أثار قرار افتتاح أول مكتب اتصال للناتو في الشرق الأوسط في العاصمة الأردنية عمان، والذي تم الإعلان عنه خلال قمة الحلف لعام 2024 في واشنطن العاصمة، جدلاً واسعاً، لاسيما في العالم العربي. وفي حين وصفت الحكومة الأردنية وحلف شمال الأطلسي هذه الحركة باعتبارها خطوة نحو توثيق أواصر التعاون الإقليمي وتعزيز الأمن، يجادل منتقدوها بأن هذا الأمر قد يؤدي إلى ترسيخ عسكرة مساعي السلام وتفاقم التوترات الجيوسياسية القائمة. ويثير هذا التطور كذلك تساؤلات هامة بشأن تنفيذ أجندة المرأة والأمن والسلام في الأردن؛ فعلى الرغم من أن سياسة الناتو بشأن المرأة والأمن والسلام لعام 2024 –التي تم اعتمادها في القمة ذاتها– تؤكد على دمج اعتبارات النوع الاجتماعي في جميع جوانب الأمن والدفاع، إلا أن وجود الحلف في الأردن يجلب معه إمكانية زيادة الاستثمارات في القطاع العسكري ناهيك عن تهميش دور المجتمع المدني في هذا الإطار.
تتناول هذه الورقة الطبيعة ذات الحدين لهذا التطور، وتبحث في طرق مساهمة مكتب الناتو في النهوض بأجندة المرأة والأمن السلام من خلال توفير الموارد مع تسليط الضوء في الوقت ذاته على مخاطر تهميش مساعي المساواة بين الجنسين جراء التركيز على الجانب العسكري في الأساس. علاوة على ذلك، تنظر الورقة في تداعيات ذلك على المجتمع المدني والتأثير طويل الأمد على الاستقرار الإقليمي، وتتساءل عما إذا كان وجود الحلف قد يؤدي عن غير قصد إلى إدامة ديناميكيات النزاع بدلاً من تعزيز السلام المستدام.
يمثل إنشاء مكتب للناتو في الأردن فرصة هامة للنهوض بأجندة المرأة والأمن والسلام في المنطقة العربية؛ فمع وجود حلف الناتو، من المتوقع أن يستفيد الأردن من زيادة الموارد المالية والدعم المؤسسي المخصص لقطاع الأمن، وهو ما سيؤثر بالتأكيد على مبادرات تعميم مراعاة منظور النوع الاجتماعي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا أيضاً إلى تسهيل نقل الخبرات والممارسات الفضلى من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، والتي طورت بدورها أطراً قوية لدمج منظور النوع الاجتماعي في عملياتها العسكرية والأمنية. وسيكون وجود الحلف في الأردني محورياً لتفعيل أجندة المرأة والأمن والسلام من خلال تنفيذ ممارسات مراعية للنوع الاجتماعي في قطاع الأمن. وتوفر سياسة الناتو بشأن المرأة والأمن والسلام لعام 2024 إطاراً لهذه الجهود وتدعم دمج اعتبارات النوع الاجتماعي في الحد من النزاع، وإدارة الأزمات والتعافي بعد النزاع كذلك.
ولهذا، سيعمل المكتب على تعزيز نهج أكثر شمولاً لاستراتيجيات السلام والأمن خارج إطار النُهج العسكرية التقليدية. ومن المرجح أن يشكل هذا التأثير سابقة في المنطقة، ما يشجع البلدان الأخرى على اعتماد ممارسات مماثلة مراعية للنوع الاجتماعي في قطاعاتها الأمنية. ويمكن أن يساعد انخراط الحلف في هذه الجهود في تحقيق نتائج أمنية أكثر إنصافاً وفعالية للاستقرار الوطني والإقليمي. ويضمن هذا التوافق الاستراتيجي مع سياسة الناتو بشأن المرأة والأمن والسلام لعام 2024 أن يظل تمكين المرأة وحماية حقوقها أمراً محورياً في مساعي بناء السلام في الأردن والمنطقة الأوسع.
ومن ناحية أخرى، ينبغي النظر إلى هذه الآثار في ضوء المخاطر المحتملة المترتبة على طُغيان النهج الأمني على المساواة بين الجنسين بسبب التركيز الكبير على الجانب العسكري. يتمحور التكليف الرئيسي لمكتب الناتو حول التعاون في جهود الدفاع، ومكافحة الإرهاب، وإصلاح قطاع الأمن. وبينما تُعد هذه مجالات ذات أهمية بالغة في المنطقة، إلا أن هناك خطراً جسيماً من وجوده يتمثل في أن التركيز على الحلول العسكرية قد يطغى على النُهج غير العسكرية الأكثر شمولاً لبناء السلام، والتي تشكل جوهر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325. في المقابل، فقد يتم تهميش أجندة المرأة والأمن والسلام، التي تسلط الضوء على أهمية معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وتعزيز عمليات السلام الدامجة، وتمكين المرأة في الأدوار القيادية، لتحتل مرتبة ثانوية من حيث الأهمية في سياق تُهيمن عليه الأولويات العسكرية.
مع ذلك، وفي الوقت الذي تعمل فيه جهود تعميم منظور النوع الاجتماعي على زيادة مشاركة المرأة في قوات الأمن، كما حصل في الأردن عبر تنفيذ الخطة الوطنية الأردنية، فإن مثل هذه المبادرات لا تتحدى غالباً الأعراف الأبوية الكامنة التي تحول دون وصول المرأة إلى المناصب القيادية[1]. وإذا كان إدماج المرأة في قوات الأمن مدفوعاً في المقام الأول بالوفاء بمطلب الكوتا النسائية وتعزيز الفعالية التشغيلية دون التصدي للحواجز الثقافية والمؤسسية الأعمق التي تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين، فقد تكون النتيجة شكلاً سطحياً من أشكال إدماج منظور النوع الاجتماعي والذي لا يفعل سوى القليل لتغيير الوضع الراهن. وإلى جانب التحديات القائمة التي تواجهها منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء في تحديد دورها في تنفيذ الخطة الوطنية والقرار 1325، فقد يؤدي وجود مكتب الحلف إلى زيادة تهميش حضورها في خطاب السلام والأمن. لقد لعبت منظمات المجتمع المدني دوراً حاسماً في الدعوة إلى أجندة المرأة والأمن والسلام في المنطقة، وخاصة في تعزيز مشاركة المرأة على المستوى الشعبي والتصدي لقضايا مثل العنف المبني على النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان. ومع ذلك، وفي بيئة أمنية تتزايد هيمنة الجهات العسكرية عليها، غالباً ما تعاني أصوات المجتمع المحلي ومساهماته من التجاهل أو النقص في التمويل. لذا؛ ومع التركيز المتزايد على دور قوات الأمن في حفظ السلام والأمن، ثمة خطر يتمثل في تهميش الجهات الفاعلة الهامة الأخرى –كقادة المجتمع المحلي، والمنظمات الإنسانية والوكالات الإنسانية أيضاً.
من منظور أوسع، تبرز أسئلة بالغة الأهمية فيما يتصل بالآثار طويلة الأجل المترتبة على الاستقرار الإقليمي ودور المرأة في هذا المشهد المتغير؛ فإن زيادة عسكرة مساعي السلام، إلى جانب التركيز على الردع والحلول العسكرية، من شأنه أن يخاطر بإدامة ديناميكيات النزاع في المنطقة دون معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار فيها. وفي مثل هذه البيئة الأمنية التي تُهيمن عليها النُهج العسكرية، تكافح أجندة المرأة والأمن والسلام، التي تدعو إلى السلام الشامل والمستدام، في سعيها لاكتساب الزخم وقوة الدفع اللازمة لجهودها. ولتحقيق تقدم ملموس نحو تحقيق المساواة بين الجنسين والسلام الدائم، فلا بدّ من إحداث توازن بين الحلول العسكرية ومساعي بناء السلام الشاملة.
في الختام، يمتلك مكتب اتصال الناتو في الأردن القدرة على النهوض بأجندة المرأة والأمن والسلام على نحو ملحوظ من خلال توفير الموارد المالية والدعم الفني، ولكن من الضروري ألا يطغى التركيز العسكري الكبير على هذه الأجندة. ويتعيّن إشراك منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء في الحوار مع قطاع الأمن والجهات المعنية الرئيسية الأخرى من أجل الحفاظ على دورها في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325. وسيكون إحداث التوازن بين الاستراتيجيات العسكرية وغير العسكرية أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لتواجد حلف الناتو في الأردن للمساهمة في تحقيق سلام أكثر شمولاً واستدامة في المنطقة.
[1] ورقة موقف حول عسكرة المرأة والأمن والسلام في الأردن