أينما حلت المرأة تُثمر، وتُزهر، وتُعمر، هي لا تحتاج أكثر من فرصة، وسترى منها إبداعاً يسرك، وجلداً يُبهرك… هل ينطبق ذلك على عملها في السلك العسكري والأمني؟ حين تتابع مسيرتها في القوات المسلحة الأردنية والأمن العام ستجيب بنفسك : نعم وألف نعم ! فقد تجاوزت صعوبات كثيرة، ووقفت في وجه تحديات أكثر، لتجعل المفاهيم التي كانت سائدة حول عدم قدرتها على القيام بدور عسكري فاعل من أساطير الأولين .
هذا مجمل ما جاء في الجلسة الحوارية التي نظمتها شبكة نساء النهضة بعنوان “تطور مسيرة المرأة في القوات المسلحة والأجهزة ” ضمن سلسلة لقاء الأربعتين، وشارك بها مقررة لجنة المرأة في مجلس الأعيان واللواء المتقاعد نايفة الزبن، والعميد المتقاعد الدكتورة هناء الأفغاني ، أما تفاصيل الجلسة فكانت جميلة جداً كجمال الرتب العسكرية على أكتاف الحاضرات من الجيش والأجهزة الأمنية، حتى أن المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) سمر محارب، قالت إنها شعرت برهبة حين دخلت القاعة التي احتضنت الجلسة .
وكانت بداية الجلسة عند ميسرتها الإعلامية رند الغرايبة، حين أكدت بأن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية مؤسسات رائدة في الأردن، لذلك من الطبيعي أن تكون تجربة المرأة في هذه المؤسسات رائدة أيضاً، وهي محطة فخر لنا ليس على المستوى العربي فقط وإنما على المستوى العالمي أيضاً.
هذا الكلام ثبت صحته حين تحدثت نايفة الزبن عن تطور مسيرة المرأة في القوات المسلحة الأردنية التي خدمت فيها ووصلت إلى رتبة لواء، فبداية مسيرة المرأة في الجيش كانت عام 1950 في التربية والتعليم والثقافة العسكرية، من خلال تعيين ثمانية معلمات في المدرسة الفاطمية، وكانت إحداهن برتبة عريف والأخريات مدنيات، وبقي عدد النساء في السلك العسكري متواضعاً حتى تم تأسيس كلية الأميرة منى للتمريض عام 1962 بهدف إعداد وتأهيل الفتيات للعمل في مجال الخدمات التمريضية وتخرج أول فوج عام 1965 وكان عددهن 8 مجندات، أما التطور الحقيقي فكان عند تأسيس مديرية شؤون المرأة عام 1995، وكان لتأسيسها أثر كبير في دخول المرأة القوات المسلحة، حيث أنيطت بها جميع المسؤوليات المتعلقة بالنهوض بدور المرأة العسكرية.
ولا يختلف تاريخ تطور مسيرة المرأة في الأمن العام عن تطور مسيرتها في الجيش، فالدكتورة هناء الأفغاني استذكرت بالكثير من الفخر هذا التاريخ الذي بدأ عام 1972 من خلال تأسيس مدرسة لتدريب الشرطة النسائية وكانت البداية بتدريب ست فتيات قبل أن يصدر الملك الراحل الحسين بن طلال إرادة ملكية عام 1978 بتحويلها الى معهد يحمل اسم الاميرة بسمة بنت طلال، ثم صدر قرار عام 1987باستحداث قيادة الشرطة النسائية فأصبح معهد الأميرة بسمة جزءا من هذه القيادة ، وكان عام 2007 مفصليا لمرتبات الشرطة النسائية، إذ شهد أول مشاركة لهن في قوات حفظ السلام تفعيلاً لقرار الأمم المتحدة 1325 المتعلق بدور المرأة في الأمن والسلام من خلال إرسال أربع ضابطات من الأمن العام إلى كوسوفو، وكان هذا القرار سبباً برفع نسبة النوع الاجتماعي في مرتبات الأمن العام وبتوجيهات ملكية، بينما كانت المشاركة الأولى للنساء من مرتبات الجيش في أفغانستان عام 2010 من خلال مجموعة من الممرضات .
التحديات كانت كبيرة في بدايات انضمام المرأة للجيش والأجهزة الأمنية، فالزبن والأفغاني استذكرتا كيف كان هذا الأمر مستغرباً من المجتمع وبعض العائلات التي كانت تمنع الفتيات من الانضمام للجيش والأمن العام ، لكن اليوم صارت أعدادهن بالآلاف وصار الأردنيون ينتظرون بفارغ الصبر إعلانات التجنيد لإلحاق بناتهم في السلك العسكري والأمني ، ففي حين كان عدد العاملات في القوات المسلحة 4853 قبل استلام الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، صار عددهن 17200 بحلول عام 2020.
ثمة تحديات كبيرة أمام المرأة لإثبات نفسها في القطاعين الأمني والعسكري، ربما أبرزها على الإطلاق ما قالته الأفغاني حول جذب النساء للخلف كلما بلغن رتبة كبيرة في محاولة لمنعهن من الوصول إلى مناصب قيادية أكبر، لكن طموحهن أكبر من كل التحديات ولن يجذبهن إلا للأمام، هذا ما كان واضحاً في كلام الحاضرات من الجيش والأمن العام وثقتهن الكبير بأنفسهن، إنه الطموح الذي سيطور مسيرتهن أكثر وأكثر، والثقة التي ستضعهن يوماً ما في أعلى هرم المؤسسات العسكرية والأمنية.
وعلى مدار سنوات، سعت منظمة النهضة العربية (أرض) لتسليط الضوء على أحد أكثر إنجازات أجندة حقوق المرأة أهمية في الأردن: تنفيذ خطة العمل الوطنية الأردنية المتعلقة بقرار مجلس الأمن لعام 2000 رقم 1325، فرغم الإنجازات الكثيرة التي تحققت على صعيد إشراك المرأة على كل الأصعدة في سبيل ضمان دورها في أمن واستقرار وسلم المجتمعات، ما زال هناك المزيد للقيام به لتعزيز مشاركتها في عملية صنع القرارات الاستراتيجية، وخاصة في ظل الأزمات التي تواجهها المنطقة والتي تعتبر النساء والفتيات من الفئات الأكثر تأثراً بها.