مع حلول العام الحادي عشر على بداية اللجوء السوري إلى الأردن، ما تزال الاحتياجات التنموية والاقتصادية تشكل هاجساً كبيراً للاجئين، وتحديداً اللاجئات السوريات في المملكة، باعتبارهن الأكثر تأثراً بالأزمات، مع ارتفاع نسبة اللواتي يعشن تحت خط الفقر، ومعانتهن من قلة فرص العمل، فضلاً عن احتياجات أخرى مثل التعليم والصحة والغذاء. ورغم رغبة اللاجئين بشكل عام بالعودة إلى سورية، إلا أن هناك صعوبات كثيرة تحول دون عودتهم، خصوصاً النساء منهم، بسبب الأوضاع على أرض الواقع، مما يتطلب الاستثمار بهن ودعمهن لتلبية متطلباتهن المعيشية والاقتصادية.
وفي هذا الصدد، أجرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، نقاشات جماعية مع أكثر من سبعين لاجئة سورية في محافظة الكرك جنوبي الأردن، تراوحت أعمارهن بين (18 و45 سنة)، لفهم الأوضاع الخاصة بهن واحتياجاتهن الإنمائية، حيث نتج عن تلك النقاشات إعداد وثيقتين حول احتياجات اللاجئات، وأولويات وتحديات العودة الطوعية بالنسبة لهن.
بناءً على ذلك، عقدت (الإسكوا) ومنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الخميس 22 كانون الأول/ ديسمبر 2022، لقاءً تشاورياً لبحث تلك الاحتياجات ضمن برنامج الإسكوا: “مساعدة وتمكين اللاجئات من سوريا والنساء المستضعفات في المجتمعات المضيفة في مصر والأردن ولبنان”، والذي ينفذ بدعم من وزارة الخارجية الإيطالية والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي.
من جهتها، أثنت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة (أرض)، سمر محارب، على اهتمام المجتمع الدولي والتزامه تجاه قضايا اللاجئين في المجتمعات المضيفة، مبينة أن المنظمة شريك قانوني للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن، والتي تقدم خدمات الحماية للاجئين واللاجئات من جميع الجنسيات وخاصة السورية داخل وخارج المخيمات في الأردن.
وأكدت محارب على أن اللاجئين في المنطقة بشكل عام يعانون من وضع قانوني غير مستقر، ومعاملة تمييزية في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى وصمة العار التي تأتي من كونهم “أجانب” في المجتمعات المضيفة، مما يؤثر على قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والعمل، بالإضافة إلى جوانب أخرى تفقدهم التمتع بحياة كريمة، موضحة أن منظمة (أرض) تعمل حالياً مع رجال أعمال أردنيين لتبني منهجيات أخرى لدعم اللاجئين وتحفيز الدعم الاقتصادي.
واستعرضت رئيسة قسم المساواة بين الجنسين في مجموعة العدالة بين الجنسين والسكان والتنمية الشمولية، د. سلمى النمس، المخاوف المتعلقة بالاحتياجات التنموية للاجئات تبعاً لدراسة الإسكوا في هذا السياق، إضافة إلى مخاوفهم القانونية كفقدان اللاجئات الوثائق المدنية نتيجة الحرب، وصعوبة الإجراءات القانونية المتعلقة بالإقامة، وضعف الحماية على المستويين الفردي والمجتمعي بسبب فقدان الوثائق المدنية والقانونية، وكذلك صعوبة إجراءات الإقامة في حالات سفر الزوج أو إقامته خارج المخيم، وصولاً إلى مشكلة فقدان الوثائق التي حالت من إلحاق الأولاد بالمدارس أو تسجيل الأطفال حديثي الولادة.
وحول حماية النساء اللاجئات وأمنهن، بينت النمس أن هناك عنف اقتصادي يمارس عليهن لإجبارهن على التنازل عن حقوقهن أو تقييد حريتهن بالتصرف بأموالهن، إلى جانب تعرضهن للتحرش الجنسي والعنف الأسري، وأيضاً مشكلة تزويج الطفلات الصغيرات والتي تشكل مصدر قلق كبير للنساء.
أما فيما يخص مشاركتهن المدنية والاقتصادية، فبينت ورقة الإسكوا أن التحديات كثيرة من بينها ضعف الثقة بأنفسهن كفاعلات، وضعف الخبرة وانخفاض المستوى التعليمي الذي يحد من مشاركتهن المدنية والاقتصادية، مما يتطلب تطوير مهارتهن وتعزيز فرص عمل اللاجئين واللاجئات، ووصولهن لسبل العيش وإثراء السوق المحلي.
وفيما يتعلق بالعودة الطوعية للاجئات، أشارت اللاجئات في النقاشات إلى أن هذا القرار متغير بالنسبة للحالة، خصوصاً أن الوضع في سورية لا يزال غير آمن، وأن قرار العودة خيار للبعض، ولكنه ليس بمتناول الجميع، ما يؤكد ضرورة العمل على الحل السياسي في سوريا ومعالجة الأزمة من جذورها وتمكينهن من العودة الطوعية الآمنة.
بينما تحدثت النمس حول موجز سياسات أعدته الإسكوا قبل فترة قصيرة، والذي كان بمثابة دعوة للعالم بأجمعه بضرورة حماية النساء اللاجئات في مناطق النزاعات انطلاقاً من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325، عبر إدماجهن في الواقع المعيشي وتنمية مهاراتهن وتحسين ظروفهن الاقتصادية والتنموية.
بدورها، شددت د. كوزيت مايكي، مستشارة (الإسكوا) على ضرورة التفريق بين التصورات والواقع المعاش على الأرض، حيث تدرس ورقة الإسكوا كل من هذه المفاهيم فيما يخص النساء اللاجئات؛ انطلاقاً من المعايير الدولية بدءاً من النزوح وإدارة الحالة، ولغاية القرارات والعودة الطوعية أو إعادة التوطين في دول أوروبية.
وشدد المشاركون على ضرورة العمل على أهمية وفاء المجتمع الدولي بالتزاماته إزاء اللاجئين، والعمل على معالجة الأزمة السورية من جذورها، بما يمكّن اللاجئين من العودة الطوعية والآمنة التي يصبون إليها. فاللاجئين يواجهون أزمة مركبة، تتطور أثارها المتراكمة على أرض الواقع، لكن يبقى الاحتياج إلى مزيد من الموارد والدعم من الدول المانحة، وتعزيز المساعدات المالية وفق استراتيجية طويلة الأمد، إلى جانب مشاركة المجتمع المدني بما يمثل اللاجئين والنازحين وعديمي الجنسية والمهاجرين، لذا من المهم تعزيز المناصرة من أجل تلبية احتياجات اللاجئات وكبار السن وذوي الإعاقة وكافة الفئات الأقل رعاية، مع ضرورة إيلاء قضية تزويج الطفلات الأولوية والتدخل مباشرة لحمايتهن، والاهتمام بحماية النساء من العنف الأسري عبر تفعيل القانون ذات الصلة وتفعيل دور المحاكم وهيئة حماية الأسرة وأجهزة إنفاذ القانون المعنية بحماية النساء.
كما أكد المشاركون على ضرورة زيادة وعي المجتمع بأوضاع اللاجئين، وإيلاء الاهتمام بمشاركتهم المدنية والاقتصادية، واتخاذ التدابير الكفيلة بتعديل الممارسات والمواقف المسيئة ضدهم، ومراجعة التدابير والإجراءات القانونية المتعلقة بوجود اللاجئين السورين، مع ضرورة مراجعة الأطر القانونية والتنظيمية في الأردن المتعلقة في الوصول إلى التعليم العالي لتعزيز وصول الطلبة السوريين إلى مؤسسات التعليم العالي، وصولاً إلى إنشاء آليات للتنسيق بين مختلف المؤسسات المعنية بحقوق اللاجئات في المنطقة وتفعيل أدوات دراسة احتياجات النساء وإشراكهن في التخطيط لقضاياهن.