الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

تسييس المساعدات: أزمة ثقة في النظم الإنسانية

مشاركة

أثارت القرارات الأخيرة بوقف المساعدات على المستوى الدولي مخاوف حول نزاهة ومستقبل النظم الإنسانية العالمية. فلا يؤدي استخدام المساعدات كأداة للضغط السياسي إلى تقويض مبادئ الحياد وعدم التحيز والإنسانية فحسب، بل يهدد أيضًا الدعم الحيوي لملايين الأفراد الأكثر تأثراً في أنحاء العالم.

وتتجلى العواقب بشكل خاص في الشرق الأوسط؛ بتجاوز الأثر الخسائر المالية. فالمنطقة تعاني بالفعل من تضييق على المساحات المدنية وتزايد الهجمات على مبادرات المساواة بين الرجال والنساء وأجندات الشمول والحماية. كما يؤدي خفض المساعدات إلى إضعاف قدرة منظمات المجتمع المدني المحلية على مواجهة هذه التحديات، لتقف عاجزة في ظل الضغوط.

أما بالنسبة للحكومات في المنطقة، فإن الوضع أكثر خطورة؛ ففي الوقت الذي تعمل جاهدة فيه لتحقيق الاستقرار وبناء الثقة نحو مستقبل أفضل، تواجه الآن صعوبات اقتصادية متزايدة وتهديدات للاستقرار المجتمعي. هذه الضغوط تقوض الثقة في الخطط المستقبلية وتجعل من الصعب الوفاء بالالتزامات الدولية، ويمكن أن تؤدي التداعيات المتتابعة إلى تقويض ثقة الشعوب فيها، وزعزعة استقرار الحوكمة، وتعميق الفجوة بين القيادة والمواطنين.

ولا يعتبر هذا الوقف حادثة معزولة. فتخفيض أو قطع بعض الدول الغربية لتمويل الأونروا، الذي أدى إلى قطع الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، يُعد تذكيرًا صارخًا بكيفية أن القرارات السياسية بشأن المساعدات يمكن أن تفكك الثقة وتزعزع استقرار المجتمعات. لكن التخفيضات الأخيرة تمثل ضربة أعمق، حيث تهدد بإلغاء التقدم المحرز في حقوق المرأة، والإدماج الاجتماعي، وأجندات التنمية الإقليمية. وبعد إبادة غزة، أصبح استعادة الثقة في النظام الإنساني المتدهور أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وبدلاً من ذلك، تعكس هذه التخفيضات هجومًا أكبر على نظام متداعٍ بالفعل، مما يعزز التصور بأن المساعدات الإنسانية مشروطة وانتقائية وتحركها دوافع سياسية.

عالمياً، يؤدي تسييس المساعدات إلى تقويض استقلالية منظمات المجتمع المدني وسيادتها، مما يحوّل المساعدات من أداة دعم إلى وسيلة للسيطرة. ويحذر النقاد من أن هذه الممارسات قد لا تؤدي فقط إلى زعزعة الثقة في النظام الإنساني فحسب، بل تترك أيضًا الفئات الضعيفة تحت رحمة الحسابات الجيوسياسية. فيما يكشف الدمار في غزة عن فشل المجتمع الدولي في الوفاء بالتزاماته، مما يعمّق فجوة الثقة بالأنظمة الدولية ويشدد على ضرورة العمل على إصلاحها.

كذلك تسلط تجربة الشرق الأوسط الضوء على تحدٍ عالمي أوسع لاستعادة الثقة في إيصال المساعدات. فلا بد من حماية نظم المساعدات الإنسانية من الأجندات السياسية لضمان بقائها شريان حياة يحفظ الكرامة والتنمية والاستقرار للشعوب المتضررة من الحروب والأزمات. وبدون اتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة هذه القضايا، ستتفاقم أزمة التضييق على المساحات المدنية، وانعدام العدالة بين الرجال والنساء، وتتفاقم الصعوبات الاقتصادية المتزايدة في مناطق مثل الشرق الأوسط، مما يهدد السلام والتضامن العالميين.

أخيراً، لا يعد تسييس المساعدات مجرد فشل سياسات، بل هو تحدٍ مباشر للقيم الأساسية للنظم الإنسانية. لذا، لا بد من العمل إعادة محورة بناء الثقة، وضمان الاستقلالية، وإعطاء الأولوية للعدالة ليكون في صلب الحوار العالمي، وإلا فإن العالم يواجه خطر فقدان آلية حيوية لتعزيز الصمود والأمل والسلم فيه.