الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

ماذا بعد اجتماع أمناء الفصائل الفلسطينية في العلمين؟، بقلم د. حسن نافعة، المفكر المصري وعضو مجلس الأمناء

انعقد في مدينة العلمين المصرية، يوم الأحد الماضي (30/7/2023)، اجتماع على مستوى الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، في محاولة جديدة للم الشمل والاتفاق على استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. ولأن هذا الاجتماع هو الأول من نوعه على هذا المستوى منذ حوالي ثلاث سنوات، فقد تصور البعض أن الوضع قد يكون مختلفًا هذه المرة وأن اجتماع اليوم قد لا يصبح نسخة مكررة من اجتماعات كثيرة عقدت لنفس الغرض دون أن تتمكن من الوصول إلى أية نتائج إيجابية ملموسة. ساعد على ترسيخ هذا الشعور وجود حكومة إسرائيلية هي الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، وإقدامها على ارتكاب مجازر رهيبة ضد الشعب الفلسطيني خلال الأسابيع القليلة الماضية، ليس في قطاع غزة فحسب وإنما أيضًا في أماكن متعددة من الضفة الغربية، ما سبب حرجًا بالغًا للسلطة الفلسطينية التي شعرت أنها باتت مهمشة ومنعزلة تمامًا عن نبض الشارع الفلسطيني، بل وعاجزة عن القيام بأي دور لحماية الشعب الفلسطيني الذي تدعي تمثيله، ومن هنا اعتقاد البعض أنها ربما تكون قد باتت مستعدة للقيام بكل ما هو ضروري لتسهيل الجهود الرامية لتحقيق مصالحة وطنية شاملة. غير أن ما جرى داخل اجتماع العلمين أحبط كل هذه التوقعات، بل وأعاد التأكيد من جديد على أن الهامش المتاح أمام السلطة الفلسطينية لاتخاذ مواقف مستقلة أصبح محدودًا للغاية وأن القوى الفلسطينية ما تزال تغلب مصالحها الفصائلية على المصالح الوطنية الفلسطينية. ويكفي أن نقارن بين الخطاب الذي ألقاه محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في الجلسة الافتتاحية، والخطاب الذي ألقاه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لنصل إلى نتيجة مفادها أن طريق المصالحة الفلسطينية مغلق وما زال يدور في حلقة مفرغة.

 

ففي خطابه الافتتاحي، أشار عباس إلى مجموعة من النقاط الأساسية التي تعكس موقف السلطة الفلسطينية من عدد من القضايا الجوهرية التي ما زال الجدل محتدمًا حولها، فهو يرى:

  • أولًا: إن منظمة التحرير الفلسطينية كانت وما تزال وستظل هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والقائد الحقيقي لنضاله، ومن ثم “يجب الاعتراف بها وببرنامجها السياسي وبجميع التزاماتها الدولية”. لذا راح يعدد ما حققته من إنجازات أدت إلى اعتراف العالم أجمع بها وبحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، مؤكدًا أن هناك أكثر من 140 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية التي أصبحت الآن عضوا مراقبًا في الأمم المتحدة، وعضوًا كامل العضوية في أكثر من 130 معاهدة ومنظمة دولية. وبعد التذكير بأن النضال الفلسطيني “يستهدف إنهاء الاحتلال وتجسيد دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967″، أشار إلى أن هذا النضال سيتواصل إلى أن يتم “نيل العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وتحقيق عودة اللاجئين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية”، وأن التحرك السياسي والدبلوماسي والقانوني الذي تقوم به المنظمة سيتواصل إلى أن تنجح في “محاصرة دولة الاحتلال، وفرض العقوبات عليها وتجميد أو إلغاء عضويتها في الأمم المتحدة.”
  • ثانيًا: إن الانقلاب الذي وقع عام 2007 هو المسؤول عن الانقسام البغيض الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني حاليًّا، بل وتسبب في “نكبة جديدة أصابت شعبنا وقضيتنا، ومن ثم يجب إنهاؤه فورًا وبلا أي تردد أو تأخير”، ومن هنا حرصه على التذكير بأن الهدف الرئيسي من الدعوة التي وجهها لعقد اجتماع العلمين هو “تدارس سبل إنجاز وحدتنا الوطنية، وتعزيز صمود شعبنا، وصد العدوان المتواصل علينا وحماية وطننا وشعبنا ومقدساتنا، وتحقيق الوحدة وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني”، لكنه سرعان ما تدارك موضحًا أن الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني يجب أن يقوما على مبادئ وأسس واضحة، في مقدمتها “الالتزام بالشرعية الدولية، وممارسة المقاومة الشعبية السلمية باعتبارها الأسلوب الأمثل لمواصلة نضالنا وتحقيق أهدافنا الوطنية في هذه المرحلة”، بل راح يستطرد قائلًا: “إن اختيارنا لهذا الأسلوب من الكفاح الوطني ليس اختيارًا عشوائيًّا، بل هو خيار مدروس يستند إلى معطيات وتجارب تاريخية”.
  • ثالثًا: إن الانتخابات “هي الوسيلة الوحيدة لتداول المسؤولية والمشاركة الوطنية”، وأن السلطة الفلسطينية ترغب حقًا في إجرائها على مختلف المستويات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، لكنه يشترط لإجرائها “ضمان أن يتمكن أهلنا في القدس الشرقية المحتلة من المشاركة فيها انتخابًا وترشحًا دون أية معوقات أو عراقيل، كما حصل في الأعوام 1996، 2005، 2006″، ما يعني رفضه الكامل تحمل أي مسؤولية عن تعطيل الانتخابات وتأكيده على أن “دولة الاحتلال هي من يعطل إجراء هذه الانتخابات”.

 

أما إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، فقد دعا من ناحيته إلى “تبني خطة وطنية فاعلة تستجيب للتحديات ذات الطابع الوجودي الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية الحالية ببعديها المتعلق بالاحتلال أو المتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي”، معتبرًا أن هذه الخطة “يجب أن ترتكز على إنهاء مرحلة أوسلو، لأن شعبنا اليوم أصبح أمام مرحلة سياسية وميدانية جديدة هي مرحلة التحرير الوطني، وأن أي شراكة سياسية في هذه المرحلة يجب أن تبني على خيار المقاومة الشاملة، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ونضاله ضد جرائم الاحتلال والمستوطنين في الضفة والقدس، وإزالة كل العقبات التي تقف في طريق المقاومة وإلغاء كل الالتزامات التي تتناقض مع حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وإعادة بناء وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل مجلس وطني جديد يضم الجميع على أساس الانتخابات الديمقراطية الحرة، وتشكيل المؤسسات الفلسطينية في الضفة والقطاع على أساس الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وإنهاء كل أشكال التنسيق الأمني مع العدو، ووقف وتحريم كل أشكال الملاحقة والاعتقال على خلفية المقاومة أو الانتماء الفصائلي أو العمل السياسي”. وفي نهاية كلمته، لم ينس هنية أن يتقدم باقتراح إجرائي لضمان تطبيق الخطة الوطنية التي يقترحها، يتلخص في “الدعوة إلى لقاءات دورية بين الأمناء العامين، وتشكيل لجنة فصائلية تكون مهمتها متابعة نتائج هذا اللقاء ووضع الآليات لمواجهة التحديات وسياسة الحكومة الصهيونية الراهنة، وإحياء وإعادة تشكيل لجنة الحريات العامة وإنهاء ملف الاعتقال السياسي، ووضع برنامج وآليات إعادة بناء منظمة التحرير على أساس الانتخابات، وتشكيل قيادة مشتركة لمتابعة ومواجهة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي”.

 

يتضح من المقارنة بين الخطابين أننا أمام استراتيجيتين يقف كل منهما على طرفي نقيض. فعباس يرى أن الطريق الوحيد المفتوح أمام النضال الفلسطيني ما زال هو الطريق الذي رسمته أوسلو، بل ووضع شرطًا تعجيزيًا أغلق به ما يعتقد أنه الطريق الوحيد المفتوح أمام التغيير، ألا وهو طريق الانتخابات وحدها. أما هنية فيرى، على العكس أن المقاومة بكل أشكالها، بما فيها المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد الذي يمكن أن يفضي إلى تحرير الأرض المحتلة. لذا لم يكن غريبًا أن يخلو البيان الختامي من أية إشارة تفيد توصل الاجتماع إلى نتائج محددة، على الرغم من تعمد الجميع تجنب ذكر كلمة الفشل التي هي العنوان الصحيح لحقيقة ما جرى. ففي كلمته الختامية اعتبر عباس أن هذا الاجتماع مجرد “خطوة أولى ومهمة لاستكمال حوارنا الذي نرجو أن يحقق الأهداف المرجوة في أقرب وقت ممكن”، ودعا إلى “تشكيل لجنة تقوم باستكمال الحوار حول القضايا والملفات المتعلقة بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية”، وطالب هذه اللجنة بأن “تشرع في العمل فورًا لإنجاز مهمتها والعودة إلينا بما تصل إليه من اتفاقات أو توصيات”، وأعرب عن أمله في “أن يكون لنا لقاء آخر قريب على أرض الشقيقة جمهورية مصر العربية، لنعلن إلى شعبنا إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية”. وفي تقديري أن هذا الكلام لا يعني سوى شيء واحد وهو أن اجتماع العلمين فشل بدوره في تحقيق أي نتائج ملموسة على الأرض، وأن قضية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ما تزال مدرجة على جدول الأعمال الفلسطيني، وستظل كذلك لأجل غير مسمى.

 

أظن أن الجماهير العربية ملت هذا الفشل المتكرر والعجز التام عن التوصل إلى اتفاق يتيح للشعب الفلسطيني حماية التضحيات الهائلة التي يقدمها دفاعًا عن وجوده، ولم تعد مستعدة لقبول اللعبة التي يبدو أن مختلف الفصائل المختلفة استمرأتها من خلال السعي المستمر لإلقاء اللوم على الطرف الآخر، وبالتالي أصبحت تدرك جيدًا أن الكل مسؤول عن الفشل المتكرر بسبب تقديم مصالحه الفصائلية على مصالح الوطن والأمة. صحيح أن الجماهير العربية تدرك جيدًا أن تمسك السلطة الفلسطينية باتفاقية أوسلو وحرصها على مواصلة التعاون الأمني مع إسرائيل يشكل عقبة رئيسية تحول دون إتمام المصالحة الفلسطينية المرجوة، وهو تمسك غير مفهوم وغير مبرر بالنظر إلى أن إسرائيل داست على هذه الاتفاقية بالنعال ومزقتها شر ممزق، لكن ماذا عن الفصائل التي تحمل السلاح وترفع شعار المقاومة، لماذا لم تتمكن هي من توحيد صفوفها حتى الآن والاتفاق على استراتجية موحدة للنضال الفلسطيني وعلى قيادة مشتركة؟ أعتقد أن اتفاق فصائل المقاومة أولًا بات هو الطريق الوحيد المتاح لإجبار السلطة الفلسطينية على إعادة تقييم مواقفها والانخراط في حركة وطنية فلسطينية موحدة عمادها المقاومة بكل أشكالها السلمية والمسلحة.