بقلم: *إليونورا بانفي، ولورا ديل دوكا
في عام 2023، أدت المخاطر المرتبطة بالطقس كالعواصف، والفيضانات، والحرائق والجفاف إلى نزوح أكثر من 26 مليون شخص، وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2050، سيحتاج أكثر من 200 مليون شخص سنويًا إلى المساعدة الإنسانية جراء الكوارث المناخية. وعلى الرغم من هذه الأرقام “الصادمة”، يظل التخطيط للطوارئ “أعمى عن الرعاية” إلى حد كبير، أي تفشل مثل هذه الخطط في معالجة التأثير غير المتناسب الذي تسببه هذه الأزمات على من يتحمل مسؤوليات رعاية الأطفال، أو كبار السن، أو المرضى أو ذوي الإعاقة. ومع اقتراب موعد انعقاد اجتماع مجموعة العشرين في البرازيل، ندعو هذه البلدان -التي تمثل ثلثي سكان العالم- إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإظهار اهتمامها بمقدمي الرعاية المذكورين آنفًا.
وفي هذا الشأن، تكشف الإحصاءات عن نمط مقلق، فبلدان مجموعة العشرين التي تعاني من أعلى مستويات عدم المساواة بين الجنسين فيما يتعلق بمسؤوليات الرعاية هي أيضًا البلدان الأكثر عرضة لخطر التغير المناخي، كما يؤدي هذا التقاطع بين أعمال الرعاية بين الجنسين ومخاطر المناخ إلى تفاقم الضعف الذي يعانيه مقدمو الرعاية -أي النساء والفتيات غالبًا (ولكن على مدار حياتنا، يكون الجميع مقدمي رعاية تقريبًا). يواجه مقدمو الرعاية هؤلاء تحديات جسيمة إضافية خلال الأزمات البيئية والمناخية لمجموعة واسعة من الأسباب: فقد تقيّد المعايير والأعراف الثقافية حركتهم، كما أنهم يفتقرون إلى المعلومات اللازمة حول مهارات البقاء الأساسية، إلى جانب معاناتهم من محدودية الموارد المالية لدرجة أن يقترب التعافي من آثار الأزمات المناخية من كونه مستحيلًا.
ويمتد تأثير الفروقات بين الجنسين إلى ما هو أبعد من العجز عن الحركة الجسدية، فثمة أدلة دامغة على أثر تغير المناخ في تفشي الأمراض والأوبئة، ما يضع أعباء إضافية على مقدمي الرعاية. خلال جائحة كوفيد-19، على سبيل المثال، كانت النساء في الخطوط الأمامية، سواء من حيث اضطلاعهن بأدوراهن الرسمية في مجال الصحة ورعاية الأطفال، أو في منازلهن، إذ يتولين إدارة رفاه الأطفال، وكبار السن، وذوي الإعاقة والمرضى. من جهة أخرى، يعرّض الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليات الرعاية صحتهم لخطر ملموس وغالبًا ما يضحون بحصولهم على فرص اقتصادية كالعمل مدفوع الأجر.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الدور الحاسم الذي يلعبه مقدمو الرعاية أثناء الأزمات، إلا أن تضمينهم في عمليات صنع القرار رفيعة المستوى التي تؤثر على التخطيط للطوارئ هو أمر نادر -كتلك التي تشملها قمة مجموعة العشرين، ويعني غياب مقدمي الرعاية عن مثل هذه العمليات أن تتجاهل السياسات التحديات التي يواجهونها في معظم الأحيان، ما يؤدي إلى إدامة نقاط ضعفهم واستبعادهم. ولمعالجة هذه المشكلة، نقترح في هذا السياق 6 مسارات رئيسية طُرحت في موجز سياسات مجموعة T20 البرازيلية المنشور حديثًا:
- إعادة توزيع مسؤوليات الرعاية على نحو عادل داخل المجتمعات المحلية، ما يقلل العبء الواقع على عاتق النساء. ويمكن تحقيق ذلك من خلال سياسات الإجازات الوالدية العادلة، والاستثمار في المراكز العامة لرعاية الأطفال، وتوفير الموارد لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن، الأمر الذي يسمح بتقديم دعم أفضل للفئات الأكثر ضعفًا وتأثرًا إضافة إلى تعزيز التماسك الاجتماعي.
- إنشاء حماية اجتماعية تستجيب للصدمات. فغالبًا ما تتجاهل أنظمة الحماية الاجتماعية الحالية ضعف المرأة المتزايد أثناء الأزمات الناتج عن مسؤولياتها في تقديم الرعاية. خلال حالات الكوارث، كثيرًا ما لا تتمكن مقدمات الرعاية الأولية من إخلاء أماكن سكنهن بسرعة بسبب وجود أشخاص آخرين تتولى رعايتهم. ولذا، في مقدور نظام الحماية الاجتماعية المستجيب للصدمات أن يشمل مساعدات مالية سريعة كتقديم المساعدة النقدية لضمان حصول الأشخاص الذين يتحملون مسؤوليات الرعاية على الوسائل اللازمة لتلبية احتياجاتهم.
- رسم خريطة للمخاطر الحساسة للرعاية للكشف عن نقاط الضعف المخفية فيها. يتعامل مقدمو الرعاية مع الضعف الشديد الذي يعاني منه أولئك الذين يعتنون بهم –أي ذلك الضعف الخفي المُهمل غالبًا أثناء التخطيط للطوارئ، وقد يتضمن رسم خرائط المخاطر الحساسة للرعاية تحديد نقاط الضعف الخفية في المجتمع، وإبقاء الجميع على اطلاع على معلومات الاستعداد والاستجابة للأزمات بمزيد من الفعالية. في العديد من خطط الطوارئ، غالبًا ما يتم تجاهل مقدمي الرعاية وذلك بافتراض تمتعهم بصحة جيدة إضافة إلى قدرتهم على التنقل. ومع ذلك، فقد يكتشفون أن الإخلاء السريع هو أمر مستحيل بالنسبة لهم. يمكن أن يؤدي رسم خرائط المخاطر الحساسة للرعاية إلى إنشاء خطط إخلاء معينة تناسب احتياجات مقدمي الرعاية، وتأمين الموارد وأنظمة الدعم لهم.
- جلب أصوات مقدمي الرعاية إلى إدارة الأزمات. لا غنى عن الأصوات التقليدية لمقدمي الرعاية، فهي من يقدم المعرفة والرؤى الحيوية حول تسهيل المساعدات للفئات الأكثر ضعفًا وتأثرًا في أوقات الأزمات. لكن التصورات السلبية المستمرة لقدرات المرأة على اتخاذ القرار، إلى جانب الوقت المحدود الذي تقضيه بعيدًا عن مسؤوليات تقديم الرعاية، تعيق تأثير مقدمات الرعاية في تطوير خطط الطوارئ وسياساتها. لذا، نوصي الحكومات المحلية بإنشاء مجالس استشارية تضم مقدمي الرعاية بين أفرادها ممن يقومون بإرشاد استراتيجيات الاستجابة للكوارث مباشرة وإبقائها على اطلاع.
- مشاركة المعرفة الفاعلة. وينبغي أن تركز الجهود الرامية إلى معالجة الفوارق بين الجنسين في الوصول إلى الخدمات المالية والتكنولوجيا على توفير المعلومات في الوقت المناسب، وخاصة لمقدمي الرعاية من النساء، وذلك لدعم اتخاذ القرارات المستنيرة والجاهزية. ومن الضروري كذلك تطوير دورات تدريبية شاملة حول الإسعافات الأولية، وسلامة المياه، وإجراءات إخلاء العاملين في مجال الاستجابة وقادة المجتمع والنساء في المناطق المتضررة. وهذا من شأنه أن يمكّن القيادات النسائية المحلية من تنسيق جهود الرعاية والتأكد من استعداد المجتمع بأكمله على نحو أفضل.
- دمج مسؤوليات الرعاية التي يضطلع بها الجنسان بوصفها قضايا شاملة في التعاون الدولي. يتيح النظر إلى مسؤوليات الرعاية القائمة على الفروقات بين الجنسين باعتبارها قضايا شاملة في وضع برامج التعاون الدولي والاستجابة للأزمات المتعلقة بالمناخ فهمًا أفضل لمخاطر الكوارث وإدارتها.
تكلف المستويات العالية من التعرض للكوارث دول مجموعة العشرين خسارة سنوية يقدر متوسط مجموعها بنحو 218 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي يؤدي إلى انتكاس مكاسب التنمية. وما لم تبدأ قيادات مجموعة العشرين في الاعتراف بالدور الحاسم لمقدمي الرعاية في بناء المرونة ونقاط الضعف الفريدة لديهم، والاستماع إلى تلك المجموعات غير القادرة أو غير المدعوة للانضمام إلى القمة والمساهمة في النقاشات الدائرة فيها، فإن سياسات مجموعة العشرين ستواصل ترك الأشخاص المهتمين والأشخاص موضع الاهتمام والرعاية في حالة تخلف عن الركب وهم من يستحق الأفضل.
This article was originally published on SEI website on the 13th of November 2024.
تم نشر هذه المقالة باللغة الإنجليزية في موقع الويب لـ SEI في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2024
* لورا ديل دوكا، زميلة سياسات في معهد ستوكهولم للبيئة (SEI) وجزء من مبادرة SEI العالمية بشأن المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية والفقر. تركز أبحاث لورا على الفروقات بين الجنسين والسلطة في حالات الطوارئ وإدارة الأزمات.
إليونورا بانفي، مديرة وحدة النهضة لدراسات المرأة في منظمة النهضة العربية (أرض)، ويتمحور عملها حول محلية أجندة الفروقات بين الجنسين، ودراسات الأمن والسلام.
* منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، “إنهاء التمييز على أساس الجنس في بلدان مجموعة العشرين: إطار للعمل”، 42-290.
** جيرمانواتش، “مؤشر مخاطر المناخ العالمي 2021،” 37-42. المزيد من البيانات الحديثة غير متاحة بعد.