مما لا شك فيه أن الإبادة الجماعية التي تجري في غزة قد تركت صوراً ستظل محفورة في ذاكرة أجيال عدة، بما يشمل قتل المئات من العاملين في المجال الإنساني. ففي الثاني من نيسان/أبريل، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعن عمد، سبعة من العاملين في مجال الإغاثة من منظمة “المطبخ المركزي العالمي” غير الحكومية الأميركية، وهو الحدث الذي صدم المجتمع الدولي وسلط الضوء على المعايير المزدوجة التي ينتهجها الغرب في إدانة الهجمات على المنظمات الإنسانية. ويضاف هذا الرقم إلى أكثر من 200 حالة وفاة بين موظفي الأمم المتحدة، وخاصة الأونروا. ومع ذلك؛ لا يقتصر العنف ضد العاملين في المجال الإنساني على فلسطين فحسب، بل يمتد إلى جميع أنحاء العالم.
19 آب/أغسطس: اليوم العالمي للعمل الإنساني
يجري الاحتفال باليوم العالمي للعمل الإنساني بتاريخ 19 آب/أغسطس من كل عام، لا لإظهار الدعم الدولي للعاملين في المجال الإنساني، من العاملين في سياقات معقدة ومتقلبة للغاية فحسب، ولكن أيضًا لإحياء ذكرى إحدى أكبر الهجمات على الأمم المتحدة.
ففي 19 آب/أغسطس 2003، وبعد بدء الاحتلال الأميركي للعراق، وقع هجوم بالقنابل على فندق القناة في بغداد، مقر الأمم المتحدة في العراق، وقد أسفر هذا الهجوم الانتحاري عن مقتل 22 عاملاً إنسانياً، من بينهم سيرجيو فييرا دي ميلو، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، وإصابة 150 آخرين. وبعد خمس سنوات، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 63/139، الذي خصص هذا التاريخ ليكون يوماً عالمياً للعمل الإنساني.
مخاطر العمل الإنساني
لا أحد بمنأى عن الخطر في مناطق الحرب، وليس العاملون في المجال الإنساني استثناء من ذلك. ووفقًا لقاعدة بيانات أمن العاملين في المجال الإنساني، المصدر الرئيسي لرصد الهجمات على أعضاء هذا القطاع، فقد ارتفعت وتيرة حوادث (القتل، والاختطاف، والاعتداءات الجنسية، والتفجيرات، وغيرها) ضد العاملين في المجال الإنساني إلى حد ملحوظ على مدى العقدين الماضيين. ويمكن تفسير هذا الاتجاه التصاعدي بزيادة الأزمات الإنسانية الناجمة عن النزاعات المسلحة (على النقيض من تلك الناجمة عن الكوارث الطبيعية)، واحترافية القطاع الإنساني (مع النمو الناتج عن ذلك من حيث عدد العاملين فيه)، وتسييس المساعدات الإنسانية، من بين أسباب أخرى. والجدير بالذكر أن العام 2023، قد شهد مقتل 280 عاملاً إنسانياً، الأمر الذي جعله العام الأكثر دموية على الإطلاق.
وليست جميع المناطق التي تعمل فيها المنظمات الإنسانية متشابهة من حيث الأمن. ففي عام 2023، كانت المناطق الثلاث الأولى التي شهدت أعلى عدد من الحوادث العنيفة ضد العاملين في المجال الإنساني هي فلسطين؛ وجنوب السودان؛ والسودان، تليها سوريا، وإسرائيل وأوكرانيا. ويختلف هذا الترتيب إذا ما شاهدناه بمزيد من المنظور التاريخي: ففي الفترة بين عامي 1997 و2024، سُجلت 604 هجمات على العاملين في المجال الإنساني في أفغانستان، لتكون الدولة التي شهدت أعلى عدد من الحوادث العنيفة ضدهم في العالم. كما تحتل جمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى، أيضًا مرتبة بارزة بين أكثر 10 مناطق خطرة متعارف عليها بالنسبة لأولئك الملتزمين بالعمل الإنساني.
من ناحية أخرى؛ لا يؤثر العنف على جميع الجهات الفاعلة والعاملين في القطاع الإنساني بصورة متساوية: فالمنظمات غير الحكومية الوطنية والموظفون المحليون هم الواقعون في مرمى النيران. فمنذ عام 2016، تضاعفت الهجمات على المنظمات غير الحكومية المحلية، متجاوزة تلك التي تستهدف المنظمات غير الحكومية الدولية في عام 2022. وعلى نفس المنوال؛ لا يتناسب عدد الضحايا المحليين، مع نظرائهم من الرعايا الأجانب: ففي العام الماضي، تعرض أكثر من 500 عامل محلي، سواء أكانوا يعملون لحساب منظمات غير حكومية محلية أو دولية، لشكل من أشكال الحوادث العنيفة، مقابل 26 ضحية دولية فقط.
وقد يفسر التنفيذ الضعيف لمحلية المساعدات الإنسانية هذه الأرقام. ففي أعقاب اعتماد الصفقة الكبرى في عام 2016، والتي تهدف إلى تعزيز محلية العمل الإنساني، سارعت المنظمات الدولية إلى تنفيذ مشاريعها من خلال شركاء محليين، وخاصة في السياقات التي لا يمكن فيها ضمان الظروف الأمنية الكافية لنشر الموظفين الدوليين. وعملياً؛ أدت هذه الطريقة إلى نقل المخاطر من الجهات الفاعلة الدولية إلى نظيرتها المحلية، دون أن يصاحب ذلك توفير تمويل مناسب للتدريب الأمني أو قدرات صنع القرار النهائي اللازمة للفصل في شأن التدخلات حيال هذا الوضع.
وحيدون في مواجهة الخطر؟
على الرغم من أننا لاحظنا في السنوات الأخيرة -للأسف- زيادة في انتهاكات القانون الدولي الإنساني، إلا أنه يعد الأداة الرئيسية لحماية العاملين في المجال الإنساني في سياق النزاعات المسلحة. إن القانون الدولي الإنساني هو فرع من القانون الدولي العام يسعى إلى تنظيم سلوك الأطراف المتحاربة في نزاع مسلح، والحد من عواقبه وحماية المدنيين.
ثمة العديد من قواعد القانون الإنساني الدولي ومبادئه تضمن حماية العاملين في المجال الإنساني. على سبيل المثال؛ يُلزم مبدأ التمييز، الأطراف المتحاربة بتنفيذ عمليات عسكرية ضد المقاتلين فقط، ويجب على هذه الأطراف احترام المدنيين وحمايتهم، بما في ذلك أولئك العاملين في المجال الإنساني. وفي هذا الصدد؛ توفر شعارات الصليب الأحمر، أو الهلال الأحمر أو الأمم المتحدة، الحماية اللازمة للعاملين في المجال الإنساني من خلال تحديد هويتهم باعتبارهم أفراداً غير مقاتلين بالنسبة للأطراف المتنازعة. بالإضافة إلى ذلك؛ تنص البروتوكولات الإضافية لعام 1977، لاتفاقيات جنيف لعام 1949، على وجوب احترام العاملين الذين يقدمون المساعدة الإنسانية وحمايتهم كذلك.
وعلى نحو مماثل؛ ينص نظام روما الأساسي، وهو المعاهدة الدولية التي أسست المحكمة الجنائية الدولية، على أن “تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام”، هو جريمة حرب (المادة 8.2 (ب) (3)).
وعلى الرغم من التهديدات المتزايدة التي تواجه سلامتهم؛ يختار المزيد من الرجال والنساء تكريس حياتهم المهنية للعمل الإنساني، للمساعدة في تخفيف معاناة 300 مليون شخص يحتاجون المساعدة على مستوى العالم اليوم. إن تعزيز احترام القانون الإنساني الدولي، وتخصيص المزيد من الموارد للتخفيف من المخاطر الأمنية، وخاصة في حالة المنظمات غير الحكومية المحلية، أو تحسين أنظمة المعلومات بين الجهات الفاعلة على الأرض، هي بعض من التدابير التي في استطاعتها أن تزيد من حماية المنظمات الإنسانية والعاملين فيها أيضاً.