بقلم جورجيو سيريتو
يُحتفى باليوم العالمي للمياه في الثاني والعشرين من آذار/مارس كل عام، وهو مناسبة سنوية من مناسبات الأمم المتحدة تهدف إلى الاحتفاء بالمياه وتشجيع اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لأزمة المياه العالمية، في ظل واقعٍ يعيش فيه 2.2 مليار شخص حول العالم دون الوصول إلى مياه الشرب المُدارة بأمان[1]. وتنعكس آثار هذه الأزمة بوضوح في الأردن، إذ يواجه البلد أزمة مياه حادة تتفاقم بفعل التغير المناخي، والتوترات الجيوسياسية، وتهالك البنى التحتية للمياه.[2]
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على العوامل الرئيسية التي أدّت إلى الأزمة المائية التي يشهدها الأردن اليوم. ومن خلال ذلك، يسعى إلى إبراز مدى تأثّر الأسر ذات الدخل المحدود واللاجئين، خصوصًا أولئك القاطنين في المخيمات والمناطق الحضرية المحيطة بالمدن، على نحو غير متناسب بانعدام الأمن المائي. وأخيرًا، يسعى المقال إلى لفت الانتباه إلى تغييرات هيكلية، وسياسية واجتماعية، ضرورية لتحقيق أمن المياه في الأردن.
أمن المياه في الأردن
يواجه الأردن اليوم أزمة مائية حادة، ووفقًا لوزارة المياه والري، كان الأردن في عام 2021 أحد أكثر بلدان العالم فقرًا في المياه العذبة المتجددة، إذ لم يتجاوز نصيب الفرد منها 61 مترًا مكعبًا سنويًا. في المقابل، يعد ما حجمه 500 متر مكعب للفرد سنويًا حدًّا أدنى للندرة المائية المطلقة وفق المعايير الدولية.[3]
تجدر الإشارة إلى أنّ شُحّ المياه في الأردن هو نتيجةٌ مباشرةٌ عن مجموعةٍ من العوامل المختلفة. أولاً، عجّل انخفاض معدل هطول الأمطار في السنوات الأخيرة بنسبة 20% بتراجع مستويات الأحواض الجوفية والسدود، وهما مصدران رئيسيان للمياه في البلاد. وبالتزامن مع ذلك، يتناقص منسوب مياه نهري الأردن واليرموك إلى حد ملحوظ؛ وذلك جراء ارتفاع درجات الحرارة وتحويل مجاريهما ومنابعهما من قِبل دولة الاحتلال الإسرائيلي وسوريا[4]. علاوة على ذلك، يُعاني النظام المائي الأردني من الإرهاق بسبب المستوى المرتفع من المياه غير المُحصَّلة ماليًا الذي يُقدَّر بنحو 52%، والذي ينتج عن التسرب المائي من الشبكات، والوصلات غير القانونية وعدادات المياه المتضررة.[5]
الوصول إلى المياه والصرف الصحي للاجئين خارج مخيم المفرق
لأزمة المياه الراهنة في الأردن آثارها المقلقة الاجتماعية، والاقتصادية والصحية في أوساط اللاجئين المقيمين خارج المخيمات. ففي مدينة المفرق، التي تحتل المركز الثاني من حيث استضافة اللاجئين السوريين الذين يعيشون خارج المخيمات في الأردن، يواجه هؤلاء صعوبات كبيرة في الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH)[6]. ذلك أنّ الآلاف من اللاجئين الذين يعيشون في المفرق منذ بداية الحرب في سوريا يقيمون في ضواحي المدينة ومناطقها الحضرية المحيطة، حيث لا تصلهم شبكات المياه التي توفرها السلطات البلدية للمنازل الواقعة ضمن حدود المدينة. إضافةً إلى ذلك، غالبًا ما يقطن اللاجئون في مساكن عشوائية بُنيت من قِبل مقاولين من القطاع الخاص ممن يلتزمون بأدنى معايير بناء المساكن دون اكتراثٍ بحق الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.[7]
وإلى جانب أمن نظافة اللاجئين وصحتهم، فإن عدم الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي يلقي بأعباء اقتصادية جسيمة عليهم، إذ يضطر اللاجئون إلى شراء مياه الشرب المعبأة من البائعين، وشراء المياه المستخدمة لأغراض منزلية من صهاريج خاصة؛ والتي يدفعون لها عادةً ما قدره 5 دنانير أردنية (قرابة 7 دولارات أمريكية) مقابل ضخ متر مكعب واحد فقط من الماء في خزانات المنازل. وفيما يتعلّق بالصرف الصحي، تعتمد معظم الأسر على الحفر الامتصاصية الواجب سحبها وتفريغها باستمرار، والتي عادة ما تكون كلفتها نحو 60 دينارًا أردنيًا (85 دولارًا أمريكيًا) كل ستة أشهر.[8]
أمن المياه والصرف الصحي في مخيم الأزرق
كثيرًا ما يجري توفير أمن المياه والصرف الصحي في المخيمات، كما يتبين من حالة مخيم الأزرق للاجئين والذي أُنشئ في العام 2014. يستضيف المخيم حاليًا نحو 41 ألف لاجئ سوري، وقد جُهّز بشبكة إمداد المياه منذ أيار/مايو 2017 ما أسهم في تحسين مستوى معيشة اللاجئين، كما تؤكد أسماء، وهي لاجئة سورية، بقولها:
“كانت الحياة هنا صعبة في السنوات الأولى، إذ لم توجد أسواق، أو كهرباء، أو مطابخ أو دورات مياه في المساكن. وكان على جميع اللاجئين استخدام مرافق صحية مشتركة. أما الآن فنحظى بالكهرباء ولدينا مطبخ، كما بنينا حمّامًا خاصًا بنا[9]“.
في الواقع، توفر هذه الشبكة 65-68 لترًا من الماء للفرد يوميًا خلال فصل الصيف، وأكثر من 45 لترًا في الشتاء، وهي كمية تفوق الحد الأدنى المتفق عليه البالغ 35 لترًا للفرد يوميًا. إضافةً إلى ذلك، جُهّز المخيم في البداية بمرافق صحية للاستحمام وقضاء الحاجة لتتقاسمها ثلاث أسر في العادة، مع اتصالها بشبكات المياه والمياه الرمادية.[10]
ومع ذلك، شهدت الأعوام الأخيرة تراجعًا تدريجيًا في استقرار وصول المياه وتكافئه[11]. فضعف ضغط المياه، وأعمال التخريب المتعمدة في البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، وازدياد الاستهلاك المائي نتيجة الوصلات غير المقننة وقيام اللاجئين بإنشاء دورات مياه خاصة بجهود ذاتية، كلّها عوامل أدت إلى تراجع مستوى خدمات المياه في المخيم. وفقًا لصحيفة “ذا ووتر دبلومايت” (The Water Diplomat)، يقوّض نقص التمويل المخصص لقطاع المياه والصرف الصحي استمرارية الخدمات المقدمة حتى الآن وفعاليتها كذلك. وفي الواقع، أدّى نقص مواد التنظيف، والمياه وأدوات الصيانة إلى تدني المعايير الصحية، لا سيما في المرافق الصحية المشتركة.[12]
التوصيات
إن ضمان الوصول الآمن والمستمر إلى خدمات المياه والصرف الصحي حقٌ أساسي من حقوق الإنسان، وهو حق ما يزال غير مكفولٍ لجميع اللاجئين والأسر ذات الدخل المحدود في الأردن. وتُمثّل هذه الأزمة المستمرة تهديداتٍ جسيمة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي وعلى الصحة العامة، ويمكن معالجتها عبر استراتيجياتٍ مشتركة ونهجٍ شاملٍ يتضمن:
- توسيع البنية التحتية: ربط جميع التجمعات السكنية غير الرسمية خارج الحدود البلدية بشبكات المياه والصرف الصحي لضمان شمول جميع السكان من حيث الوصول إليها.
- تقليل الفاقد المائي: على شركات المياه والسلطات المحلية اتخاذ إجراءات عاجلة لتحديث البنى التحتية الحالية للمياه، وتقليل مستويات المياه غير المُحصَّلة ماليًا (NRW).
- دعم السياسات الوطنية: تُعبر الاستراتيجية الوطنية للمياه (2023-2040) في الأردن عن اهتمام الحكومة بالسياسات المائية المستدامة واستثمارها فيها، وتؤكد دورها الحيوي في تحقيق أمن المياه، والوصول العادل إلى خدمات المياه والصرف الصحي لجميع الناس. ويتطلب تحقيق هذه الجهود تنفيذًا صحيحًا وتوعيةً بكيفية استخدام المياه.
-
[1] الأمم المتحدة. (بدون تاريخ). اليوم العالمي للمياه -خلفية. الأمم المتحدة https://www.un.org/en/observances/water-day/background
[2] اليونيسف الأردن. (بدون تاريخ). المياه والصرف الصحي والنظافة https://www.unicef.org/jordan/water-sanitation-and-hygiene
[3] الاستراتيجية الوطنية للمياه 2023-2040. (بدون تاريخ-أ). https://www.mwi.gov.jo/EBV4.0/Root_Storage/AR/EB_Ticker/National_Water_Strategy_2023-2040_Summary-English_-ver2.pdf
[4] الأمن المائي في الأردن وآفاقه المستقبلية. مركز ستراتيجيكس للدراسات – الأمن المائي في الأردن وآفاقه المستقبلية. (2022، 19 كانون الأول/يناير) https://strategiecs.com/en/analyses/water-security-in-jordan-and-its-future-horizons
[5] المياه والصرف الصحي والنظافة. اليونيسف الأردن. (بدون تاريخ) https://www.unicef.org/jordan/water-sanitation-and-hygiene
[6] غارفياس رويو، م.، بارِك، هـ.، كامبوس، ل.، تالوزي، س.، وبارِك، ب. (10 أكتوبر 2024). نمذجة سيناريوهات إمدادات المياه وتقنيات الصرف الصحي في الأردن Nature News. https://www.nature.com/articles/s41545-024-00398-3
[7] الحدادين، ر. (28 أيلول/سبتمبر 2023). ما وراء حدود المدينة: الوصول إلى المياه والصرف الصحي للاجئين في المفرق. المعهد الدولي للبيئة والتنمية https://www.iied.org/beyond-citys-borders-water-sanitation-access-for-refugees-mafraq
[7] الحدادين، ر. (28 أيلول/سبتمبر 2023). ما وراء حدود المدينة: الوصول إلى المياه والصرف الصحي للاجئين في المفرق. المعهد الدولي للبيئة والتنمية https://www.iied.org/beyond-citys-borders-water-sanitation-access-for-refugees-mafraq
[9] ذا ووتر دبلومايت. (26 أيلول/سبتمبر 2024). الذكرى العاشرة لمخيم الأزرق للاجئين في الأردن. https://www.waterdiplomat.org/story/2024/09/10-year-anniversary-azraq-refugee-camp-jordan
[10] استراتيجية للتغيير الاجتماعي والسلوكي لسلوكيات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH) في مخيم الأزرق – الأردن. رليفويب. (1 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) https://reliefweb.int/report/jordan/social-and-behavior-change-strategy-water-sanitation-and-hygiene-wash-behaviors-azraq-camp-jordan
[11] استراتيجية للتغيير الاجتماعي والسلوكي لسلوكيات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH) في مخيم الأزرق – الأردن. رليف ويب. (1 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) https://reliefweb.int/report/jordan/social-and-behavior-change-strategy-water-sanitation-and-hygiene-wash-behaviors-azraq-camp-jordan
[12] ذا ووتر دبلومايت. (26 أيلول/سبتمبر 2024). الذكرى العاشرة لمخيم الأزرق للاجئين في الأردن https://www.waterdiplomat.org/story/2024/09/10-year-anniversary-azraq-refugee-camp-jordan