تم الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة هذا العام والذي يوافق الثامن من آذار/مارس 2024 تحت عنوان الاستثمار في المرأة: تسريع وتيرة التقدم. فيما تواصل الناشطات من المنظمات التي تقودها النساء في كافة أنحاء العالم في بذل جهود حثيثة لتحقيق السلام وبنائه واستدامته، فضلاً عن ممارسة الضغوط من أجل حقوق المرأة ووصولها للعدالة؛ وقد نجحن في توسيع النظرة القائلة بوجوب إشراك المرأة بشكل هادف في القرارات التي تؤثر على حياتها وبأن مشاركتها في عمليات بناء السلام يمكن أن تُسهم في تحقيق سلام أكثر استدامة. كما يُمثل قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 التزاماً هاماً تعهدت به الدول الأعضاء لاتخاذ خطوات فاعلة في التصدي للطرق التي تتأثر بها النساء والفتيات بالنزاعات العنيفة وضمان تمثيلهنّ في عمليات السلام والأمن.
ويتم تمكين المدافعات عن حقوق المرأة من المنظمات المحلية والوطنية في الجنوب العالمي من مشاركة تجاربهنّ في المناسبات العالمية المعنية بالسياسات بشكل متزايد. حيث يتمثل دورهنّ على المستوى العالمي في مشاركة تجاربهنّ الحية التي شهدنها على المستوى المجتمعي فيما يتعلق بالعمل في مجال حقوق المرأة والعدالة والعنف الموجه ضد النساء والسلام باعتبارهن راعيات لأعضاء المجتمع والخط الأول للاستجابة أثناء الكوارث. كما تواصل المدافعات عن حقوق المرأة في المشاركة في البحوث والمشاورات لتحديد كيف يمكن دعم المرأة والتعرف على الممارسات الجيدة في تأسيس الشراكات على أمل أن يتمكّنّ من المساهمة في تغيير الأنظمة. وفي المقابل، اكتسبت المنظمات التي تقودها النساء في الجنوب العالمي كذلك معرفة بشأن الالتزامات الدولية بالشراكة العادلة؛ الموضوع الذي بات يتكرر في العديد من الندوات الدولية وبرز في النقاشات المعنية بالسياسات وبعض وثائق السياسة.
كما تستثمر المدافعات عن حقوق المرأة وقتهنّ بشكل طوعي على أمل أن يتمكّنّ من إحداث تغيير على المستويين الشعبي والعالمي. ومع ذلك، على الرغم من السنوات العديدة من الدعوة والمناصرة والعديد من الالتزامات الدولية التي تؤكد على أهمية الشراكة مع المنظمات التي تقودها النساء بالإضافة إلى النطاق المتزايد من الممارسات الجيدة حول كيفية تحقيق ذلك، فلا تزال المنظمات التي تقودها النساء تعاني من نقص الموارد والتهميش إلى حد كبير، فضلاً عن أن النساء اللاتي يدعون إلى التغيير على نطاق عالمي يواجهن كذلك ردود فعل عنيفة على مستوى الدولة.
ثمن إعلاء الصوت
تعمل المنظمات الدولية على تمكين النساء القياديات من خلال تسهيل مشاركتهن في المساحات العالمية وتوعيتهنّ بالالتزامات حتى يتمكّنّ من مساءلة الجهات المعنية، لذا من المفارقة أن إعلاء صوتهن الآن يرتد عليهن سلباً وبالاستهداف. يُنظر إلى القياديات اللاتي يدعون إلى الاحترام المتبادل ويُطالبن به على أنهنّ مصدر خطر لأنهن مطّلعات ويتمتعن بالمعرفة، والمعرفة قوّة. كما يُنظر إلى بعضهن على أنهن تهديد لأنهن يُسلّطن الضوء على أوجه عدم المساواة الهيكلية ويطالبن بشراكات أكثر إنصافاً والمزيد من المساءلة. وتُفضل الجهات الفاعلة الدولية العمل مع منظمات نسائية أخرى لا تتحداها، إما لأنها غير واعية أو لأنها تختار التزام الصمت. لكن تكمن المفارقة هنا في ادّعاء الجهات الدولية الفاعلة بأنها تعمل من أجل حقوق المرأة والإنصاف والعدالة.
يتعيّن على الناشطات الآن الاختيار بين إعلاء أصواتهنّ وفقدان أهميتهن على أرض الواقع على مستوى الدولة أو الحفاظ على فرص التمويل. وتلاحظ المنظمات التي تقودها النساء أن الجهات الفاعلة الدولية تُفضل العمل مع تلك المنظمات التي لا تتمتع بدراية جيدة أو التي تلتزم الصمت؛ إذ تُفيد تجربة تلك المنظمات أنه مع انتهاء شراكاتها الحالية فلن تتشكل أخرى جديدة. ومن الصعب إقامة شراكات جديدة لأن المنظمات التي تقودها النساء تُعتبر مطلعة وعلى دراية وتُشكل “تحدياً”، كما تلاحظ أن الجهات الفاعلة الدولية تنتقل إلى دعم المنظمات التي تلتزم الصمت دون طرح أسئلة.
في الوقت الذي يُنظر إلى الناشطات على أنهنّ مصادر للمعلومات: إذ أنهنّ يجلبن المعلومات من القواعد الشعبية إلى المستويات العالمية لتوجيه القرارات، إلا أنهن يتحمّلن في الوقت ذاته جميع المخاطر ويتعرّضن لردود فعل عنيفة وللاستهداف، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على المنظمات التي تقودها النساء- فهو يُعرّض الحصول على الموارد اللازمة لأداء أنشطتها مع المجتمع للخطر وبالتالي يؤثر على البقاء التنظيمي ويخلق التوتر ويؤثر على الصحة النفسية للناشطات. وستعمل هذه التأثيرات بمرور الوقت على تقليص أعداد الناشطات المستعدات لإعلاء أصواتهن والدعوة من أجل التغيير. إنه ثمن باهظ للغاية وله عواقب وخيمة على المجتمع.
لا يقتصر الاستثمار في النساء القياديات على دفع تكاليف حضورهن الاجتماعات وحسب، بل إنه يتعلق أيضاً بتوفير الموارد للعمل الذي يقمن به. وهناك دعوة إلى تقلّد النساء القياديات أدوار تنسيقية على المستويين العالمي أو الوطني، إلا أنه لا يوجد دعم للموارد اللازمة لهنّ في حين يوجد لدى المنظمات الدولية موظفون في مجال السياسات يتقاضون أجورهم بالكامل. ويبدو أنه من المتوقع من النساء القياديات المحليات القيام بالعمل على أساس تطوعي؛ إذ لا يتم تعويضهنّ على الوقت الذي يقضينه في العمل كما أنهنّ يواجهن تحديات في عملهنّ على مستوى الدولة. نحن بحاجة إلى تقدير الجهود التي يبذلنها بشكل أكبر من خلال دعمهنّ بالموارد، ولكن كذلك ضمان عدم استهدافهن بسبب أصواتهنّ.
تتعاون الناشطات مع المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة للتعامل مع الجهات المانحة على المستوى العالمي لمناصرة تمويل المنظمات التي تقودها النساء، ولكن عندما يصل التمويل لا تكن النساء القياديات على دراية به أو باستخدامه لدعم شركاء آخرين أقل تعبيراً عن آرائهم. عندما ترى النساء القياديات كيف يتم التعامل مع المدافعات عن حقوق المرأة على مستوى العالم، يُصبحن غير راغبات في أخذ تلك المساحة.
الاستثمار في المدافعات عن حقوق المرأة- توصيات للمضي قُدماً
الحكومات والجهات المانحة
- تمكين مساحات العمل المدنية وتوفير الحماية والتدابير اللازمة لضمان مشاركة جميع النساء وشمولهنّ بغض النظر عن خلفياتهن العرقية والإثنية.
- يتعيّن على الجهات المانحة ذات السياسة الخارجية النسوية أن تبذل جهوداً أكبر لضمان دعم المنظمات التي تقودها النساء.
- دعم المدافعات عن حقوق المرأة من خلال السفارات الموجودة في الدولة لأن ذلك أقل بيروقراطية وأسرع.
- دعم النساء القياديات في مجال الدعوة والمناصرة العالمية حتى يتمكنّ من إظهار الممارسات الجيدة والنجاح وتحديد العراقيل والتحديات وكيفية التحسين.
- توفير مساحة آمنة للحوار المباشر مع المدافعات عن حقوق المرأة وتوفير الموارد اللازمة لعملهنّ في مجال السياسات والمناصرة.
المنظمات غير الحكومية الدولية والأمم المتحدة
- ينبغي على المنظمات الدولية التي تؤازر حضور المدافعات عن حقوق المرأة للاجتماعات العالمية أن تدعمهنّ بشراكات على مستوى الدولة.
- المزيد من الشفافية والمساءلة فيما يتعلق بالأموال التي يتم جمعها باسم المنظمات التي تقودها النساء. ولا ينبغي توقع طرح الأسئلة وحسب، بل الترحيب بها كذلك.
- ضمان حصة أكثر إنصافاً من الأموال المخصصة للمدافعات المحليات عن حقوق المرأة.
- تقدير الوقت الذي تستثمره المدافعات عن حقوق المرأة من خلال توفير الموارد لعملهنّ في مجال مناصرة السياسات.
النساء القياديات المحليات والوطنيات
- التعرف على الالتزامات الدولية لدعم المنظمات التي تقودها النساء وتكوين وجهات نظر نقدية.
- العمل مع شركائهنّ الدوليين لتنفيذ الالتزامات واحرصن على مساءلتهم.
- الثقة بقدارتهنّ الخاصة وقدمن الدعم والتضامن للمدافعات عن حقوق المرأة على مستوى العالم.
- تدوين عن تجاربهنّ وشاركنها على نطاق واسع.
- إنشاء مجموعات دعم إقليمية للتضامن والحماية إذا لزم الأمر.
القادة الرجال المحليون والوطنيون
- الإصغاء الواعي للتحديات التي تواجه النساء القياديات وقدموا الدعم لهنّ.
- الوقوف إلى جانب المدافعات عن حقوق المرأة ليأخذن مكانهنّ.
- التضامن من خلال التعاون معهنّ بدلاً من التنافس معهنّ.
- الاحتفاء بنجاحات النساء بدلاً من استهدافهن.