الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

نقش (3) التيارات الفكرية السائدة من وجهة نظر نساء النهضة بقلم د. منن صدقي حطاب

مشاركة

شهدت المنطقة العربية منذ بدايات القرن العشرين نشوء تيارات فكرية متعددة ومتباينة في الأسس النظرية وأدوات التطبيق وإن كانت جميعها قد اشتركت في حينها على الإصرار على تحقيق هدفين رئيسيين: الأول هو الخلاص والتحرر والاستقلال من استعمار مباشر غربي للوطن العربي استمر لعقود طويلة قسّم البلدان العربية إلى دويلات بعد أن نهب خيراتها وتركها ضعيفة فقيرة مستنزفة ومفككة، والهدف الثاني هو الارتكاز على تيار فكري أو أكثر لبناء أسس الدولة، ومؤسساتها وولاء مواطنيها.

وضمن منبر “نقش” التفاعلي، قامت شبكة نساء النهضة وهي إحدى الشبكات التي أسستها وأطلقتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) مستهدفة قضايا معاصرة سواء أكانت إنسانية، أم حقوقية وطنية أم إقليمية، بطرح سؤالين على عضواتها وهما: ما التيارات الفكرية السائدة في المجتمع الأردني، وما التيارات الفكرية التي تحكم العمل النسوي ومؤسسات المجتمع المدني؟ تعددت الإجابات وتباينت فيما بينها، فجاءت الإجابة الأولى على شكل سؤال مفاده “هل تسود التيارات الفكرية في الأردن والوطن العربي عموماً مستندة على مبادئها، أم تكون وفقاً لأهواء الجهات المانحة ومتطلباتها، فنحن أمة تستورد كل شيء بما في ذلك الأفكار”. وهو ما أيدته عضوة أخرى إذ “اعتبرت أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم وجود مدارس فكرية وأحزاب ومؤسسات تؤطر التيارات، وعلى هذا الأساس نرى خلطة من تيارات مستوردة”. ورأت عضوة أخرى “أن الأردن كأي دولة عربية أخرى، كان بيئة حاضنة لبعض التيارات الفكرية ومتأثراً ببعضها، لكن ظهرت هذه التيارات في فترات تاريخية معينة وواجهت تحديات من حيث الاستمرار والبقاء، أما اليوم، فلا بد من مراجعة لها للخروج بفكر حديث يستوعب التغيرات العالمية ويعكس الواقع العربي الهش”. في حين علقت إحدى عضوات الشبكة على هذا الرأي بالقول “لكن الخروج بفكر جديد يستوعب ما يجري على الساحة اليوم ربما يكون حلماً بعيد المنال، فنحن كأمة ما نزال بعيدين جداً عن النضوج والاستقلال الفكري الحقيقي كما نفتقد القدرة على إنتاج معرفة حقيقية، وتيارات فكرية راقية عالية المستوى تعكس بأمانة وصدق حاجاتنا وأوضاع مجتمعاتنا”، في حين رأت عضوة أخرى “أن التيارات الفكرية تحتاج إلى بيئة داعمة ونشأة تكبر مع التجارب والأحداث والتحديات، مشددة على أننا بحاجة لسنوات طويلة لبناء تيارات فكرية بين جيل الشباب الذي يواجه تحديات، وصعوبات، وواقعاً محفوفاً بالمعيقات، أما العمل النسوي على وجه الخصوص فهو بحاجة إلى توحيد الأهداف والإيمان بالاختلاف”. وأخيراً، فسّرت عضوة “تراجع التيارات الفكرية مقابل ديمومة التيار الإسلامي باعتماده على التمويل الخارجي، فلا يوجد -برأيها- منافس للتيار الإسلامي في الأردن سوى تيار العشائرية”.

ولمناقشة الموضوع، لا بد بداية من توضيح عام لمفهوم التيارات والحركات الفكرية، والتي من الممكن تعريفها على أنها تبني مجموعة من الأفراد والمجموعات أفكاراً ومبادئ بهدف تغيير نظام أو وضع قائم بكل مكوناته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية لاستبداله بآخر مختلف، والملاحظ أن ليس لهذه التيارات صفة الديمومة إلا إذا تحولت إلى تنظيم أو حزب له نظامه، وبرنامجه، وأهدافه، وقوته، وأتباعه وحضوره السياسي.

لو تتبعنا أحوال البلاد العربية -والتي يأتي الأردن من ضمنها- خلال العقدين الأخيرين للوقوف على ماهية التيارات الفكرية السائدة حالياً في المجتمع الأردني والتي تحكم مؤسساته ومواقف مواطنيه وآرائهم، فإننا نلاحظ تغيرات جذرية عميقة شاملة قد حدثت اجتماعياً-ثقافياً، واقتصادياً وسياسياً وانعكست على جميع مجالات النشاط الإنساني وفي بنية تفكير الأفراد، فقد تنامت النزعة الفردية بوضوح، وازدادت أهمية المال بوصفه أداة تحدد مكانة الفرد الاجتماعية وقيمته للحصول على التقدير والرأي المسموع، وبرزت بشكل أوضح طبقة جديدة أو مجموعات من الأثرياء الجدد ممن لديهم قيم، وسلوكيات وأخلاقيات لا تشبه المجتمع الأكبر وغالبية أفراده، واختفى تدريجياً الفكر الجامع والولاء الحقيقي لمؤسسات الدولة المختلفة. رافق ما سبق تهدم في القيم والمعايير وإحلالها بأخرى هجينة، وأزمة الهوية، وتراجع دور المثقفين الحقيقيين وتأثيرهم واحترامهم وانحساره كذلك، وتزايد انتشار الأمية الثقافية، وسيادة نمط تفكير أحادي فقير بالوعي النقدي والتحليلي. جاء مع هذه التراجعات وغيرها كذلك الكثير من التهميش، واتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بين فئات المجتمع وطبقاته، والتباين الحاد بينهم من ناحية الخلفيات الثقافية والفرص والرؤية، وتزايد الانسحاب الاجتماعي وشعور اليأس والقلق وانعدام الثقة بالمستقبل لدى غالبية الأفراد خاصة الشباب الذين يشكلون حوالي ثلثي السكان، وبقيت أوضاع المرأة تراوح مكانها دون تحقيق أي تقدم فعلي محرَز في مشاركتها الاقتصادية والسياسية وفي صنع القرار، على الرغم من توالي ارتفاع نسب تعليم الإناث المدرسي والجامعي، وإقرار مجموعة من التعديلات القانونية لصالح النساء لكنها حقيقة تبقى ثانوية القيمة والفاعلية وشكلية في المجمل لأنها تلبي استحقاقات خارجية وتمويلية بالدرجة الأولى، ولا تقرأ المشهد بشكل شمولي ناقد وغير انتقائي، فهي لا تسمع ولا ترى حاجات المرأة الحقيقية ضمن المشهد الاجتماعي-الثقافي، والاقتصادي وضمن سياقه الحالي والزماني.

واستكمالاً للإجابة عن سؤالي “نقش” نقول، لو نظرنا سريعاً إلى مجالات الاهتمام البحثية، والدراسات أو المشاريع المنفذة من غالبية منظمات المجتمع المدني والممولة في أغلبها من جهات مانحة خارجية، لوجدنا أن غالبيتها ليست موجهة إلى تلبية الحاجات الملحة والتنموية المطلوبة لمجتمعنا وللغالبية العظمى من أولئك ممن لا صوت مسموع لهم. إضافة إلى افتقار الكثير من مخرجات هذه الأبحاث والمشاريع وتوصياتها إلى الخصوصية والحاجات المجتمعية الحقيقية، كما أنها تأتي دون اهتمام يذكر بتساؤلات مشروعة تتعلق بالهوية والأصالة النابعة من فكر محلي وطني مستقل ومخلص في انتمائه.

أخيراً، إن ما تحتاجه الأوطان والدول أولاً ودائماً لبناء المؤسسات والأفراد هو حرية فكر، وتعبير عن الرأي تمتاز بإخلاصها ووعيها، وإلى إنتاج معرفي بأفكار جديدة تتماشى مع متطلبات العصر كما تواكب متطلبات النهضة والتنمية الشاملة، وإلى نظريات نابعة من خصوصية ثقافية وتراثية تلبي حاجات الوطن إلى بناء مؤسسات وإنسان عربي حر غير مسكون بالآخر الخارجي ومصالحه، ومتحرر من التبعية في التفكير والرؤية والإنتاج، وإلا فما خوف الغريق من البللِ؟