من حاجتنا إلى توحيد الخطاب الإعلامي تجاه مختلف القضايا المحلية والوطنية، تبرز اليوم في المقابل أهمية صون حرية الرأي والتعبير، وحرية العمل الصحفي ورفعته، وعدم المساس بالأمن الوظيفي والمعيشي للعاملين في المؤسسات الصحفية والإعلامية.
وتكاد تتفق جميع المؤسسات الإعلامية والصحفية والحقوقية والمدنية على أهمية وجود تشريعات تسعى إلى تقديم إعلام قوي ومهني وموضوعي ويوفر الصورة العامة للتوجهات الرسمية والمجتمعية، لكنها كذلك تجمع على أن حرية الرأي والتعبير في المملكة تسير في منحى “خطير”، وفق المؤشرات والتقارير الدولية.
ضمن هذا السياق؛ عقد ملتقى النهضة العربي الثقافي في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، السبت، 4 حزيران/ يونيو 2022، جلسة حوارية استضاف فيها 65 شخصية إعلامية وصحافية وثقافية، بهدف فتح الحوار والنقاش حول موضوع توحيد الخطاب من عدمه، وإتاحة المجال للعصف الفكري حول الإشكالات والتحديات التي تواجه الإعلام في خضم الأحداث والأولويات الوطنية والإقليمية.
وأكد رئيس الملتقى باسل الطراونة، أن توحيد الخطاب الوطني تجاه مختلف القضايا المحلية أولوية وطنية، بشرط أن لا تتنافى مع ضمان حرية الرأي والتعبير، فلابد من التذكير أن أهم مقومات وجود توجه عام تجاه القضايا الوطنية يتطلب أولاً توفر المعلومة؛ وثانياً تقديم الدعم الكامل لمختلف المؤسسات الإعلامية، والحفاظ على استقلاليتها لتستمر في تقديم رسالتها الإخبارية.
من جهتها؛ بينت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية (أرض) سمر محارب، أن هناك تنوعاً في اللقاءات التي يعقدها ملتقى النهضة العربي الثقافي ومنظمة النهضة العربية (أرض)، بهدف إثراء المشاهد الثقافية والفكرية والإعلامية وإضافة مساحة جديدة لإتاحة حرية الرأي والتعبير.
وأكدت محارب على أهمية المجتمع المدني ودوره في دعم الحريات الصحفية والمشهدين الثقافي والإعلامي، وعقد مثل هذه الجلسات يسهم برفع الوعي المهني للعديد من المعنيين حيال القضايا الجديدة في قطاع الإعلام، لاسيما القضايا الشائكة مثل مسألة توحيد الخطاب وأهميتها من حيث الالتفاف على الثوابت الوطنية، ومن ناحية أخرى لنعرف شروطها ومتطلباتها وضمانها لمبدأ حرية العمل الصحفي وحق الرأي والتعبير.
فيما تحدث الأكاديمي والإعلامي د. سليم شريف، والذي أدار الحوار مع الحضور، حول ضرورة إبراز القضايا الوطنية بشكل مهني وحيادي وموضوعي، تلافياً للإشاعات والتضليل الإعلامي والسلبيات التي بتنا نلمسها في الفترة الأخيرة، داعياً إلى الاستثمار بالإعلام والأدوات الثقافية وتقديم خطاب يساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي. وأكد على أهمية مشاركة الشباب والجيل الجديد من الإعلاميين والصحفيين في هكذا حوارات، لضمان نقل التجربة واستمرارها، وهنا يبرز دور الكليات الإعلامية ومؤسسات الإعلام المجتمعي الأهلية.
وكانت رسالة الحضور واضحة، بأن مسألة التوحيد للخطاب الاعلامي مسألة شائكة وحساسة، والإعلامين في المملكة استطاعوا تأسيس مؤسسات إعلامية مهنية، تبرز القضايا الوطنية الملحة وتسعى لإيصال الأصوات والآراء المختلفة للمعنيين وأصحاب القرار، بما يضمن التنوع في طرح كافة وجهات النظر، وهذا مؤشر قوة لأي دولة وحكومة ومجتمع.
وبينوا أنه إذا كان التوحيد بغرض إبراز التوجه الرسمي بمختلف القضايا، فهناك حاجة إلى شبكة معلومات متاحة لتزويد العاملين في الإعلام بالمعلومات والأخبار، وهو ما يتوافق مع معايير حقوق الإنسان، معتبرين أن هذه الشبكة أمر أساسي وملح اليوم، إذا أردنا الانفتاح على الإعلام الرقمي الجديد وتوحيد الخطاب الوطني.
وبما يتعلق بأهمية تجديد الخطاب الإعلامي؛ أكد المشاركون ضرورة تطوير الخطاب الإعلامي وأدواته ومصطلحاته في المرحلة المقبلة، على ضوء المتغيرات والتطورات الحاصلة في العالم والإقليم، بالتزامن أيضاً مع دعم الإعلام بكل أشكاله، والعناية بالمؤسسات الإعلامية لنضمن قدرتها على تناول كافة وجهات النظر بمهنية، وتوفر التحليل المطلوب بكل حيادية لمختلف القضايا الوطنية.
وحول الفجوة الإعلامية بين المتوفر والمطلوب لتغطية كافة القضايا الإعلامية المهمة مثل حقوق ذوي الإعاقة، والتعليم، والشباب وقضايا التمويل الأجنبي، وما يطرأ على الساحة السياسية والإقليمية، هناك حاجة لمزيد من الاستثمار بتوحيد الأجندات والاستراتيجيات لنضمن التغطية المتوازنة بين مختلف القضايا، حتى لا تطغى واحدة على أخرى، مع وجود وسائل الرصد وتقييم الأثر من قبل الجهات التي تقود هذا التنسيق، وهنا كان يوجد توافق أن المطلوب إذاً التنسيق وليس التوحيد، ومعرفة متى وكيف ولماذا ومن يملك الدفة.
كما أوصوا على تطبيق مبدأ المكاشفة بما يخص تقييم المواقف الإعلامية بغرض إعطاء المساحة للرأي والرأي الآخر، إذ أن الاختلاف يسهم بخلق رسالة إعلامية وطنية ومتزنة وهادفة، إضافة إلى الاطلاع على تجارب الدول التي لديها تنوع في الإعلام، فضلاً عن ضرورة تفعيل الإعلام المجتمعي.
وختاماً؛ خلصوا إلى أن الإعلام الأردني بحاجة إلى توحيد الجهود والوصول إلى كافة شرائح المجتمع بطريقة مهنية، وهذا يتطلب التنوع المدروس بالخطاب، الذي يعكس أوجاع الناس، بعيداً عن التشاؤم والسوداوية، ويعالج الخلل ويسلط الضوء على الحلول، ويعطي صورة مشرقة وبعيداً عن هاجس الأمن الذي ما يضمنه استقلالية المؤسسات الصحفية التي باتت تعاني من ضغوطات مالية كبيرة، ومع ذلك تقوم بدور كبير على كافة المستويات الوطنية والدولية والإقليمية.