الموقع تحت الإنشاء

النسخة التجريبية من موقع النهضة العربية (أرض)

The Website is Under Construction

This is beta version of ARDD's website

هل نجحت قمة الجزائر في لم شمل العرب؟، بقلم د. حسن نافعة، المفكر المصري وعضو مجلس الأمناء

مشاركة

اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شعار “لم الشمل” عنوانًا للقمة العربية التي عُقدت يومي 1 و 2 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، ورحب القادة العرب بهذا الاختيار في بيانهم الختامي الذي حمل اسم “إعلان الجزائر”. ولأن العالم العربي كان قد وصل قبل انعقاد هذه القمة إلى درجة من الفرقة والتشتت حالت دون انعقاد أي قمة عربية، ولو بوسائل التواصل عن بعد، لأكثر من ثلاث سنوات متتالية، فقد أصبحت هناك حاجة ماسة إلى عملية “لم شمل” تعيد للقادة العرب إحساسهم المفقود بالانتماء لأمة عريقة تواجه مصيرًا واحدًا وتجمع بين شعوبها مصالح كثيرة مشتركة تحتاج لمن يدافع عنها. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل نجحت قمة الجزائر في لم شمل العرب ووضع قادته من جديد على طريق التضامن ونبذ الفرقة؟

للإجابة على هذا السؤال، ربما يكون من المفيد إعادة قراءة نص البيان الختامي الصادر عن قمة الجزائر، لعلنا نجد فيه ما يبعث على الاطمئنان بانتهاء حالة الفرقة التي شهدها العالم العربي خلال الحقبة الأخيرة، ويبشر بفتح صفحة جديدة في تاريخ العمل العربي المشترك، وذلك بالفحص المتأني لما جاء في هذا البيان متعلقًا بأربعة محاور رئيسية: 1- الموقف من الأزمات المحتدمة حاليًّا في عدد كبير من الدول العربية. 2- إدارة العلاقة مع دول الجوار الإقليمي ومع القوى الكبرى 3- مصير مشروع التكامل الاقتصادي العربي 4- إصلاح جامعة الدول العربية. وسوف نستعرض فيما يلي ما ورد في البيان الختامي لقمة الجزائر متعلقًا بهذه المحاور الأربعة، مشفوعًا بملاحظاتنا عليه.

           أولًا: فيما يتعلق بالأزمات المحتدمة في عدد من الأقطار العربية: تضمن البيان فقرات مطولة حول الأزمات المحتدمة في ليبيا، واليمن، وسوريا، والعراق، ولبنان والصومال. لكن يلاحظ أن اللغة المستخدمة صيغت بعبارات مرسلة لا تتضمن أية التزامات محددة سواء من جانب الجامعة العربية أو من جانب الدول الأعضاء للمساهمة في حل هذه الأزمات. فبالنسبة للأزمة في ليبيا، أعرب المؤتمر عن “تضامنه الكامل مع الشعب الليبي ودعم الجهود الهادفة لإنهاء الأزمة، من خلال حل ليبي-ليبي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويصون أمنها وأمن جوارها، ويحقق طموحات شعبها في الوصول إلى تنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن لتحقيق الاستقرار السياسي الدائم”. وبالنسبة للأزمة في اليمن، أعرب المؤتمر عن “دعم الحكومة الشرعية اليمنية ومباركة تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ودعم الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة اليمنية وفق المرجعيات المعتمدة، مع التشديد على ضرورة تجديد الهدنة الإنسانية كخطوة أساسية نحو هذا المسار الهادف إلى تحقيق تسوية سياسية شاملة تضمن وحدة اليمن وسيادته واستقراره وسلامة أراضيه وأمن دول الخليج العربي ورفض جميع أشكال التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية”. وبالنسبة للأزمة في سوريا، طالب المؤتمر بأن: “تقوم الدول العربية بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سورية وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد لها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليميًّا ودوليًّا”.

وبالنسبة للأزمة في العراق، رحب المؤتمر “بتنشيط الحياة الدستورية في العراق بما في ذلك تشكيل الحكومة والإشادة بجهودها الرامية إلى تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية وتجسيد آمال وتطلعات الشعب العراقي، مع تثمين النجاحات التي حققها العراق في دحر التنظيمات الإرهابية والإشادة بتضحيات شعبه في الدفاع عن سيادة البلاد وأمنها”. وبالنسبة للأزمة في لبنان، “جدد المؤتمر تضامنه مع الجمهورية اللبنانية للحفاظ على أمنها واستقرارها ودعم الخطوات التي اتخذتها لبسط سيادتها على أقاليمها البرية والبحرية والإعراب عن التطلع لأن تقوم لبنان بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن يقوم مجلس النواب بانتخاب رئيس جديد للبلاد”. وبالنسبة للأزمة في الصومال، جدد المؤتمر “دعمه لجمهورية الصومال الفيدرالية من أجل توطيد دعائم الأمن والاستقرار عبر مساهمة الدول العربية في تعزيز القدرات الوطنية الصومالية في مجال مكافحة الإرهاب وتمكين هذا البلد الشقيق من الاستجابة للتحديات التي يواجهها في المرحلة الراهنة، لاسيما من جراء أزمة الجفاف الحادة”. ولم ينس المؤتمر “تجديد دعمه للجهود المتواصلة لتحقيق حل سياسي بين جيبوتي وإريتريا فيما يتعلق بالخلاف الحدودي وموضوع الأسرى الجيبوتيين”، والتأكيد في الوقت نفسه على “ضرورة المساهمة في دعم الدول العربية التي مرت أو تمر بظروف سياسية وأمنية واقتصادية صعبة أو تلك التي تواجه حالات استثنائية من جراء الكوارث الطبيعية، من خلال تعبئة الإمكانيات المتاحة وفق مختلف الصيغ المطروحة ثنائيًا وعربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا”. وفي تقديري أن صياغة البيان على هذا النحو قُصد منه إرضاء جميع الأطراف. ومن ثم، فلن يكون لها تأثير يذكر على مسار الأزمات التي يعاني منها العالم العربي.

ثانيًا: فيما يتعلق بإدارة العلاقة مع دول الجوار الجغرافي ومع القوى العالمية: اكتفى البيان بالتأكيد على “ضرورة بناء علاقات سليمة ومتوازنة بين المجموعة العربية والمجتمع الدولي، بما فيه محيطها الإسلامي والإفريقي والأورومتوسطي، على أسس احترام قواعد حسن الجوار والثقة والتعاون المثمر والالتزام المتبادل بالمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة وعلى رأسها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”. وقد اشار البيان إلى أهمية “وجود منتديات التعاون والشراكة التي تجمع جامعة الدول العربية بمختلف الشركاء الدوليين والإقليميين باعتبارها فضاءات هامة للتشاور السياسي ومد جسور التواصل، وبناء شراكات متوازنة قائمة على الاحترام والنفع المتبادلين”، وعبر عن قناعته بأن التوترات المتصاعدة على الساحة الدولية “تسلط الضوء أكثر من أي وقت مضى على الاختلالات الهيكلية في آليات الحوكمة العالمية وعلى الحاجة الملحة لمعالجتها ضمن مقاربة تكفل التكافؤ والمساواة بين جميع الدول وتضع حدًّا لتهميش الدول النامية، ومن ثم طالب بضرورة “مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة لعالم ما بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا، كمجموعة منسجمة وموحدة وكطرف فاعل لا تعوزه الإرادة والإمكانيات والكفاءات لتقديم مساهمة فعلية وإيجابية في هذا المجال”. وطالب البيان بـ”التزام الدول العربية بمبادئ عدم الانحياز وبالموقف العربي المشترك من الحرب في أوكرانيا الذي يقوم على نبذ استعمال القوة والسعي لتفعيل خيار السلام.. إلخ”. ولم ينس البيان “تثمين السياسة المتوازنة التي انتهجها تحالف أوبيك+ من أجل ضمان استقرار الأسواق العالمية للطاقة واستدامة الاستثمارات في هذا القطاع الحساس ضمن مقاربة اقتصادية تضمن حماية مصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء”، والتأكيد على ضرورة “توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والتطرف بجميع أشكاله وتجفيف منابع تمويله.. إلخ. كما طالب بضرورة “إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط وفقًا للمرجعيات المتفق عليها، ودعوة جميع الأطراف المعنية إلى الانضمام وتنفيذ معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تظل حجر الأساس للنظام الدولي لمنع انتشار هذه الأسلحة”. وتلك كلها صياغات إنشائية تكررت كثيرًا من قبل، وبالتالي لا يتوقع أن تفضي إلى أي تغيير يذكر في السياسات الخارجية التي تتبعها الدول العربية حاليًّا والتي أضعفت كثيرًا من دور النظام العربي على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

ثالثًا: فيما يتعلق بمصير مشروع التكامل الاقتصادي العربي: طالب البيان بضرورة “الالتزام بمضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية وللفرص الثمينة التي تتيحها، بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدًا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي”، وأكد على “أهمية تضافر الجهود من أجل تعزيز القدرات العربية الجماعية في مجال الاستجابة للتحديات المطروحة على الأمن الغذائي والصحي والطاقوي ومواجهة التغيرات المناخية، مع التنويه بضرورة تطوير آليات التعاون لمأسسة العمل العربي في هذه المجالات”. وهنا يلاحظ أن البيان الختامي لم يتضمن خطوات إجرائية لتفعيل مشروع التكامل الاقتصادي العربي، رغم الوعي بأهمية “مأسسة العمل العربي”، إلا أنه يلاحظ أن البيان لم يتضمن أي اقتراح محدد في هذا الشأن.

رابعًا: فيما يتعلق بإصلاح جامعة الدول العربية: أشار البيان إلى ضرورة “الالتزام بالمضي قدمًا في مسار تعزيز وعصرنة العمل العربي المشترك، وفق نهج جديد يؤازر الأطر التقليدية ليضع في صلب أولوياته هموم وانشغالات المواطن العربي،  وتثمين المقترحات البناءة التي تقدم بها الرئيس عبد المجيد تبون، والرامية إلى تفعيل دور جامعة الدول العربية في الوقاية من النزاعات وحلها وتكريس البعد الشعبي وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك، والتأكيد على “ضرورة إطلاق حركية تفاعلية بين المؤسسات العربية الرسمية وفعاليات المجتمع المدني بجميع أطيافه وقواه الحية، من خلال خلق فضاءات لتبادل الأفكار والنقاش المثمر والحوار البناء بهدف توحيد الجهود لرفع التحديات المطروحة بمشاركة الجميع”. ويلاحظ هنا أن البيان اكتفى بالترحيب بمقترحات الإصلاح التي تقدم بها الرئيس الجزائري، لكنه لم يعتمدها أو يتبناها كوثيقة صادرة عن القمة العربية، ولم يتخذ أي إجراء لوضعها موضع التطبيق.

نخلص مما تقدم إلى أن الرئيس الجزائري نجح في إقناع معظم القادة العرب بحضور مؤتمر القمة، غير أن هؤلاء القادة لم يلزموا أنفسهم بانتهاج أي سلوك آخر يخالف ذلك الذي اعتادوه والذي أوصل الأوضاع في العالم العربي إلى ما هي عليه الآن من تأزم واحتقان، لذا يمكن أن العمل العربي المشترك بعد قمة الجزائر ظل كما كان قبلها ولم يتحرك خطوة واحدة إلى الأمام، ما يعني أن النظام العربي ما زال في أمس الحاجة إلى هزة كبرى توقظه من سباته العميق.