بقلم خالد جمعة، باحث في مركز النهضة الاستراتيجي
تترقب المؤسسات الدولية والحكومية العاملة في مجال العمل الإنساني، القمة العالمية للأشخاص ذوي الإعاقة التي تُعقد في برلين في الفترة (2 إلى 3 نيسان/ أبريل 2025)، كـ”فرصة فريدة” من نوعها لتحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة على جميع الأصعدة والمجالات.
وتطلع القمة التي تم إطلاقها عام 2017 لتجمع كافة الجهات العالمية والإقليمية والوطنية الذين يشتركون في نفس الهدف والرؤية للتنمية الشاملة للإعاقة والعمل الإنساني، إلى تعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان وجود آلية مناصرة مستمرة مع الجهات والدول ذات العلاقة في مجالات التنمية والحشد لقضاياهم.
بدورها؛ توليّ منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، منذ نشأتها عام 2008، التزاماً كبيراً في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع المجالات، بما في ذلك الوصول إلى الحماية الاجتماعية الشاملة. فيما تعمل المنظمة على بناء شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والقطاع الخاص؛ بهدف تطوير سياسات وبرامج تضمن إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في سوق العمل، وتحقيق استقلاليتهم الاقتصادية والاجتماعية.
وتستعد النهضة العربية (أرض) للمشاركة في القمة العالمية للإعاقة، حيث تسعى من خلال هذه المشاركة إلى تبادل الخبرات مع الدول والمنظمات الدولية، والاطلاع على أفضل الممارسات العالمية في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى تسليط الضوء على التحديات التي يواجهها هؤلاء الأشخاص في الأردن والمنطقة العربية، والعمل على إيجاد حلول فعّالة، بالتعاون مع جميع الأطراف المعنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالعدالة الاجتماعية والإدماج الكامل.
وسيتم خلال القمة طرح العديد من القضايا؛ أهمها العيش المستقل، والتعليم الدامج، وأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة في الحروب والأزمات والحروب والحماية الاجتماعية، ودور الأسرة والأهالي، وكيفية إعداد موازنات الدول المالية، كما سيتم البحث في أولويات أخرى مثل المشاركة السياسية وتمكين المرأة، والسياحة الدامجة، ودور القطاع الخاص في مجال الإعاقة.
وتمثل القمة إحـدى الطرق التـي يمكننا من خلالها فهـم كيفية إدمـاج الأشخاص ذوي الإعاقـة في المجتمعات ومواقع صنع القرار، فضلاً عن ترجمة مستوى الطموح الذي تمت مشاركته في الالتزامات الحالية والسابقة من جانب الجهات المعنية في هذا السياق، وخاصـة الحكومات والجهات المانحة، إلى تغييرات على مستوى السياسات والبرامج.
وذلك كله في ظل، مواصلة الأشخاص ذوو الإعاقـة والمنظمات الممثلة لهم، العمل في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المعقدة التي تشكل حياتهم اليومية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد العديد من الاضطرابات على جميع المستويات. وعلى الرغم من أن صياغة السياسات المتعلقة بإدماج منظور الإعاقـة أو مراجعة السياسات الحاليـة في هذا الصدد لا تُترجم تلقائيًا إلى التغيير أو تضمن حدوثه، إلا أنها تُضفي الطابع الرسمي على نية الحكومات والتزامها السياسـي، مما يتيح إمكانية إخضاعها للمساءلة في حال عدم تطبيق السياسات وعدم الالتزام بتحسين البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتشريعية للأشخاص ذوي الإعاقة.
القمة: كفرصة لتحسن ظروف الأشخاص ذوي الإعاقة
من جهته، يؤكد رئيس الجمعية الأردنية للعمل الاجتماعي، أشرف البكور، على أهمية القمة التحضيرية للإعاقة “كفرصة لتعزيز دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة”، مع التركيز على دور الأردن كنموذج لـ”لإرادة السياسية” من خلال إنجازات مثل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة 2017 واستراتيجيات التعليم الدامج وبدائل الإيواء. كما يؤكد على ضرورة إيصال أصوات هذه الفئة إلى صانعي القرار، خاصة في مناطق الحرب والنزاع.
وتعكس القمة التزامًا دوليًا مشتركًا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة من خلال سياسات مستدامة وشراكات فعالة بين الحكومات والمنظمات والمجتمع المدني، مع التركيز على تبادل الخبرات وبناء القدرات، وتعزيز دور الأشخاص ذوي الإعاقة في الاقتصاد وسوق العمل، والقطاع الخاص والسياحة، بما يسهم في خلق مجتمع أكثر شمولية وازدهارًا.
في حين، يقول مسؤول ملف المشاركة السياسية في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، زيد العطاري، إن القمة العالمية للإعاقة تشكل فرصة مثالية للنهوض وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في كافة مناحي الحياة فمن خلالها ستتقدم الحكومات والمنظمات الدولية بالتزامات من شأنها تحسين واقع حياة الأشخاص ذوي الإعاقة كما انها ستتيح المجال للاطلاع على الممارسات الفضلى ومناقشتها وبحث سبل التعاون مع مختلف الفاعلين في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
بينما تشير الناشطة في مجال حقوق الطفل والأشخاص ذوي الإعاقة، كارول جدعون، إلى أن أهمية القمة تأتي من كونها تعتمد على إنجازات القمتين السابقتين، مما يعزز استمرارية الجهود الدولية في هذا المجال. وتشارك في استضافتها حكومتا ألمانيا والأردن إلى جانب التحالف الدولي للإعاقة، الذي يعد المستضيف الدائم. ويكتسب الحدث أهمية خاصة للأردن كأول بلد عربي يستضيف هذه القمة، مما يتيح الفرصة لنقل الواقع الأردني والعربي للأشخاص ذوي الإعاقة إلى الساحة الدولية.
وأوضحت جدعون أن القمة تتميز بمستوى تمثيل مهم، حيث سيقود جلالة الملك الوفد الأردني، مما يبرز الالتزام الرسمي تجاه قضايا الإعاقة. ومن بين المبادئ السبعة الأساسية التي تستند إليها القمة، يبرز مبدأ “لا شيء عنا بدوننا”، والذي يؤكد أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم المحور الأساسي لهذه الجهود. تسعى القمة إلى ترجمة هذا المبدأ إلى إجراءات ملموسة، مما يعكس الالتزام بتحقيق إدماج فعلي ومستدام للأشخاص ذوي الإعاقة في كافة جوانب الحياة.
قائمة الالتزامات
إن التزامات القمة العالمية للإعاقة هي تعهدات طوعية يقدمها المشاركون في القمة، بما في ذلك الحكومات، والمنظمات الدولية، ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة، والقطاع الخاص، والجهات المانحة، بهدف تعزيز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة، وبما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتهدف القمة إلى تحويل هذه الالتزامات إلى سياسات وبرامج ملموسة تحقق تغييرًا حقيقيًا على المستوى الوطني والدولي.
وتشمل تشمل محاور الالتزامات الرئيسية: الإدماج في التنمية عبر التركيز على دمج منظور الإعاقة في سياسات وبرامج التنمية الوطنية والدولية. تطوير السياسات عن طريق التزام الحكومات بتبني سياسات تضمن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ومع التركيز على آليات المحاسبة. ضمان التمويل المستدام لتنفيذ البرامج المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة. تعزيز التعاون ودعم المنظمات الدولية والمحلية العاملة في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. تحسين فرص التعليم والتوظيف وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية وشمول الأشخاص ذوي الإعاقة في أسوق العمل. الاستجابة الإنسانية ودمج منظور الإعاقة في جهود الإغاثة الإنسانية لضمان شمول الجميع خلال الأزمات والطوارئ.
حيث تهدف هذه الالتزامات إلى تحقيق تقدم ملموس في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة على الصعيدين الوطني والدولي، إذ وضعت القمة خطة شاملة تهدف إلى تعزيز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة وضمان مساواتهم في جميع جوانب الحياة، من خلال خطة تعتمد على الالتزامات الواضحة التي تتبناها الحكومات ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة، وتتم متابعة تنفيذها عبر آليات محددة لضمان المساءلة والتقييم المستمر.
المطلوب محلياً وعربياً
أردنياً، يتطلب الوضع تفعيلًا وتنفيذًا فعّالًا للتشريعات الوطنية، مثل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لعام 2017، إذ ورغم إقرار القانون الذي وفر الحماية الشاملة في جميع المجالات المجتمعية للأشخاص ذوي الإعاقة إلا أنه كان هناك قصور في تطبيق القانون، إضافة لذلك يجب ضمان توافق السياسات المحلية مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. كما يجب تطوير منظومة تعليمية شاملة من خلال تحسين البنية التحتية وتوفير الموارد التعليمية المخصصة، بما في ذلك تدريب المعلمين واستخدام التقنيات المساعدة.
وفيما يتعلق بفرص العمل، من الضروري تعزيز توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة عبر تقديم حوافز لأصحاب العمل وتوفير برامج تدريب مهني تتناسب مع متطلبات سوق العمل. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تحسين سهولة الوصول إلى المرافق العامة والخدمات الصحية والاجتماعية لتلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب إطلاق حملات توعية تهدف إلى تغيير التصورات المجتمعية السلبية وتعزيز ثقافة الشمولية.
على الصعيد الاقليمي، يعتبر تعزيز التعاون الإقليمي أمرًا جوهريًا من خلال إنشاء شبكات لتبادل أفضل الممارسات وتوحيد الجهود لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة. يتطلب ذلك أيضًا، تطوير استراتيجيات وطنية متوافقة مع المعايير الدولية، وتنسيق السياسات بين الجهات الحكومية وغير الحكومية. ومن المهم دعم البحث العلمي والابتكار لتطوير حلول تكنولوجية وخدمات تلبي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، مع تخصيص ميزانيات مستدامة لضمان تنفيذ البرامج والخطط ذات الصلة. ويجب أن يكون إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في عمليات صنع القرار على المستويين الوطني والإقليمي جزءًا أساسيًا من هذا الجهد، لضمان أن تكون السياسات مستجيبة لاحتياجاتهم.