الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

آلان ديكوف ومستقبل الصراع العربي الإسرائيلي
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء

مشاركة

آلان ديكوف، عالم اجتماع فرنسي معروف، خصص جل أعماله المنشورة للصهيونية والمجتمع الإسرائيلي ومسار الصراع العربي-الإسرائيلي.
من بين أهم إصداراته، كتابه الرئيسي المنشور سنة 1993 بعنوان “إنشاء أمة: إسرائيل والحداثة السياسية”، وفيه يتناول الفكر السياسي اليهودي المعاصر وارتباطه بالأيديولوجيا الصهيونية.
في هذا الكتاب، يبين ديكوف أن اليهود الأوربيين في القرن التاسع عشر توزعوا إلى ثلاثة اتجاهات كبرى: ذهب بعضهم إلى تصور ديني محض لمسار “الشعب اليهودي” فلم يروا الخلاص الممكن إلا في الموقف المسياني الروحي التقليدي فنبذوا العمل السياسي وكان أقصى طموحهم تحسين وضع الجاليات اليهودية في المجتمعات التي تنتمي إليها، في حين ذهب الاتجاه المعروف بالتنويري إلى ضرورة بناء ثقافة علمانية قائمة على الذاتية الفردية والعقل النقدي بما يتطلب الاندماج في الحقل المدني الحديث والتحرر من وصاية المؤسسة الدينية، وذهب الاتجاه الثالث إلى الخيار القومي بالدعوة إلى إنشاء مجموعة سياسية خاصة باليهود.

ولقد وفر وعد بلفور سنة 1917 الإطار العملي للنزعة الصهيونية في سياق تنامي النزعة القومية الأوروبية في سعيها لبناء هويات قومية متجسدة في أنساق سياسية مركزية.

ومع سنة  1920، أسست المنظومة الصهيونية بعض الأدوات العملية الهامة على أرض فلسطين مثل المؤسسة النقابية (الهستادروت) والتنظيم المسلح (الهاغانا)، بما نجم عنها المشروع السياسي الصهيوني المتمحور حول الاشتراكية العمالية في عهد بن غوريون.

ولقد اصطدمت هذه النزعة الحداثية العلمانية برفض قطاع واسع من المؤسسة الحاخامية، إلا أن المرحلة اللاحقة شهدت تشكل اتجاه صهيوني يميني واتجاه ديني يهودي سيطرا في السنوات الأخيرة على السلطة في إسرائيل.إلا أن ديكوف يرى أن كل المواقف الصهيونية مهما كانت مسافتها النقدية من الدين، لا يمكنها التحرر كليًا من الموروث اليهودي، باعتبار أن “الأمة” الإسرائيلية تستند في هويتها للتوراة والمخزون الروحي العبري مهما كانت الأغطية الحداثية الظاهرة.

ومع هذا الإشكال الكبير الذي تواجهه إسرائيل، التي تحتاج عضويًا للسردية اليهودية، في الوقت الذي تطمح فيه إلى بناء حالة سياسية علمانية تفضي ضرورة إلى إضعاف المرجعية الدينية للدولة، وذلك ما أدركته الأحزاب والتنظيمات الأصولية اليهودية مثل الحركة الحسيدية المتمردة على الدولة.

لقد فشلت محاولة تأسيس تيار يهودي إصلاحي يؤمن بالارتباط الوثيق بين أرض إسرائيل و”الشعب اليهودي” والتوراة دون الانحدار إلى الأصولية المتشددة. وهكذا تزايد نفوذ وتأثير التنظيمات العنصرية المتطرفة التي ترجع جذورها إلى “الصهيونية المراجعة” المستندة إلى أفكار وكتابات فلاديمير جابونتسكي القريبة من النزعة الفاشية الإيطالية. إن هذه الأفكار التي يتبناها اليوم الائتلاف الحاكم في إسرائيل هي التي تحول دون أي حل توافقي ممكن بين العرب واليهود في إسرائيل.

ذلك ما يبينه ديكوف في كتابه الأخير “إسرائيل-فلسطين: حرب بلا نهاية؟”، وفيه يجيب عن 22 سؤالًا محوريًا حول الوضع القائم في الشرق الأوسط إثر تعطل المشاريع السلمية وصعود اليمين المتطرف في إسرائيل.

في هذا الكتاب؛ يتحدث ديكوف عن خلفيات الاستيطان اليهودي المتزايد في المناطق المحتلة سنة 1967، مبينًا أن التيار الصهيوني الديني هو الذي دفع خط الاستيطان الكثيف ودافع عنه باعتباره شرط “انبعاث” الشعب اليهودي، وقد تحالف مع المجموعات اليمينية التي ترفض أي حل يتضمن الانسحاب من الأراضي المحتلة.

يرى ديكوف أن مسار أوسلو قد انتهى تمامًا في نهاية التسعينيات، مفندًا أطروحة ضياع فرصة مشروع رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك الذي لم يقترح على الفلسطينيين سوى سيادة محدودة في مناطق هامشية من القدس، مع الاحتفاظ بالمستوطنات في الضفة الغربية وبالحضور العسكري الإسرائيلي فيها، في حين ستكون الدولة الفلسطينية المقترحة مشتتة المجال الإقليمي دون امتداد جغرافي، أما موضوع اللاجئين الفلسطينيين (قرابة أربعة ملايين فرد) فقد أقصي كليًا من الحل النهائي.

ولذا؛ لم يكن باستطاعة الفلسطينيين الموافقة على الصيغة المقترحة، رغم محاولات الرئيس الأسبق كلينتون تسويق هذا المشروع الذي لا يستجيب للشروط الدنيا من مطالب الشعب الفلسطيني.

لقد قدم الرئيس كلينتون في ديسمبر/كانون الأول 2000 مشروعًا للحل يتضمن إقامة دولة فلسطينية على 95 بالمئة من أرض الضفة الغربية مع إمكانية مقايضة المنطقة الباقية بأراض إسرائيلية، بيد أن الدولة المقترحة ستكون منزوعة السلاح وتحتفظ فيها إسرائيل بحضور عسكري دائم، كما تتقاسم مع الفلسطينيين السيادة على القدس حتى في السلطة على المقدسات الإسلامية.

لقد كان مشروع كلينتون هو أقصى ما يمكن أن تقبل به الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى ديكوف أنه يتضمن أفكارًا ومقترحات قد تشكل بعض توافقات الحل النهائي المستقبلي.

بيد أن إسرائيل منذ انتخاب أرييل شارون في 2001، وما تلاه من عهد رئيس الحكومة الحالي نتنياهو قد تنصلت كليًا من مسار أوسلو ومن خيار الدولة الفلسطينية المستقلة، وبالتالي انهارت كليًا آفاق الحل السلمي للصراع العربي الإسرائيلي.في خاتمة كتابه، يتساءل ديكوف “هل لا يزال حل الدولتين ممكنًا؟”.
للإجابة على هذا السؤال، يبين ديكوف أن السنوات الأخيرة قد شهدت حركتين متعارضتين: ديناميكية الحل السلمي على أساس قيام دولتين منفصلتين على أرض فلسطين وهو خيار المجموعة الدولية الثابت، وديناميكية الضم والاستيطان التي تفضي إلى استحالة قيام دولة فلسطينية محتلة نتيجة سياسات إسرائيل المتواصلة في الأراضي المحتلة. ومن هنا بروز أطروحة الدولة الواحدة من النهر إلى البحر، سواء في شكل “دولة ديمقراطية علمانية موحدة” أو شكل دولة مزدوجة البناء القومي.

إلا أن ديكوف يعتبر أن هذا الحل البديل غير واقعي، لأن جل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يرفضه بقوة، كما أنه لا ينسجم مع المنطق السياسي لشعوب الشرق الأوسط، وليس فعالًا في حسم صراع ذي طبيعة قومية جوهرية. ولذا؛ فإن الحل الأوحد المتاح حسب ديكوف هو الفصل على أساس دولتين مستقلتين، مهما كانت مصاعب هذا الحل، مستنتجًا بعبارات صريحة أن إنشاء الدولة المستقلة حق مطلق للفلسطينيين بقدر ما هو ضرورة سياسية لإسرائيل.

اسدراسات ديكوف حول إسرائيل وتحولات المشروع الصهيوني دقيقة وجدية، رغم كونه لا ينخرط عمليًا في العمل السياسي ولا يعتمد مواقف صريحة من الأحداث اليومية الجارية.

 

ما ورد في المقال من أفكار تمثل آراء وأفكار المؤلف ولا تمثل بالضرورة مواقف المنظمة