الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

المشاركة العربية في مؤتمر القمة المعني بالمستقبل

مشاركة

بقلم إليونورا بانفي

سعى مؤتمر القمة المعني بالمستقبل، الذي عقد في أيلول/ سبتمبر 2024، إلى تعزيز التعددية وإعادة تشكيل النظام الدولي لمعالجة التحديات العالمية الملحة التي نواجهها اليوم، بما في ذلك تغير المناخ، وعدم المساواة، وإصلاح الحوكمة. وقد كان ميثاق المستقبل، وهو إطار شامل مصمم لتعزيز التنمية المستدامة، وجهود بناء السلام، وحماية حقوق الإنسان من أهم نتائج هذه القمة.  ركز هذا الميثاق على الإصلاحات في السلام والأمن، مع إيلاء اهتمام خاص لتطوير عمليات السلام ومعالجة أسباب الصراعات الجذرية، كالفقر، وعدم المساواة وندرة الموارد. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهدافه الطموحة، فقد واجه الميثاق مجموعة من الانتقادات جراء افتقاره إلى آليات ملموسة لتحقيق هذه الأهداف، إذ كان من الواضح أن ثمة تقصيرًا في معالجة أزمتي اللاجئين والهجرة على نحو كافٍ- القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة للعالم العربي. وقد سلط إهمال الميثاق للنازحين والدول المضيفة لهم الضوء على التباين الواسع بين أهداف القمة والواقع الميداني في المناطق الأكثر تأثرًا بالصراع والنزوح.

وشددت القمة، التي دعا إليها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات شاملة، وخاصة داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمؤسسات المالية الأخرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لتعكس المشهد العالمي الحالي على نحو أفضل. وضمت القمة رؤساء الدول، وممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص ومختلف المنظمات الدولية. شهدت القمة إجماعًا واسع النطاق، إذ دعمت العديد من الدول الميثاق باعتباره خطوة حاسمة نحو معالجة أزمة الحوكمة العالمية. ومع ذلك، فقد كشف الغياب الملحوظ والمعارضة التي أبدتها روسيا والصين وعدد قليل من الدول الأخرى عن التوترات الكامنة بين الدول الأعضاء، إذ انتقدت روسيا، على وجه الخصوص، الإصلاحات المقترحة لمجلس الأمن، خشية أن تؤدي إلى تآكل نفوذها كعضو دائم فيه. كما أعربت كل من روسيا والصين عن مخاوفهما من أن يؤدي الميثاق إلى تغيير ميزان القوى العالمي، مع المقاومة التي أبدتها الصين أيضًا لأطر الحوكمة التكنولوجية، فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي خاصة.

ومع اعتبار القمة خطوة حاسمة في إعداد العالم لمواجهة المخاطر المستقبلية وضمان تنمية تتمتع بالمزيد من الإنصاف والعدالة، فقد برزت عدة تحديات في هذا الصدد، خاصة فيما يتعلق بمشاركة الدول العربية ودورها في نظام الحوكمة العالمي الأوسع.

 

انتقادات عالمية للقمة

تركز أحد الانتقادات الرئيسية التي وجهت للقمة على عدم فعالية الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها الأساسية الثلاثة -الحفاظ على السلام والأمن العالميين، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية- بالنظر إلى الصراعات الأخيرة في المنطقة العربية على وجه الخصوص. منذ إنشائها في عام 1945، كانت ديناميكيات القوة في الأمم المتحدة تحابي الدول الغربية بشكل غير متساوٍ، وخاصة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إذ يتمتع الأعضاء الخمسة الدائمون بحق النقض. لقد أدى هذا إلى إدامة عدم التوازن، الأمر الذي زاد من صعوبة حل الصراعات في فلسطين وسوريا وخارجها. وتشكل الحروب الدائرة في غزة وأوكرانيا أمثلة بارزة على الكيفية التي أدت بها سلطة حق النقض إلى تعطيل التدخلات الضرورية لتحقيق السلام ودعم حقوق الإنسان، ما قلل من دور الأمم المتحدة كوسيط فعال.

ويمتد هذا الخلل في توازن القوى إلى ما هو أبعد من الجغرافيا السياسية، ليكشف عن أوجه عدم المساواة الاقتصادية والتنموية، إذ أدى فشل الأمم المتحدة في إصلاح العضوية الدائمة في مجلس الأمن إلى اتخاذ قرارات أحادية الجانب تتجاهل في كثير من الأحيان أولويات الدول النامية، بما في ذلك دول العالم العربي. ويتجلى هذا خاصة في منطقة الشرق الأوسط فغالبًا ما يجري تهميش الصراعات عند تعارضها مع مصالح الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة. ويثير هذا الاهتمام الانتقائي تساؤلات مهمة حول قدرة الأمم المتحدة على إنشاء نظام شامل وحقيقي قادر على معالجة الأزمات الملحة في عصرنا.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت القمة أيضًا عن فشل الأمم المتحدة الواضح في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، إذ تسير 17٪ منها فقط على المسار الصحيح حاليًا. ولا يمثل تزايد الفقر العالمي، واستمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتفاقم عدم المساواة بين الرجال والنساء، سوى عدد قليل من القضايا التي تؤكد مدى الحاجة إلى إصلاحات منهجية. من جهة أخرى، ما تزال أجندة المرأة والسلام والأمن، التي تعتبر ضرورية لتحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة (المساواة بين الجنسين) تحظى بأولوية منخفضة في المناقشات العالمية والإقليمية، كما يطغى عليها التركيز المفرط على النفقات العسكرية. إن الإغفال السابق لهذه الحاجات أمر بالغ الأهمية بالنسبة للعالم العربي، حيث تؤثر الصراعات المستمرة على نحو غير متكافئ على النساء والفتيات. علاوة على ذلك، وفي الوقت الذي يقدم فيه التقدم التكنولوجي مثل الذكاء الاصطناعي حلولاً محتملة، فقد يؤدي الاستخدام العشوائي له إلى تفاقم عدم المساواة، لاسيما في المنطقة العربية التي تعاني فجوات رقمية واضحة كما أن البطالة بين الشباب قضية رئيسية فيها.

 

المشاركة العربية: فرصة ضائعة

وتسلط الملاحظات حول المشاركة العربية في القمة الضوء على جملة من التحديات. بالنسبة للعديد من الدول العربية، ضرب مؤتمر القمة مثالاً آخر على الطريقة التي يخدم بها هيكل القوة العالمية الحالي المصالح الغربية في المقام الأول. ولا تعكس هذه الهياكل، التي يهيمن عليها عدد قليل من الدول القوية، احتياجات وتطلعات البلدان النامية، بما في ذلك الدول العربية.

 

وقد ظهرت عدة تحديات محددة فيما يتعلق بالمشاركة العربية:

  1. غياب التفاهمات والحوار

ما لاحظه المحللون هو الافتقار إلى وجود استراتيجية موحدة بين الدول العربية، فبينما اغتنمت بعض الدول الفرصة لعرض جهودها في مجال التنويع الاقتصادي والمبادرات المناخية، كان الحضور العربي الأوسع مفككًا، كما أن عجز المنطقة عن تقديم نهج متماسك -وخاصة فيما يتصل بقضاياها الملحة مثل الصراعات في غزة ولبنان– سببًا في إضعاف صوتها الجمعي. علاوة على ذلك، كان تمثيل منظمات المجتمع المدني في العالم العربي دون المستوى الكافي، الأمر الذي حد من تنوع وجهات النظر التي كان من الممكن له تعزيز الدعوة الإقليمية. ويعكس غياب موقف واضح وموحد بين الدول العربية الفرصة الضائعة لإعطاء الأولوية للاحتياجات التنموية، وذلك فيما يتعلق بالبطالة بين الشباب، وعدم المساواة الاقتصادية، والتحديات المناخية على وجه الخصوص -وكلها قضايا ملحة في جميع أنحاء المنطقة.

 

  1. تجاهل الأولويات التنموية

وكان من الممكن أن توفر القمة منصة لتسليط الضوء على التحديات التنموية الفريدة التي تواجه العالم العربي. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإمكانات، لم تُعالَج هذه المخاوف على نحو كافٍ، إذ ما تزال عدة قضايا كعدم المساواة الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، تشكل أهمية محورية لمستقبل المنطقة العربية، ومع ذلك فقد عانت من التهميش لصالح مناقشات عالمية أوسع حول العمل المناخي والإصلاح المالي. كذلك، كان فشل القمة في دمج أجندة المرأة والسلام والأمن بشكل مناسب -وهو إطار أساسي للمساواة بين الجنسين إضافة إلى التنمية- بمثابة سهو صارخ آخر. ومما يثير القلق بنفس القدر عدم الاهتمام بتحديات السلام والأمن فيما يتعلق باللاجئين والنازحين. ونظراً للحروب التي تشهدها المنطقة، والنزوح الجماعي، وندرة الموارد، كان في مقدور معالجة هذه القضايا من خلال إطار عمل المرأة والسلام والأمن أن يؤدي إلى مناقشات أكثر شمولاً حول عمليات السلام الشاملة، والتعافي بعد الصراع، وإدماج السكان النازحين على المدى الطويل. ولسوء الحظ، أُهملت هذه الأولويات إلى حد كبير، وخاصة فيما يتعلق بتغير المناخ وعدم المساواة.

 

  1. التعلم من الآخرين

فيما حققت المملكة العربية السعودية نجاحًا ملحوظًا، حيث أظهرت تقدمًا كبيرًا في التحديات العالمية الرئيسية. وسلطت المملكة الضوء على مشاريعها الطموحة في إطار رؤية السعودية 2030، موضحة الكيفية التي تتماشى بها الإصلاحات الوطنية مع أهداف التنمية المستدامة العالمية. ومع ذلك، لم تنعكس هذه الجرأة في حال الدول العربية الأخرى، فلم يستفد الكثير منها استفادة كاملة من مؤتمر القمة لدفع أجنداتها التنموية. وأظهرت مناطق أخرى، ولا سيما تلك الموجودة في أفريقيا وآسيا، قدرًا أكبر من المشاركة الاستباقية، والدعوة إلى إصلاحات النظام المالي وتخفيف عبء الديون الفاعل. لقد ترك الافتقار إلى المشاركة العربية القوية العديد من القضايا الإقليمية دون معالجة أو حل، ما أدى إلى إدامة النظرة إلى العالم العربي باعتباره صاحب رد فعل لا سبّاقًا في تشكيل الحوكمة العالمية.

 

  1. التعاون الاقتصادي مسارًا إلى الأمام

إن غياب التعاون الاقتصادي الإقليمي بين الدول العربية يشكل نقطة ضعف خطيرة. وعلى الرغم من القرب الجغرافي والمصالح المشتركة، فما زال غياب الشراكات الاقتصادية القوية القادرة على تعزيز النفوذ الجماعي على الساحة العالمية موجودًا. على سبيل المثال، في حين أنشأت مناطق مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي كتلًا اقتصادية متماسكة لتعزيز مصالحها، فإن العالم العربي لا يزال يعاني من سياسات اقتصادية مجزأة. وكما أبرز مؤتمر قمة المستقبل، تحتاج المنطقة العربية إلى معالجة الفجوة الاقتصادية المتزايدة بين دولها النفطية الغنية والدول الفقيرة فيها مثل اليمن والسودان، والتي تواجه انتكاسات تنموية حادة. ومن دون استراتيجية اقتصادية موحدة، تخاطر الدول العربية بتعرضها إلى التهميش في المنتديات العالمية المستقبلية.

 

الاستنتاجات والاقتراحات

وفر مؤتمر قمة المستقبل فرصة محورية للدول العربية لتأكيد تواجدها على الساحة العالمية والدفاع عن التحديات التنموية الفريدة التي تواجهها. ومع ذلك، فإن المشاركة المجزأة والافتقار إلى استراتيجية موحدة يسلطان الضوء على الانفصال الشاسع بين أولويات المنطقة والأجندة الدولية الأوسع. وبينما يواجه العالم العربي قضايا ملحة مثل عدم المساواة الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، والتأثير المستمر للصراع، فمن الضروري أن يتم التعبير عن هذه المخاوف ومعالجتها في المنتديات العالمية. وتسلط نتائج القمة الضوء على الحاجة الملحة للدول العربية لتبني نهج متماسك للتعاون الإقليمي، وخاصة في الشراكات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. ومن خلال جبهة موحدة، تستطيع الدول العربية التأثير على نحو أفضل على هياكل الحكم العالمية، وتحدي ديناميكيات القوة القائمة، والدفع نحو الإصلاحات التي تعكس احتياجات وتطلعات شعوبها. علاوة على ذلك، يعد دمج أجندة المرأة والسلام والأمن في هذه المناقشات أمرًا بالغ الأهمية، لا لأنه يعالج الفوارق بين الجنسين وحسب، بل لتعزيزه أيضًا فعالية جهود بناء السلام والتنمية في المنطقة. إن تمكين المرأة في عمليات صنع القرار يضمن اتباع نهج أكثر شمولاً في الحوكمة ويعزز التقدم المستدام. وفي نهاية المطاف، يتوقف مستقبل المشاركة العربية في العلاقات الدولية على قدرتها على الانخراط الحازم في الحوارات العالمية، وإعطاء الأولوية للشباب والمساواة بين الجنسين، والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة. ومن خلال القيام بذلك، تستطيع الدول العربية إعادة تشكيل دورها في النظام الدولي المتطور وتأمين مستقبل يتماشى مع مصالحها ومصالح شعوبها، كما أن الدرس المستفاد هنا واضح: إن المشاركة الهادفة في الحوكمة العالمية ضرورة أساسية للعالم العربي للتأثير على النتائج الأكثر أهمية بالنسبة لمواطنيه والمساهمة في خلق مشهد عالمي يتمتع بالمزيد من الإنصاف والاستدامة.

 

ولضمان ترجمة نتائج مؤتمر القمة إلى إجراءات ذات معنى، نوصي باتخاذ الخطوات التالية:

  • صياغة خطة عمل إقليمية لإطار شامل للسلام والاستقرار في العالم العربي لضمان تنفيذ خطة العمل المشتركة. ويجب أن تتضمن هذه الخطة أهدافًا قابلة للقياس، وجداول زمنية، وآليات مساءلة.
  • تعزيز التشاركية مع المجتمع المدني من خلال القنوات الرسمية للحوار والتعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء المنطقة العربية. وقد يشمل ذلك إنشاء منصات للتشاور المنتظم، وضمان مساهمة الأصوات المتنوعة في مناقشات السياسات وعمليات صنع القرار.
  • تنفيذ استراتيجية إقليمية للاجئين والهجرة تركز على التحديات طويلة المدى لقضايا اللاجئين والهجرة. وينبغي لهذه الاستراتيجية أن تعطي الأولوية لإدماج السكان النازحين، وتوفير الخدمات الأساسية، وحماية حقوق الإنسان، وخاصة في بلدان مثل لبنان والأردن التي تستضيف أعدادًا كبيرة من هؤلاء اللاجئين.
  • تسهيل تبادل المعرفة وتطبيق أفضل الممارسات. تمكن استضافة ورش العمل أو المنتديات أو عقدها عبر المنصات عبر الإنترنت لتبادل المعرفة، البلدان من التعلم من بعضها البعض وتكييف الاستراتيجيات الناجحة مع سياقاتها المحددة.