الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

لا.. لن نتجرد من إنسانيتنا!

مشاركة

يحاول المحامي قدر استطاعته الفصل بين عقله وعلمه القانوني وبين عاطفته ومشاعره الإنسانية وهو يتعامل مع مشكلات الأسر، ومهما بدا هذا الأمر صعباً عليه، إلا أن هناك بعض القصص التي يتعامل معها لا يستطع إلا أن يتأثر بها.

وذلك حدث فعلاً مع المحامي باسل الحوامدة، من الفريق القانوني لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وهو يهم بحل مشكلة أسرة سورية لاجئة في المفرق، وجدت نفسها قد تقطعت بها السبل بعد أن تخلى الأب عن أبسط مسؤولياته، تاركاً إياها ليس فقط بلا معيل، بل أيضاً بلا أوراق ثبوتية تثبت وجود وحقوق هذه العائلة في هذا العالم القاسي.

اعتاد المحامي الحوامدة على استقبال العديد من مثل هذه الحالات والمشاكل التي تقع فيها عائلات سورية لاجئة ضربت الحرب واللجوء أساسات استقرارها وتماسكها، فارتدت وبالاً على الطرف الأضعف فيها وهي الأم والأطفال.

ورغم هذا الاعتياد على استقبال مثل هذه الشكاوى، فإنه لم يتمكن من فصل دوره القانوني الموضوعي عن التفاعل مع مثل هذه المصاعب، لذلك فهو يقول: “الشعور بمشكلة العائلة المعنية تدفعني لبذل كل جهدي لحلها ومتابعتها وعدم التعامل معها فقط كعلاقة بين موكل ومنتفع”.

في يوم ما، طرقت اللاجئة السورية تهاني (اسم مستعار) أبواب فرع منظمة النهضة العربية (أرض) في المفرق، بحثاً عن حل أعياها التفكير به وأقض مضاجعها. الأب اللاجئ تركها وأطفالها، بحثاً عن حياة أخرى، هارباً من مسؤولياته كأب وزوج ورب عائلة فقيرة ومسكينة لاجئة.

لم تكن المصيبة فقط ترك رب العائلة لأسرته اللاجئة بعد خلاف مع زوجته والعودة الطوعية إلى سورية، وإبقاء أسرته أمام شبح الفقر والحاجة دون معيل، بل الهم الأكبر أنه تركها وأولادها دون أية إثباتات رسمية تدل على شخصياتهم ولا عقد زواج أو شهادات ميلاد، وأيضاً لم تكن العائلة مسجلة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

يقول الحوامدة “راجعتنا تهاني وتبين أنها لا تقرأ ولا تكتب، وضعيفة الفهم والاستيعاب لظروف صحية عديدة. كان ذلك تحدياً باستذكار تاريخ زواجها وتواريخ مواليد أبنائها، ومشكلة أخرى أنه لم يكن هناك أي معيل لها من أهلها كونهم خارج الأردن”.

كل ما توفر من معطيات في هذه القضية، هو أن عائلة السيدة سكنت في مخيمات “عشوائية” بجانب المزارع في المفرق مع وزوجها وأطفالها فترة من الزمن، وحدث خلاف بينهما، وبناءً على هذا الخلاف أقدم زوجها على العودة الطوعية لسوريا، تاركاً أطفاله دون وثائق”.

وضع المحامي الحوامدة خطته القانونية لمتابعة القضية واستعادة حقوق العائلة وإعادة الاعتراف بها رسمياً. يقول: “لم نترك باباً إلا طرقناه، تم الحصول لهم على الإثباتات اللازمة، واستخرجت كل أوراقها الثبوتية من الجهات المختصة، وكان علينا مراجعة المحكمة الشرعية والنظامية والمراكز الأمنية لاستخراج الأوراق الرسمية وتصديقها”.

ويضيف ثم جاء دور “تسجيل العائلة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وأخرجنا لهم خدمات البطاقة الأمنية وإثبات زواج ونسب، طبعاً.. سجلنا دعوى في المحكمة والسير فيها لحاجة القضية لذلك”.

اليوم؛ يقول الحوامدة منفرج الأسارير، العائلة تسكن في منطقة الخالدية، “وأمورها مستقرة وطبيعية، واستطاعت أن تسجل ابنائها في المدارس -الحمد لله- وباتت تمتلك أوراقاً ثبوتية”.

الحوامدة، الذي يمتلك خبرة 22 عاماً في المحاماة، قضى منها ثماني سنوات في دائرة المساعدة القانونية في النهضة العربية (أرض)، باتت تؤهله للقول إن مثل هذه المشاكل وغيرها يواجهها اللاجئون، السوريون والفلسطينيون تحديداً، تحتاج لعمل وجهد ومثابرة وتفهم لحلها والحفاظ على الأسرة وحقوقها.  

في هذا السياق؛ يشكل نقص الوثائق الرسمية وعدم وجود أوراق ثبوتية عائقا كبيراً أمام اللاجئين، وخاصة النساء اللواتي لم يثبتن زواجهن بطريقة قانونية بعد أن لجأن إلى الأردن، وكذلك الأطفال الذين يقعون تحت وطأة مشاكل قانونية كثيرة بسبب عدم وجود إثباتات جنسية لهم، الأمر الذي يحرمهم من الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية.

ويلخص الحوامدة تجربته بالقول “لا شك أن كل عمل في الكون يقوم على الربح المادي، لكن إذا كان أساس العمل القانوني قصده الحصول على هذه المنفعة المالية فقط لا غير، فهنا نحن تجردنا من إنسانيتنا”.

ويرى أنه لكي يستمر المحامي في عمله القانوني، “لا بد أن تتوفر في هذا الشخص ميزة خدمة الناس حتى إن كان المردود المالي بسيطاً”. وهو يؤمن أن المساعدة القانونية والعمل القانوني “رافد للحياة” بمعنى أن الإنسان يؤدي خدمة بصرف النظر عن الشخص المستهدف، “فكثير من الأشخاص في هذه الحياة يقع عليهم ظلم أو يحتاجون إلى دعم وخدمة”.

ولا يتردد الحوامدة في التأكيد على أن الأهم فيما يتعلق بالعمل بين اللاجئين وغيرهم من أسر وأشخاص ضعفاء، هو التثقيف القانوني وبث الوعي بالحقوق، لذلك “تقع على مؤسسات المجتمع المدني مهمة أساسية في بث مثل هذا الوعي والثقافة القانونية لئلا تضيع الحقوق ويعاني الأطفال والنساء والأسر”.