الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

سد الفجوة بين أنظمة المساعدات الإنسانية والحماية الاجتماعية

مشاركة

بقلم خالد جمعة

ضمن فعاليات مؤتمر نظمه مؤخراً المجلس الدنماركي للاجئين بالشراكة مع مبادرة الإصلاح العربي، التقت مجموعة من الخبراء وصناع السياسات لمناقشة سبل سد الفجوة بين المساعدات الإنسانية وأنظمة الحماية الاجتماعية في الشرق الأوسط، فضلاً عن الأزمات في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن والأردن، والحاجة الملحة إلى استجابات متكاملة تتجاوز المساعدات القصيرة الأجل لبناء أطر الحماية الاجتماعية المستدامة.

بدورها؛ شاركت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) إلى جانب شركاء دوليين ووطنيين آخرين في المؤتمر، إذ كانت منظمة النهضة العربية (أرض) شريكة ملتزمة بهذه المبادرة منذ المناقشات الأولية التي جرت حولها خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023.

ويُشار إلى أن هذا المؤتمر الأخير هو الثالث في سلسلة من الحوارات المخصصة لمعالجة تعقيدات دمج المساعدات الإنسانية مع أنظمة الحماية الاجتماعية.

 

نداء الحلول المتكاملة

وكما في المناسبات السابقة، سعى المؤتمر إلى كسر العزلة بين المساعدات الإنسانية وجهود التنمية طويلة الأمد. وقد جمع المؤتمر بين المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية، ومنظمات المجتمع المدني، والباحثين، ووكالات الأمم المتحدة والجهات المانحة لمواجهة التحديات الحاسمة في المنطقة. فيما ركز موضوعه الرئيسي على أن “معالجة الأزمات الإنسانية تتطلب أكثر من مجرد تقديم الإغاثة في حالات الطوارئ”، إذ يتطلب الأمر التحول نحو الأنظمة التي في مقدورها تقديم الدعم المستدام للفئات السكانية الضعيفة على المدى الطويل.

وتمحورت إحدى الأفكار الأساسية التي جرت مناقشتها حول كيفية خلق المزيد من الانسجام بين المساعدات الإنسانية وبرامج الحماية الاجتماعية بما يشمل ضمان قدرة المستفيدين من المساعدات بمرور الوقت على الانتقال إلى خطط الحماية الاجتماعية التي تقودها الدولة، الأمر الذي يعني تقليل الاعتماد على الإغاثة قصيرة الأجل.

 

التحديات في المنطقة العربية

وسلط المؤتمر الضوء على القضايا الملحة التي تواجه العالم العربي في هذا الخصوص اليوم، وهي:

  1. زيادة معدلات الفقر: ارتفعت معدلات الفقر في البلدان العربية، إذ صُنف ما يقرب من 130 مليون شخص حالياً على أنهم فقراء -ما يعني ثلث سكان المنطقة. وفي حين تستفيد بعض دول الخليج من عائدات النفط، تكافح دول أخرى من أجل الحفاظ على أنظمة الرعاية الاجتماعية وسط الركود الاقتصادي الذي تعانيه.
  2. انتشار البطالة: بلغت معدلات البطالة في المنطقة العربية 12% عام 2022، وهي الأعلى عالمياً (الإسكوا، 2022). وتتفشى العمالة غير الرسمية، وخاصة في بلدان مثل لبنان والعراق واليمن، حيث يفتقر العديد من العمال إلى القدرة على الوصول إلى الحماية الاجتماعية، أو المزايا الصحية، أو الأمان الوظيفي.
  3. تأثير أزمات اللاجئين: تستضيف المنطقة العربية ما يقرب من نصف اللاجئين في العالم، ما يفرض ضغوطًا هائلة على الموارد المنهكة بالفعل. وتتحمل بلدان مثل الأردن ولبنان عبئاً غير متناسب، الأمر الذي يؤثر على استقرارها الاقتصادي وتماسكها الاجتماعي.
  4. عدم الاستقرار السياسي: وينتشر حتى في تلك البلدان التي لا تشهد صراعات مسلحة حالياً. ويتفاقم عدم الاستقرار هذا بسبب الوضع الجيوسياسي الحالي، إلى جانب النزوح الداخلي والخارجي، ما يضع ضغطاً إضافياً على الخدمات الاجتماعية.

 

الحماية الاجتماعية تحت المجهر

تناولت النقاشات أيضاً حالة أنظمة الحماية الاجتماعية في العراق، والأردن ولبنان:

  • العراق: يهدف قانون الضمان الاجتماعي الذي تمت الموافقة عليه حديثاً إلى توسيع نطاق تغطية المستفيدين، غير أن التحديات مثل البيروقراطية والفساد تعيق فعاليته. ومع حصول سبعة ملايين عراقي حاليًا على الإعانات، ما يزال النظام يواجه فجوات من حيث الوصول إلى العمال غير الرسميين.
  • لبنان: كشف الانهيار الاقتصادي في عام 2019 عن هشاشة شبكات الأمان الاجتماعي في لبنان. ويعتمد جزء كبير من السكان على المنظمات غير الحكومية الطائفية أو السياسية للحصول على الدعم، ما يزيد من ترسيخ الانقسامات الاجتماعية.
  • الأردن: على الرغم من التقدم المحرز نحو الحماية الاجتماعية، مثل ميثاق الأردن لعام 2016 الذي يسمح للاجئين السوريين بالوصول إلى أسواق عمل معينة والتسجيل في الضمان الاجتماعي، فما يزال اللاجئون يواجهون صعوبات اقتصادية كبيرة. كما يعجز الكثير منهم عن تجديد تصاريح العمل بسبب ارتفاع التكاليف، ما يدفعهم إلى العمل في القطاع غير الرسمي.

 

نحو مستقبل مستدام

وكانت خلاصة المؤتمر واضحة، إذ يتطلب التصدي للتحديات الاجتماعية والإنسانية في المنطقة العربية التحول من المساعدات التفاعلية إلى الحلول الاستباقية والمستدامة. كما يمكن أن يساعد دمج المساعدة الإنسانية مع أنظمة الحماية الاجتماعية في بناء القدرة على الصمود، وتحسين التماسك الاجتماعي، وضمان عدم تخلف الفئات الضعيفة من السكان عن الركب.

ومع ذلك، يحتاج تحقيق هذه الأهداف إلى أكثر من مجرد تغييرات في السياسات، إذ يستلزم الأمر إرادة سياسية حقيقية، واستراتيجيات قوية تعتمد على البيانات، والالتزام بالتعاون بين الحكومات والوكالات الدولية والجهات الفاعلة المحلية. ومن خلال العمل معًا، تستطيع المنطقة بناء أنظمة لا تستجيب للأزمات فحسب، بل تمهد الطريق أيضاً لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.

وبناءً على مشاركتها النشطة في هذه الحوارات، أطلقت النهضة العربية (أرض)، بالشراكة مع المجلس الدنماركي للاجئين، برنامجاً تدريبياً متخصصاً للعاملين في القطاع الإنساني. وصُممت هذه المبادرة لتزويد عمال الإغاثة بالمهارات والمعرفة الأساسية لدمج آليات الحماية الاجتماعية الفاعل في جهودهم. ويهدف البرنامج إلى تعزيز قدرات العاملين في المجال الإنساني، وتمكينهم من فهم استراتيجيات الحماية الاجتماعية وتنفيذها على نحو أفضل. بالإضافة إلى ذلك، فهو يعزز التعاون الوثيق بين المنظمات الإنسانية وأنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية، ما يضمن استجابات أكثر تماسكاً وتكاملاً للتحديات المستمرة في المنطقة.

من خلال الاستثمار المستمر في مبادرات بناء القدرات، لا تدعو النهضة العربية (أرض) إلى التغيير فحسب، بل إلى تزويد العاملين في المجال الإنساني بالأدوات اللازمة لتنفيذ استراتيجيات الحماية الاجتماعية المستدامة. ويسلط هذا النهج الاستباقي الضوء على إمكانية إقامة شراكات مبتكرة وحلول متكاملة من شأنها إحداث تغيير دائم في المنطقة، الأمر الذي يضمن فعالية جهود المساعدة واستمراريتها.