ما زالت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية تثير جدلاً واسعاً بين رافض لها بشكل قطعي، وبين مؤيد يرى أنها حققت مكاسب تمثلت بإعادة الحقوق المغتصبة للمملكة من أراضي ومياه.
وفق هذا السياق، وفي قراءة وتحليل البعد القانوني للمعاهدة، قدمها الخبير القانوني ووزير العدل الأسبق، د. إبراهيم العموش، قال إن “المعاهدة تحمل أبعاداً سياسية تمت تغطيتها قانونياً، وهو أمر طبيعي في هذا النوع من المعاهدات، وذلك حفاظاً على مصالح الأردن واستقرارها، منعاً من التغيير والتلاعب، خاصة في ظل العديد من الظروف والتحديات الدولية والإقليمية والداخلية المقلقة وباستمرار”.
ورأى العموش خلال اللقاء الحواري الذي عقدته النهضة العربية (أرض)، بعنوان: “معاهدة السلام في الميزان: قراءة قانونية”، في إطار برنامج القضية الفلسطينية وضمن متابعة وتوثيق تطورات الحرب في فلسطين، الثلاثاء 16 كانون الثاني/ يناير 2024، أن للأردن مصالح متعددة في هذه الاتفاقية، وحاول أن يحققها ويحافظ عليها من خلال هذه المعاهدة، عبر السنوات.
ولفت الوزير الأسبق إلى أن المعاهدة بين الجانبين لا يمكن قراءتها دون سياقها التاريخي والسياسي، مبيناً أن أكثر ما حققه الأردن من خلال هذه المعاهدة ترسيم الحدود لحفظ أكبر قدر من الثروات الوطنية، ومنع النزوح وتحريك السكان، والحصول على حصتنا من المياه، والوصاية على القدس، وصولاً إلى ملف إعادة أراضي الباقورة.
وتساءل العموش “ماذا لو قرر الأردن إلغاء المعاهدة؟”، يقول: “لإسرائيل مصلحة كبيرة للتخلص والتنصل منها لأنها أصبحت ملزمة وفق القانون الدولي، وخصوصاً في قضية التهجير، أما دولياً فإن المعاهدة أعطته قوة قانونية وشرعية أمام دول العالم للحديث والدفاع عن القضية الفلسطينية، وأيضاً إلزام الطرف الآخر في كثير من القضايا”.
ورأى أن أن إلغاء المعاهدة سيجعل من إسرائيل تتمدد وتتوسع قانونياً، بحسبه، إذ يؤكد كذلك أن المعاهدة مكنت الأردن من خدمة القضية الفلسطينية وحققت له مصالح أبرزها الكشف عن الحدود الشرقية الحقيقية مع إسرائيل وتزويد الأردن بنحو 50 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، وإعادة أراضي الباقورة للسيادة الأردنية والتي تم الاتفاق على تأجيرها للجانب الإسرائيلي لمدة 25 عاماً منذ عام 1994.
وأكد المحامي العموش خلال مداخلات المشاركين في اللقاء أن إسرائيل قامت بخروقات لأحكام المعاهدة والتضييق على الأردن كلما أتيحت لها الفرصة، وأهمها خرق المادة التي تتحدث عن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، واغتيال القاضي رائد زعيتر، وغيرها.
وأشار إلى أن للأردن حسابات في التصدي لهذه الخروقات، إما عن طريق تفعيل أحكام المعاهدة ذاتها، أو عبر طلب للمشاورات، أو حتى اللجوء إلى التفاوض. وفي حال تعسر أي من هذه الإجراءات فإن له دوماً الحق باللجوء إلى التوفيق أو التحكيم، كما نصت المادة 29 من المعاهدة.
فيما تباينت آراء المشاركين في اللقاء بين رافض ومؤيد للمعاهدة، مؤكدين أنه حتى لو كان هناك مصالح أردنية وراء التوقيع؛ فالرسالة الإعلامية غير كافية لإقناع الناس، وهو ما يستدعي أن يكون الخطاب الرسمي الداخلي والخارجي واضحاً في القضايا الوطنية، مع ضرورة سد فجوة الخطابات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وصولاً إلى إيجاد فكر وطني أردني في المواجهة المستمرة مع الطرف الآخر، فضلاً عن أن الشارع الأردني بات لا يأبه بالمصالح التي -برأيهم- لا توازي حجم التضحيات للشعب الفلسطيني، والتهديد الدائم لاستقرار الأردن ومنعته.
ورأوا أن الاحتلال استفاد من معاهدات السلام مع دول عربية ليحقق مطامعه في أراضينا، ومن المهم استخدام هذه المعاهدات لردعه إن كان وجودها لا بد منه، مثمنين مشاركة
خبراء ومسؤولين سابقين للتحاور مع مؤسسات المجتمع المدني والشباب في هذه القضايا المصيرية وتوضيحها، “إذ لا بد من الانفتاح والسعي للتضامن المجتمعي”، وفقاً للمشاركين.