خاصة لإسرائيل وللدول العربية، وأن إسقاطه والخلاص منه ربما يكون هو الوسيلة الوحيدة لإزالة هذا التهديد. ولأنه لا توجد لدى الدول العربية مصلحة واضحة في الدخول في مواجهة مسلحة مع إيران، خاصة وأن دول الخليج العربي ستكون أكبر المتضررين منها، يفرض عليها المنطق أن تسعى بكل ما أوتيت من حنكة لتفادي الانجرار وراء الاستراتيجية الإسرائيلية التي تستهدف التخلص ليس فقط من النظام الإيراني ومن برنامجه النووي، وإنما أيضًا تطويق محور المقاومة الذي يضم سوريا وحزب الله في الوقت نفسه. ولكي تتجنب الانزلاق نحو مواجهة من هذا النوع، ربما يكون من مصلحة الدول العربية أن تسعى للانفتاح أكثر على إيران وأن تدخل في مفاوضات معها للتوصل إلى منظومة للأمن في منطقة الخليج ككل.

 

               وأخيرًا، ففيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية الجديدة التي نجح نتانياهو أخيرًا في تشكيلها، يلاحظ أن الأوساط الإعلامية في جميع أنحاء العالم، بما فيها بعض الأوساط الإعلامية داخل إسرائيل نفسها، تؤكد أن هذه الحكومة ستكون أكثر الحكومات تطرفًا في تاريخ إسرائيل، بل ويخشى من إقدامها عقب تسلمها الفعلي للسلطة على اتخاذ إجراءات قد تغير من الأسس التي تقوم عليها دولة إسرائيل الحالية، وتحولها من دولة استعمارية توسعية استيطانية أقرب إلى العلمانية، إلى دولة توراتية أصولية عنصرية لا مكان فيها للفلسطينيين، مسلمين أو مسيحيين، بل ولشرائح معينة من اليهود اللبراليين والمعتدلين أيضًا. لذا ليس من المستبعد أبدًا أن تقدم حكومة تضم وزراء من أمثال بن غفير وسموتريتش، إن لم يكن اليوم فغدًا أو بعد غد، على طرد أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين يعيشون حَالِيًّا داخل “الخط الأخضر” أو خارجه، وأن تمارس أقصى وأقسى ما يمكن من ضغوط على الأردن لتحويلها إلى “وطن بديل للفلسطينيين”، بل وليس من المستبعد أن تقوم بافتعال أزمة في القدس، تفضي إلى اضطرابات تتخذ منها ذريعة ومبررًا لهدم المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والشروع فورًا في بناء الهيكل على أنقاضه. فماذا ستفعل الدول العربية إزاء حكومة عنصرية متطرفة إلى هذا الحد، هل ستواصل تطبيع العلاقات معها، وهل ستنتظر إلى أن ترى الفلسطينيين وهم يطردون جماعيًّا من قراهم، أو إلى أن ترى المسجد الأقصى وقد تحول إلى أنقاض قبل أن تقرر التحرك؟ هذا بافتراض أن الدول العربية لديها القدرة على التحرك أصلًا.

               يؤمن نتانياهو وأمثاله بنظرية يمكن تلخيص محتواها في ثلاث كلمات: “العرب يخافون ولا يختشون”، وتأسيسًا على هذه النظرية يعتقد نتانياهو أنه كلما كانت إسرائيل أقوى وأكثر تشددًا في مواقفها ومطالبها، استطاعت أن ترهب العرب أكثر فأكثر، وأن تجبرهم على تقديم التنازل تلو الآخر. لذا لم يكن غريبًا أن يصرح نتانياهو، حتى من قبل أن ينهي بنجاح مشاورات تشكيل الحكومة، أنه “يضع قضية التطبيع مع المملكة العربية السعودية على رأس جدول أعماله في المرحلة القادمة” وأن يعبر عن “ثقته الكاملة في نجاحه في تحقيق هذا الهدف في نهاية المطاف”، وعن قناعته بأن انضمام السعودية إلى طابور المطبعين العرب “سيغير من شكل وخريطة التحالفات في المنطقة”. فهل سيتعين علينا الانتظار كثيرًا قبل أن نتمكن من اختبار مدى مصداقية هذا السياسي المغرور؟ وَأَيًّا كان الأمر فلا شك في أن الحكومات العربية ستجد نفسها طوال عام 2023 أمام تحديات واختبارات قاسية تتطلب اليقظة الشديدة، فهل سترتفع هذه الحكومات إلى مستوى التحدي وتنجح في كل هذه الاختبارات، أو في بعضها على الأقل. أتمنى ذلك، وكل عام وشعوبنا العربية بخير وسلام.