في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أمر الجيش الإسرائيلي قرابة 1.1 مليون فلسطيني بإخلاء شمال قطاع غزة ومدينة غزة إلى جنوب القطاع، وقد شمل هذا الأمر المستشفيات كذلك، الأمر الذي أدى إلى نشوب حالة من الذعر والفوضى، إذ شعر الآلاف من الفلسطينيين النازحين داخليًا بحيرة شديدة حيال التصرف الصحيح وسط الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة المنهمرة وإجراءات العقاب الجماعي التي يتعرض لها السكان الغزيون. أشارت العديد من المنظمات الإنسانية إلى استحالة تنفيذ توجيهات الإخلاء، وطالبت حكومة الاحتلال الإسرائيلية بإلغائها والتراجع عنها، ودعت أيضًا إلى إنشاء ممر إنساني للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة. على مدار الـ 24 ساعة الماضية، نزح عشرات الآلاف من الأشخاص إلى مناطق جنوب القطاع، حيث استهدفتهم الغارات الجوية الإسرائيلية أثناء تنقلهم على الطرق التي صنفها الاحتلال آمنة للحركة، ما أدى إلى خسائر مأساوية في الأرواح لما يزيد على سبعين شخصًا.
تتفاقم هذه المعاناة عند معرفتنا لواقع أن غالبية سكان غزة هم من أبناء اللاجئين الذين عانوا من النكبة في عام 1948. والآن، يجد هؤلاء السكان نفسهم في وضع يضطرهم إلى مغادرة منازلهم وأرض أجدادهم، مع شكهم في إمكانية عودتهم يومًا ما. وبين خيار التهجير أو أن يكونوا عرضة للخطر، فهم بين خيارين أحلاهما مر. يذكرنا ما يتعرض له الغزيون اليوم بأشكال “التهجير” التي تعرض لها الفلسطينيون خلال نكبة عام 1948. ومع ذلك، وفي مواجهة هذه التحديات والمخاطر، تجسد دكتورة الجراحة نسرين الشرفا، والممرضة أصالة البطش اللتان تعملان في مستشفى العودة في غزة، روح صمود لا يزعزعها القصف الإسرائيلي المتواصل ولا التهديد المشؤوم باستهداف المستشفى، ففي ظل هذه الظروف، رفضت الاثنتان إخلاء موقعهما، بل اختارتا الثبات في مكانهما مع تفانيهما في إنقاذ أرواح الناس. وما هذا إلا مثال واحد على صمود المرأة الفلسطينية في حياتها اليومية، وثباتها على أرضها وحفاظها على ثقافتها، وتمرير شعلة المقاومة إلى الأجيال القادمة. إن لقصص هؤلاء النساء، سواء في مجال الرعاية الصحية أو في مناحي الحياة الأخرى، صداها مع تصميمهن على التغلب على ضغوط الاحتلال الإسرائيلي التي لا هوادة فيها، وإعادة بناء وجودهن والتأكيد عليه في مواجهة كل ما سبق.
في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنت حركة حماس هجومًا غير مسبوق من غزة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المحيطة بالقطاع المكتظ (أو ما يعرف بمنطقة غلاف غزة)، باستخدام آلاف الصواريخ ليخترق مقاتلوها الأسلاك التي تفصل غزة عن أراضي 1948. في هذه العملية، عبر المقاتلون الحدود التي تطوّق القطاع وتحاصره منذ عام 2007، وجاءت هذه العملية استجابة لسلسلة تاريخية طويلة من العنف الاستعماري ضد السكان الفلسطينيين، والتي تجلت في الآونة الأخيرة في سلسلة من الاستفزازات التي مارسها السياسيون والمستوطنون الإسرائيليون في المسجد الأقصى، أحد أقدس المواقع الإسلامية، وما حوله في مدينة القدس. أجج هذا السلوك الاستفزازي التوترات، إضافة إلى عقود سابقة من العنف والتمييز الذي يعاني منه الفلسطينيون على يد دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لا بد من فهم هذا التصعيد الأخير في إطار هيكلية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وإجراءاته العنيفة الممتدة، إذ توسع في فلسطين التاريخية خلال القرن الماضي بلا هوادة، فاتسمت حياة الفلسطينيين في مواقعهم المختلفة بالطرد، والتهجير، والسجن، والاحتلال، والإذلال اليومي وأشكال العنف المختلفة منذ ما يقرب من قرن من الزمان وفي عدة أماكن ومناطق، من القدس إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 1948، إلى مخيمات اللجوء و”الشتات” الفلسطيني في جميع أنحاء العالم. تعني”النكبة المستمرة”، كما يعرفها الفلسطينيون اليوم، صدمة مادية، ورمزية وعاطفية مستمرة ومتكررة للفلسطينيين، الذين صمدوا أمامها من خلال إعادة التأكيد المستمرة على حقهم في العيش والوجود على أرضهم.
شهدت عدة عقود من الزمن تراكم الأبعاد المتعددة والمعقدة التي تنطوي عليها القضية الفلسطينية، وهذه الأبعاد أكثر من أساسية لفهم النضال الفلسطيني الحالي من أجل الحرية. ويؤكد العنف الدائر طبيعة الصراع المركبة والمتجذرة تاريخيًا، ما يؤدي إلى تردد صدى ما يجري اليوم إلى ما هو أبعد من الأزمة الراهنة، سواء من حيث الأسباب التاريخية أو العواقب المترتبة عليها. وفي الوقت الذي يتم فيه تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية مع إسرائيل من خلال “الاتفاقيات الإبراهيمية” (التي روجت لها إدارة ترامب في عام 2020) في المنطقة العربية، تعمل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية على طمس القضية الفلسطينية وتهميشها لصالح إنشاء شرق أوسط جديد. ومع ذلك، فقد أظهر صمود الفلسطينيين الاستثنائي في الأيام القليلة الماضية وإرادتهم للتحرر والحياة مرة أخرى أنّ فلسطين حية، كما بين وبجلاء رفض الشعوب العربية التطبيع مع الاحتلال ووقوفها في صف الفلسطينيين.
يهدف هذا المقال إلى تقديم منظور جندري لدراسة الصراع المستمر في غزة، وتسليط الضوء على تجارب تبرز دور المرأة الفلسطينية في الصمود الجماعي، والطريقة التي يتسق بها ذلك مع قرار مجلس الأمن رقم 1325[1]حول المرأة والأمن والسلام.
ألحق رد الاحتلال الإسرائيلي على هجوم حماس الأخير خلال الأيام الثمانية الماضية عواقب وخيمة بسكان غزة، مع آثار أليمة طالت النساء والأطفال خاصة، وهم الفئة الأكثر ضعفًا وتأثرًا خلال أوقات الصراع العنيف. وقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا جراء العمليات الإسرائيلية المضادة في غزة حتى تاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2670 شهيدًا، بناء على إعلان وزارة الصحة في القطاع. وتشمل حصيلة القتلى 724 طفلًا و458 امرأة، فيما بلغ عدد المصابين نحو 9600 جريح. لقد تأثر قطاع غزة تأثرًا شديدًا بالقصف المتواصل من جانب الجيش الإسرائيلي الذي استهدف المباني السكنية، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد. هذا وأدى تشديد “الحصار” المفروض على غزة منذ ستة عشر عامًا إلى تفاقم ضعف جميع السكان من خلال قطع إمدادات الموارد الأساسية (أي الكهرباء، والمياه، والوقود، والغذاء، والمعدات الطبية والأدوية، وما إلى ذلك) ليؤدي هذا الوضع المزري أيضًا إلى حركة نزوح واسع النطاق، فاضطر العديد من السكان إلى ترك منازلهم بحثًا عن الأمان والمأوى. في هذه الظروف المضطربة، تواجه النساء والفتيات تحديات متعددة الأوجه، كما يواجهن عقبات في الحصول على الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية. يتطلب هذا الوضع حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لضمان سلامة النساء والفتيات في غزة وأمنهن.
تؤكد هذه الحرب الدائرة على الحاجة الملحّة إلى الاهتمام والعمل الدوليين حول أجندة المرأة والأمن والسلام وتنفيذها محليًا في فلسطين. كلما تعمقنا في تاريخ خطط العمل الوطنية وقرار مجلس الأمن 1325 في فلسطين وتطورهما، بات من الجلي أنّ مبادئ هذا القرار تنطوي على أهمية عميقة في خضم هذه الظروف الصعبة. ومع ذلك، قد تشكك المنظمات المحلية في تدخلات المجتمع الدولي التي تركز على الروابط بين تمكين المرأة وحل النزاعات، لا سيما تلك الموجودة في سياقات الاحتلال، كما هو الحال في فلسطين. ويعتبر العديد من النشطاء في الشرق الأوسط أنّ قرار مجلس الأمن رقم 1325 وأجندة المرأة والسلام والأمن الليبرالية السائدة لا يستجيبان لاحتياجات النساء الحقيقية تحت الاحتلال، كما أنهما ينبثقان عن “النسوية الاستعمارية”.
هذا وتبرز عدة جوانب حاسمة عند دراسة تاريخ خطة العمل الوطنية بشأن قرار مجلس الأمن 1325، وتطورها وتنفيذها في فلسطين. تنبع العقبات الرئيسية التي تعيق مدى فعالية هذه الخطة في نشاط السلام للمرأة الفلسطينية من التفسيرات السائدة، لا سيما الإسرائيلية والدولية، التي تعطي الأولوية للوصول إلى الاحتياجات والخدمات على حساب تغيير الوضع الراهن الذي يفتقر إلى التكافؤ بين الطرفين. من جهة أخرى، يطلب هذا المنظور الضيق إلى النساء الفلسطينيات المشاركة في مفاوضات السلام التي تستديم فيها السيطرة الإسرائيلية على فلسطين دون تحديها، وبذا فهو ينتزع قضايا العدالة الجندرية من سياقها وينزع عنها الصفة السياسية، ويهمل الطبيعة المتشابكة والمعقدة للتمييز الجندري والقمع السياسي والاقتصادي، وهو جانب حاسم لا يمكن إغفاله في حياة المرأة الفلسطينية. يحدث نضال النساء الفلسطينيات من أجل التمكين في سياق الاحتلال وسياسات الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي طويلة الأمد، والتي تخنق مجتمعهنّ سياسيًا واقتصاديًا. وحين يتم فصل تمكين المرأة عن هذا السياق الأوسع، إلى جانب استخدام لغة ملتبسة وضبابية، وإغفال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فإننا غالبًا ما نشهد فشل القرار في معالجة مخاوف الحياة الحقيقية للنساء والرجال على أرض الواقع واحتياجاتها. في ضوء ذلك، وإذا ما اعتبرنا أن المشاركة هي إحدى الركائز الأساسية للقرار 1325، إلى جانب الحماية والوقاية والإغاثة والتعافي، فيبدو من البين حينها مدى التناقض الذي تقع فيه مهمة القرار ذاتها غالبًا خلال تنفيذه. والواقع أنّ العديد من الفلسطينيين لا يعلقون أملًا كبيرًا على قرارات الأمم المتحدة، ويعطون الأولوية للقرارات التي تعترف بالحقوق الوطنية الفلسطينية أو تدين الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. مع ذلك، وفي حين أنّ القراءة النسوية الضيقة للقرار 1325 لا تقدم الكثير فيما يتعلق بحقوق المرأة الفلسطينية، لا ينبغي رفض القرار نفسه بالكامل، فعندما يتم تفسيره من منظور يقوم على الحقوق السياسية ويعترف بالأسباب الجذرية التاريخية والسياسية للصراع مع الترابط بين الحقوق الاجتماعية (الجندرية) والسياسية (الوطنية) مع السعي إلى معالجتها، تكون لديه القدرة على زيادة الوعي الدولي ودعم نضالات المرأة الفلسطينية من أجل تحقيق مستقبل عادل.
هذا وتعكس برامج العمل الوطنية في فلسطين للفترتين 2017-2019 و2020-2024 الجهود التعاونية في هذا الخصوص. ومع ذلك، ما يزال الشك في أهمية قرار مجلس الأمن رقم 1325 وإنفاذه يراود الناشطين الفلسطينيين، كما تثير الهجمات العسكرية المستمرة على غزة والانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان في الضفة الغربية والقدس الشرقية تساؤلات حول قدرة السلطة الفلسطينية على ضمان الحماية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1325، ما يعزز خيبة الأمل بين الفلسطينيين. في جوهرها، تكشف التحديات والشكوك المحيطة بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 في فلسطين عن ديناميات معقدة وعن الحاجة إلى نهج أكثر شمولًا يعالج الأبعاد السياسية والجندرية جنبًا إلى جنب.
ولفهم دور المرأة الفلسطينية في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي ضوء الحرب المستمرة، يغدو من المهم بمكان أن نلقي نظرة على تاريخ الحركة النسائية في فلسطين.
تميل الروايات المحيطة بهذا النضال طويل الأمد إلى تبسيط التجارب والمساهمات المتنوعة للمرأة الفلسطينية أو إغفالها، ما يحد من فهمنا لدورها الحيوي في المقاومة وبناء المجتمع. على سبيل المثال، يختزل التمثيل المحدود للمرأة الفلسطينية في الأدب والإعلام الغربي أحيانًا في رسوم كاريكاتورية تفصلها عن إنسانيتها المعقدة وتحاصرها في هيكلية أو نظم سلطوية تفتقر فيه هذه المرأة إلى أي إرادة. وفي ذات الصدد تعاني أصوات وقصص النساء الفلسطينيات من التهميش أو الإهمال، ما يؤدي إلى استدامة سردية أحادية البعد لا تعكس تجاربهنّ وأدوارهنّ المتنوعة في المقاومة.
رغم ذلك، تشارك النساء الفلسطينيات بصورة فاعلة في حماية مجتمعهنّ من القمع الإسرائيلي، ولا تعد هؤلاء النساء مثالاً على الشجاعة والصمود فحسب، بل يلعبن أدوارًا محورية أيضًا في مقاومة الاحتلال ومناصرة العدالة. مثلت النساء تحديدًا شخصيات محورية في التنديد بقسوة القمع الإسرائيلي المتزايدة وانتهاك الأماكن الخاصة والمقدسة والإبلاغ عنهما (كما في حالة اقتحامات الحرم الشريف في مناسبات متعددة، أو الهجمات على حيّ الشيخ جراح في عام 2021). هناك خط أحمر يربط نساء الماضي بنساء اليوم إذ تجمعهنّ المقاومة وتجمع بينهن، غير أن نساء اليوم يحققن مقاومتهن باستخدام وسائل مجددة وتحويلية تحدث التغيير. في الواقع، تلجأ الشابات الفلسطينيات اليوم على وجه الخصوص إلى وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا لأغراض المناصرة والمعالجة والإبلاغ، كونهنّ عوامل نشطة للتغيير في سياق يعوزه الاستقرار وتحفه الخطورة. من الأمثلة على ذلك منى الكرد، حفيدة رفقة الكرد، أيقونة المقاومة الفلسطينية، أو المؤثرات الشابات مثل آلاء حمدان أو منى حوا اللواتي يظهرن للعالم يوميًا الإهمال المستمر الواقع على حقوق الإنسان الأساسية في فلسطين.
يطرح هذا النقاش أسئلة حرجة حول المفاهيم الجندرية للسلطة، فكثيرًا ما لعبت النساء الفلسطينيات، سواء كانت قصصهنّ موثقة أم لا، دورًا حاسمًا في تشكيل مخطط التحرير والمقاومة وبناء المجتمع، والاعتراف بأصوات النساء الفلسطينيات وقصصهن وإبرازها لا ينحصر في كونه مسألة تمثيل وحسب، وإنما هو خطوة أساسية نحو فهم تعقيدات الصراع المستمر وأبعاده العميقة.
في الواقع، تقوم العديد من منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء اليوم في قطاع غزة بعمل مهم وبارز في رعاية المجتمع وتنظيمه. تركّز هذه الجمعيات، بنشاطها الاجتماعي والسياسي والثقافي، على تزويد النساء بفرص للتأثير في السرديات والممارسات في مجتمعاتهن على مستويات عدة.
تأسست منظمة “نحن لسنا أرقامًا” عام 2014 بعد العملية العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وكانت بعنوان “الجرف الصامد”. وكما أوضحت مديرة المجموعة، إيناس فارس غنام، خلال المنتدى الدولي للمرأة في غزة في عام 2022، فإنّ الهدف من عمل المجموعة هو “خلق جيل جديد من الفنانين العالميين” الذين يمكن أن يحدثوا تغييرًا عميقًا في سردية القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر. إنّ استعادة السيطرة على سرد التجارب الفلسطينية أمر حاسم في ممارسة التحرر والتعافي الفلسطيني. ومن الأمثلة المهمة الأخرى على هذا الهدف مبادرة “غزة خالية من الصدمات”، والتي أطلقتها نسرين البالغة من العمر 15 عامًا في عام 2021، بعد أن فقدت والدتها في عملية عسكرية إسرائيلية أخرى. بدأت الشابة هذه المساحة الافتراضية بهدف “تحرير العقول”، إذ تتيح المجال للناس لمشاركة تجاربهم وقصصهم. بمرور الوقت، تطورت المبادرة إلى خدمة تزود سكان غزة بمعلومات عن الصحة والخدمات النفسية. ويخدم ذلك العادة الفلسطينية المتمثلة في الصمود وقدرة الفلسطينيين على النهوض بعد كل كارثة. وتبذل منظمات أخرى أيضًا، مثل جمعية حماية المرأة والطفل (عايشة)، جهودًا لتزويد المرأة بالدعم النفسي والتمكين الاقتصادي. تأسست هذه المنظمة المستقلة عام 2009، وكانت تعمل ضمن برنامج غزة للصحة النفسية قبل ذلك، وتسعى إلى حماية النساء والأطفال من العنف من خلال دعم القضايا النفسية، والاجتماعية، والقانونية، والاقتصادية وتمكينها ورفع مستوى الوعي حولها.
تلعب النساء أيضًا دورًا محوريًا في قطاع غزة في ظل التصعيد الحالي للعنف، حيث يتصدرن العمل الطبي والرعاية الصحية والمعلوماتية، ويقدمن الخدمات الأساسية لمجتمعاتهنّ، في محاولة للحفاظ على الاستقرار والاستجابة للأزمة الإنسانية خلال حدوثها. هناك مثالان لفتا الانتباه الدولي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي، أولهما ممرضة أعلنت عن مقتل زوجها بينما كانت تقدم المساعدة الطبية الطارئة للمصابين في الهجمات الإسرائيلية المتوالية بلا توقف، والأخرى هي الصحفية والمراسلة في قطاع غزة يمنى السيد التي استمرت في تغطية الأحداث في ظروف شديدة الخطورة بينما استهدف القصف مبنى يقع خلفها تمامًا لينهار أثناء البث التلفزيوني المباشر.
في الختام، تثبت الحالات الموصوفة هنا، فضلًا عن حالات أخرى كثيرة، الدور الحاسم الذي تلعبه المرأة الفلسطينية في تعزيز الصمود الجماعي لشعبها وفي نضاله من أجل الحرية وحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، يجب التعامل صراحة مع مقاومة النساء والفتيات الفلسطينيات بوصفها حقًا وحاجة أساسية، إضافة إلى تمكين المنظمات والناشطين المحليين على وجه الخصوص من تعزيز السلام والمساهمة رسميًا في تحقيق حلول النزاعات ضمن إطار قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والأمن والسلام- بما يتجاوز مجرد الكلمات إلى الفعل -كما كان مأمولًا من الأساس.
وفي دعوتها إلى احترام القانون الإنساني الدولي، الذي تم انتهاكه بشكل مستمر بسبب القصف المستمر للسكان المدنيين في غزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، ناشدت المنظمات النسائية الأردنية الدول الأعضاء الأوروبية لتحثها، ووفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، على إصدار إدانات لا لبس فيها للجرائم الإسرائيلية في غزة، ووقف دعمها للاحتلال الإسرائيلي، وممارسة الضغط لوقف العدوان على سكان غزة، والامتناع عن التأثير لترحيلهم من منازلهم مع تسهيل إيصال المساعدات الطبية والإنسانية لسكان القطاع بشكل عاجل. ومرة أخرى، فقد أصبحت النساء في المقدمة.
[1] قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325، هو سياسة دولية اعتمدت في عام 2000. ويؤكد على الحاجة إلى زيادة مشاركة المرأة في صنع القرار في مجال الأمن والسلام، وحماية النساء والفتيات من العنف الجندري في مناطق الصراع، ومنع الصراعات من خلال معالجة قضايا العدالة الجندرية. وقد شكل هذا القرار منذ ذلك الحين الأساس لجدول أعمال المرأة والأمن، والسلام وتعزيز المساواة بين الجنسين في منع الصراعات وحلها وبناء السلام.