في الوقت الذي تستمر فيه محاولات إدماج المرأة والشباب في المجالس البرلمانية في المنطقة العربية ككل، وتفعيل أوسع لدورهما في المجالات السياسية والاقتصادية والمدنية، لم تسجل لغاية اللحظة تغيرات ملحوظة من ناحية توسيع مشاركتهما في مواقع صنع القرار السياسي، رغم ارتفاع نسبة حضور المرأة العربية في البرلمان لـ18%، منذ تبني 11 دولة من أصل 22 دولة من الأعضاء في جامعة الدول العربية نظام الكوتا النسائية عام 2000.
وفي الأردن خاصة، تظهر الأعداد ونسبها المعلنة عن طريق الهيئة المستقلة للانتخاب في القوائم المحلية والعامة الأولية زيادة في أعداد المترشحين لانتخابات البرلمان العشرين في الأردن، والتي من المقرر أن تكون في يوم 10 أيلول/ سبتمبر 2024، وسط دعوات مستمرة نحو ضرورة التوسع في التحفيز السياسي للمرأة والشباب في الانتخابات، ورفع الوعي بأهمية مشاركتهم كأولوية لتحقيق العدالة الاجتماعية، فضلاً عن التأكيد على أهمية الحركة النسائية ودورها في تعزيز وصول المرأة الكفؤة الجديرة إلى البرلمان.
حيث خصص قانون الانتخاب الأردني 18 مقعداً للمرأة على نظام الكوتا، فضلاً عن إلزام الأحزاب تخصيص مقعدين على الأقل للمرأة من ضمن المقاعد الستة الأولى في قوائمها. هذا التغير الكبير في المشهد الانتخابي لهذه الدورة، جاء استجابة للتوجه الملكي في إحداث نقلة نوعية في حياة الأردنيين السياسية، والاهتمام بالمرأة والشباب، وهو ما ترجمته اللجنة بتعزيز حضورهما في المشهد البرلماني والحزبي.
وعلى صعيد مشاركة الشباب في الانتخابات، قدم القانون الجديد ما يمكن اعتبارها حوافز تشريعية لحث الشباب على المشاركة ليس فقط بصفة ناخبين وإنما بصفة مترشحين أيضاً، حيث خفض القانون سن الترشح إلى 25 سنة بدلا ًعن 35، وضمان حق الانتساب للأحزاب وتولي مواقع قيادية فيها دونما خوف من المسائلة، وذلك وفقاً للمادة الرابعة من القانون حيث يمنع “مساءلة أي شخص بسبب انتمائه الحزبي”.
للشباب دور هام
“هناك دور كبير للشباب والمرأة في المشاركة في الانتخابات المقبلة من خلال التفاعل بشكل جيد مع برامج المرشحين، ما يتيح لهم دعم مرشحيهم بناءً على تطلعاتهم وآرائهم.. وأتوقع أن تفرز الأحزاب نخب وطنية من النساء على وجه التحديد، لكن مطلوب من الحكومة -بأعتقادي- السعي نحو خلق فرص عمل لتخفيف البطالة ومعالجة الأزمات الاقتصادية في الأردن”.
بهذا القول عبر الشاب عبادة الوردات، أحد أعضاء مختبر سياسات المشاركة السياسية والمدنية الذي تنفذه منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ضمن إطار مشروع جيل جديد، وبالشراكة مع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، عن رؤيته لواقع الانتخابات الحالية، مبدياً رغبته في المشاركة بالانتخاب، لكنه في ذات الوقت يدور بين “فكرة مؤمن وغير مؤمن لما سوف تفرزه الانتخابات من نخب سياسية!”.
ويسعى المختبر لتعزيز مفاهيم المشاركة المدنية والسياسية لدى طلبة كليات العلوم السياسية والحقوق في الجامعة الأردنية، وإكسابهم خبرة عملية تساعد في توسيع آفاق أعمالهم بالمستقبل، وتعريفهم بالخبراء والمؤسسات المتخصصة في هذا المجال، وأيضاً لمساعدتهم بإيصال أصواتهم لرسم السياسات والتواصل الإيجابي الفعال مع صانعي القرار.
بدورها، رأت الشابة أبرار العبيوني، والتي ستشارك في العملية الانتخابية كمراقبة مع جهة مختصة، أن للمرأة دور مهم في المشاركة بالانتخابات من خلال تخطي الظروف والعوائق الاقتصادية والمجتمعية، وتبني الدور الإيجابي والفعال لمن حولها”، وأضافت “كوني أعمل حالياً على دراسة بتخص الانتخابات والأحزاب، الملاحظ أن هناك زيادة بتمثيل الشباب في القوائم العامة، ولكن أتمنى أن لا تكون زيادة شكلية فقط بسبب القانون، وأن يكون وجودهم يكون وجود فعلي وحقيقي”.
فيما يذهب شاب آخر (فضل عدم ذكر اسمه)، بالقول: “بشكل عام، هناك عقبات ثقافية، واقتصادية، وسياسية تحول دون التمكين الكامل للشباب، وهي قد تشمل نقص الدعم الحزبي، ضعف التمكين الاقتصادي، وضغوط مجتمعية تعيق دخولهم الحياة السياسية”.
من ناحيتها، تلاحظ الشابة رنا الزاغة، أن هناك تقدم في وعي ومعرفة الشباب بأهمية الانخراط في الأحزاب السياسية، حيث لم يعد هنالك تخوف من المشاركة؛ لأن القانون ضمن للشباب “الحرية” ضمن إطار القانون وعدم التعرض لأي عضو من أعضاء الأحزاب سواء في الجامعات أو غيرها.
الحراك النسائي.. دعوات لرص الصفوف
في هذا الإطار، طرحت عضوات شبكة نساء النهضة، إحدى شبكات منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، في حوارها الشهري (نقش)، مواضيع وآراء متباينة بشأن إيجاد آليات فاعلة تسهم بمشاركة نسائية فاعلة في المجتمع، ودعم المرأة المؤهلة للوصول إلى البرلمان، والاستمرار بالعمل على القضايا الشائكة المتعلقة بالمرأة على الصعيدين الوطني والإقليمي.
وحول دور الحركة النسائية في تعزيز وصول المرأة الجديرة بالثقة والمسؤولية إلى مجلس النواب، شددن العضوات على ضرورة استعداد النساء في الأردن لخوض هذه التجربة كناخبات وكمرشحات؛ لأنهن شريكات في العملية السياسية في الوطن، ولأنها استحقاقات المواطنة الفاعلة، ولكون هذه الشراكة تحملهم مسؤولية على عاتقهن ينظرن إليها عند المطالبة بحقوقهن من الدولة بشكل عام ومن مجلس الأمة بشكل خاص.
وأشرن إلى دور اللجنة الوطنية لشؤون المرأة بتنفيذ برنامج تدريبي للمرشحات يشمل تدريب ٣٠٠ سيدة تم اختيارهن وفق معايير ركزت على اختيار متدربات ممن يملكن الخبرة في العمل العام ولديهن رصيد كفيل بتقديمهن والحد الأدنى من الثقافة السياسية، موضحات أن المنظمات النسائية يقع عليها دور كبير بمتابعة العمل على بناء قدرات النساء وصقل مهاراتهن القيادية لتطوير أدائهن قبل وبعد الانتخابات.
وأكدن على أهمية “رص الصفوف النسائية وزيادة التوعية والتمكين لكل مواطنة تمارس حقها الدستوري وعليه؛ يقع على عاتقنا كمؤسسات مجتمع مدني تعمل مع المرأة لخلق جو من الحماس الفكري لخوض هذه التجربة وتدريب النساء على أهمية المشاركة، واستثمار زيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء إلى ١٨ بدلاً من ١٥”.
وبالنسبة للمشاركة في الأحزاب، “يمكن للمنظمات النسائية الإسهام بخلق منهجية تسعى الى تمكين النساء السياسيات بشكل عام والحزبيات بشكل خاص والسعي نحو تأطير العمل النسوي و الحزبي حيث توفر الأحزاب مسارات حاسمة للمشاركة السياسية وإشراك المواطنين في العمليات الديمقراطية”.
وبما يتعلق بالنساء الراغبات للترشح من ذوي الإعاقة، تلفت إحدى العضوات إلى “حاجتهن إلى الدعم والتمكين لخوض العملية الانتخابية، فالمحددات من مشاركة النساء ذوات الإعاقة تحديداً في الانتخابات سواء كان بالاقتراع أو الترشح يعود إلى عدة محاور منها: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية وغيرها”. ورأت أن الظرف السياسي المحيط والذي يعتقد البعض أنه ليس مناسباً، ربما غير صحيح، بل هي مرحلة انتقالية في حياة النساء تحديداً وذوات الإعاقة بشكل خاص.. لن يقرر عنا كنساء أحدٌ عن أمرٍ يخصنا، أي قرار يؤخذ إذا لم نكن جزء منه لا أعتقد أن المركب يسير بالشكل الصحيح”، على حد تعبيرها.
مرحلة قادمة تسعى لتمثيل أوسع وأكثر فعالية في البرلمان
في ضوء التصورات والقناعات الجديدة للدولة الأردنية، فإن المرحلة المقبلة ستشهد تطوراً لمشاركة الشباب والمرأة في البيئتين السياسية والتشريعية والعمل الحزبي، حيث يتمثل الهدف الوطني بتطوير المنظومة الحزبية والانتخابية، عبر وجود أحزاب برامجية قوية ومؤثرة ذات توجهات وطنية قادرة على المشاركة الفاعلة والوصول إلى البرلمان والمشاركة في الحكومات، وهو ما يتطلب إلى تشارك واسع بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والجامعات، وغيرها.
ختاماً؛ قد تبشر عملية التحول السياسي هذه، بالعمل على تهيئة مناخات ومساحات أرحب للمشاركة المدنية والسياسية أمام الشباب والنساء. مع استمرار الجهود الهادفة لرفع الوعي بأهمية المشاركة السياسية والمدنية المبنية على ثقافة رصينة بكافة العوامل الأساسية مثل انتاج المعرفة والإلمام بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية، والاستثمار برأس المال البشري، خصوصاً إذا توفرت بيئة تشريعية ملائمة، هدفها الإصلاح الإداري والاقتصادي والسياسي، وتلبي طموحات الشعب والفعاليات الحزبية والمجتمع المدني، وتضمن، بالتالي، العبور لمرحلة جديدة قادمة أساسها مشاركة المرأة والشباب في صنع القرار.