بقلم لين مسعود
اعتمدت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة شعار حملة “مناهضة العنف ضد النساء والفتيات -حملة 16 يومًا” لهذا العام تحت عنوان: “معًا لمجابهة العنف ضد المرأة في السلم والحرب”، إذ تعكس هذه الرسالة القوية التزام الأردن بحماية المرأة في بيئات النزاع المسلح، كما تؤكد الحاجة الملحة إلى معالجة العنف في السياقين الإقليمي والعالمي. ومن خلال تضخيم أصوات النساء المتضررات من النزاعات والصراعات، تسلط هذه المبادرة الضوء على أهمية رفع مستوى الوعي حول نضالاتهن والفجوات الموجودة في الجهود الدولية نحو معالجة هذه المسألة.
على الصعيد العالمي، تركز حملة الـ 16 يومًا، والتي تجري فعالياتها خلال الفترة من 25 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 10 كانون الأول/ ديسمبر، على العنف ضد النساء والفتيات باعتباره قضية حقوقية بالغة الأهمية. إذ يتماشى موضوع هذا العام، “نحو 30 عامًا من إعلان ومنهاج عمل بيجين: متحدون لإنهاء العنف ضد المرأة“، مع مبادرة الأمم المتحدة “متحدون بحلول عام 2030“، كما يدعو إلى بذل جهود حاسمة لمنع العنف ضد النساء والفتيات، وخاصة جرائم القتل المرتبطة بالجنس، وتعزيز حماية النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم. من جهة أخرى، تؤكد الحملات المحلية والدولية في آن معًا على المسؤولية المشتركة نحو مكافحة العنف ضد النساء والفتيات والدعوة إلى إحداث تغيير منهجي حياله.
العنف القائم ضد النساء والفتيات: تهديدات مستمرة ومخاطر متزايدة وسط الصراع
على الرغم من مرور عقود على جهود المناصرة المتعلقة به، ما يزال العنف ضد النساء والفتيات منتشرًا. فعالميًا؛ تعرضت امرأة واحدة تقريبًا من كل ثلاث نساء -أي حوالي 736 مليون امرأة- للعنف الجسدي و/أو الجنسي على يد عشيرها أو غيره في مرحلة ما من حياتها. في عام 2022 وحده، قُتلت حوالي 48,800 امرأة وفتاة بسبب العشير أو أفراد الأسرة -ما يعني معدل وفيات يتجاوز خمس حالات وفاة في الساعة كان سببه الأشخاص الأقرب إلى الضحية.
علاوة على ذلك، ومع تصاعد الصراعات المسلحة في جميع أنحاء العالم، أصبحت المزيد من النساء عرضة للقتل التعسفي، والتعذيب، والعنف الجنسي والزواج القسري.
وفي أعقاب عدوان 7 أكتوبر على غزة، استشهدت 11346 امرأة و16765 طفلًا، أي ما نسبته 69% من الضحايا. فيما ارتفع العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات بنسبة 50% منذ عام 2022، لتشكل النساء والفتيات 95% من الحالات المبلغ عنها في هذا الخصوص.
وعلى صعيد آخر، فقد زاد عدد النساء والفتيات اللاتي يعشن على مسافة 50 كيلومترًا من الصراعات النشطة خاصة بما نسبته 41% منذ عام 2015. على سبيل المثال، وفي السودان، سجلت هيومن رايتس ووتش 262 حالة عنف جنسي خلال أقل من عام. أما في الآونة الأخيرة، فقد وردت أيضًا تقارير عن حالات انتحار جماعي بين النساء السودانيات في محاولة منهن لتجنب حوادث الاغتصاب التي لها نساء أخريات.
بيجين +30: جهود الأردن في مكافحة العنف ضد النساء والفتيات
ومع اقترابنا من الذكرى السنوية الثلاثين لإعلان ومنهاج عمل بيجين، قطع الأردن خطوات ملحوظة في توسيع نطاق وصول المرأة إلى العدالة، والفرص الاقتصادية، والمشاركة في القوى العاملة، إلا أن ثمة تحديات مستمرة من حيث معالجة الفجوات في الأجور بين الرجال والنساء، ونقص تمثيلهن في المناصب القيادية، وتلبية احتياجات الفئات المهمشة التي تشمل اللاجئات والنساء الريفيات.
وقد أحرز الأردن تقدمًا أيضًا في التصدي للعنف ضد النساء والفتيات، وبذلت الحكومة الأردنية والمجتمع المدني جهودًا متقدمة لمكافحة هذا العنف، مع التركيز على الوقاية منه، وتوفير الحماية والمساءلة للناجيات.
لكن وعلى الرغم من مثل هذه المبادرات الوطنية، تستمر حالات العنف الأسري والعنف ضد النساء والفتيات في التزايد، إذ تشير التقارير إلى ارتفاع حالات العنف الأسري في الأردن بنسبة 38% في عام 2023 مقارنة بالسنوات السابقة، ليصل إجمالي الحالات إلى 58068 حالة. ومن بين هذه الحالات، كان ما نسبته 80% من الضحايا من الإناث، وكان الأزواج هم الجناة في 62% منها.
وبالإضافة إلى ذلك، تمثل النساء غالبية الضحايا في جرائم القتل المرتبطة بالأسرة. وفي عام 2024 سجلت 9 حالات من أصل 12 جريمة قتل ذات العلاقة بالأسرة ممن ذهبت النساء ضحية لها.
وعلى مستوى أعمق وأكثر ضبابية، لا يؤدي العنف الاقتصادي إلى تأجيج العنف المنزلي فحسب، بل يمنع النساء أيضًا من الإبلاغ عن المعتدين عليهن. ومع أن نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن لا تتجاوز 14%، تعاني العديد من النساء أوضاعًا مسيئة خوفًا من فقدان منازلهن أو خسارة أطفالهن، أو عدم القدرة على دفع تكاليف الدعم القانوني لقضاياهن.
إلى جانب الخسائر الشخصية، يؤثر العنف ضد النساء والفتيات أيضًا على نحو مباشر على الاقتصاد الأردني، إذ تقدر التكاليف السنوية للعنف المنزلي ضد النساء والفتيات بعمر 15 عامًا فما فوق بنحو 130,124,787 دينارًا أردنيًا في عام 2021 -أي حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بما يشمل تكاليف الأسرة، والخسائر الاقتصادية والنفقات المرتبطة بتقديم خدمات الدعم لهذه الفئة، إلى جانب جهود المناصرة والتنسيق.
خطوات نحو مستقبل أكثر أمانًا
وكجزء من حملة 16 يومًا لهذا العام، يمتلك الأردن فرصة اتخاذ خطوات حاسمة لمكافحة العنف ضد النساء. إن موضوع هذا العام، “نحو ثلاثين عامًا على إعلان ومنهاج عمل بيجين”، لهو تذكير قوي بالشوط الذي قطعناه في هذا الخصوص وبحجم العمل الذي ما يزال ينتظرنا أيضًا.
في الواقع، وعلى الرغم من أن الأردن قد أقرّ عددًا من القوانين التي تحمي المرأة من العنف المنزلي، إلا أن إنفاذها هو تحدٍ قائم. يعد تدريب أجهزة إنفاذ القانون، والقضاة والعاملين في مجال الرعاية الصحية على الأساليب المراعية للعنف ضد النساء والفتيات أمرًا بالغ الأهمية لضمان حصول الناجيات على العدالة والحماية.
أما بالنسبة للهاربات من العنف، فإن معرفة المكان الذي يمكنهن اللجوء إليه طلبًا المساعدة أمر بالغ الأهمية، فالناجيات بحاجة إلى أنظمة دعم يعتمدن عليها مع توفر إمكانية الوصول إليها.
ومن الضروري توسيع الملاجئ ومراكز الاستشارة، وخاصة في المناطق الريفية وذلك لتوفير شبكة أمان للناجيات، كما يجب أن تقدم هذه المرافق استشارات التعامل مع حالات ما بعد الصدمة، وخدمات الدعم القانوني والحماية. وبذات القدر، فإن رفع مستوى الوعي حول المنظمات التي تقدم هذه الخدمات الحيوية هو أمر هام جدًا.
وفي هذا السياق، تضطلع منظمات المجتمع المدني مثل منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وجمعية معهد تضامن النساء الأردني، وأدوات مثل تطبيق آمالي للهاتف المحمول التابع لمؤسسة نهر الأردن، كذلك بأدوار حاسمة في ربط الناجيات بالخدمات الأساسية.
وبما أن المجتمعات تختلف عن غيرها فلم لا تختلف الحلول المطروحة كذلك؟ إذ يعد تعزيز محلية العمل الإنساني أمرًا أساسيًا للوقاية الفعالة من العنف ضد النساء والفتيات. ومن خلال العمل اللصيق مع القادة المحليين والمنظمات الشعبية، يغدو في مقدور الجهات المعنية تصميم البرامج الملائمة لاحتياجات المجتمعات الفردية.
كما ينبغي أن تكون النساء في مركز هذه العملية. سواء أكن من الناجيات أو الناشطات أو القائدات، فيجب أن تقود أصوات النساء الحديث والنقاش، إذ تخلق خبراتهن ورؤاهن استراتيجيات ذات صدى حقيقي يحدث التغيير على الدوام.
إن إنهاء العنف ضد النساء والفتيات ليس مهمة شخص واحد، بل يتطلب التعاون بين مجموعة من الأشخاص، فيتوجب على الحكومات، والمجتمع المدني ومنظمات حقوق المرأة العمل يدًا بيد نحو هذا الهدف. أيضًا، يعد تمويل ودعم المنظمات الشعبية ذا أهمية خاصة فهي خط الدفاع الأول عن الناجيات غالبًا.
دعوة للعمل: ما بعد حملة 16 يومًا
في حين توفر حملة الـ 16 يومًا منصة مهمة لرفع مستوى الوعي، يجب علينا الحفاظ على هذا الزخم على مدار العام، فلا يجوز أن يقتصر العمل على القضاء على العنف ضد النساء والفتيات أثناء مدة الحملة فقط؛ بل يتطلب جهودًا مستدامة ومتسقة. ينبغي على الأردن أن يلتزم بالحفاظ على تركيز قوي وثابت على الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات مع الاستجابة له طول العام، وذلك مع ضمان بقاء أنظمة الدعم، والأطر القانونية والمبادرات التعليمية نشطة وفعالة.
المراجع:
الجزيرة. “عام واحد من الحرب الإسرائيلية على غزة: لحظات أساسية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.” الجزيرة، 7 أكتوبر 2024.
https://www.aljazeera.com/news/2024/10/7/one-year-of-israels-war-on-gaza-a-simple-guide.
الإسكوا. “تقدير التكلفة الاقتصادية للعنف الأسري ضد المرأة في الأردن.” الإسكوا، 2023. https://jordan.un.org/sites/default/files/2024-04/Economic%20cost.pdf.
غرايبة، زهور. “انخفاض طفيف في جرائم القتل الأسري في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالنصف الأول من عام 2023.” جمعية معهد تضامن النساء الأردني (مدونة)، 2024. https://www.sigi-jordan.org/en/article/6390.
هيومن رايتس ووتش. “الخرطوم لم تعد آمنة للنساء بعد الآن!: العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في عاصمة السودان.” نيويورك، نيويورك: هيومن رايتس ووتش، 2024.
صانداي، تشينومسو. “السودان: مئات النساء ينتحرن لتجنب الاغتصاب- هالة الكارب”.
أخبار التلفزيون المركزي | آخر الأخبار العاجلة عبر أفريقيا، أخبار يومية في نيجيريا وجنوب أفريقيا وغانا وكينيا ومصر اليوم. – أفريقيا. أولاً. (مدونة)، 30 أكتوبر 2024. https://newscentral.africa/sudan-hundreds-of-women-died-by-suicide-to-avoid-rape-hala-kirbi/.
هيئة الأمم المتحدة للمرأة. “جرائم قتل النساء والفتيات على أساس الجنس (قتل النساء/قتل الإناث): تقديرات عالمية لجرائم القتل المرتبطة بالعشير/الأسرة في عام 2022،” 2023.
هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة. “التقدم المحرز في أهداف التنمية المستدامة: لمحة عن المساواة بين الجنسين 2024.” نيويورك: الأمم المتحدة، 2024.
وافولا، إيان. “الحرب الأهلية في السودان: انتحار النساء اللاتي اغتصبهن مقاتلو الدعم السريع في ولاية الجزيرة، يقول ناشطون.” بي بي سي، 31 أكتوبر 2024. بي بي سي أفريقيا. https://www.bbc.com/news/articles/c8xpqvz0e88o.
منظمة الصحة العالمية. “تقديرات انتشار العنف ضد المرأة لعام 2018: تقديرات الانتشار العالمي والإقليمي والوطني لعنف العشير ضد المرأة وتقديرات الانتشار العالمي والإقليمي للعنف الجنسي ضد النساء من قبل غير العشير.” جنيف: منظمة الصحة العالمية، 2021.