في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانونين يهدفان إلى حظر عمليات ومهام وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في جميع أنحاء فلسطين المحتلة. تدين الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية بشدة اعتماد هذا التشريع، ذلك أنه يمثل مرحلة مهمة أخرى في المحو المؤسسي الاستيطاني الاستعماري الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد فلسطين وشعبها.
ويأتي هذان القانونان كتتويج لعقودٍ من الهجمات الإسرائيلية الساعية إلى تفكيك الأونروا، وممارسات النهب للخدمات الأساسية التي تقدمها الأونروا في جميع أنحاء فلسطين كما تقطع قنوات الاتصال لأي تنسيق ممكن مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي. بالنسبة لـ 2.2 مليون فلسطيني في غزة، سيؤدي هذا إلى تفاقم حاد للظروف المأساوية التي خلقتها أعمال الإبادة الجماعية الإسرائيلية الموثقة. أما بالنسبة لـ 1.1 مليون لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ستسرع هذه القوانين من تدهور ظروف حياتهم والضغوطات التي يتعرضون لها على نحو ملحوظ. يعد هذا التهديد وجودياً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، كما أن عرقلة عمل الأونروا في جميع أنحاء فلسطين المحتلة يهدف إلى تعزيز هدف الإبادة الذي تسعى إليه دولة لاحتلال الإسرائيلي والمتمثل في تدمير الشعب الفلسطيني.
كما يتزامن سن القانونين مع الهجوم الإسرائيلي المكثف الحالي على غزة، فبعد أكثر من عام من الإبادة الجماعية المستمرة، يعاني شمال غزة من حصار مشدد لما يزيد عن 30 يومًا، مما أدى إلى زيادة النقص المتعمد في الغذاء والرامي لتجويع السكان فيه. وقد أسفر القصف المتواصل عن مذابح متعددة، ومقتل المئات وإصابة الآلاف الذين يعاني العديد منهم جروحًا مصيرية، كما تُرك عدد غير معروف من السكان للموت تحت الأنقاض. وقد أدت هذه الهجمات إلى تعطيل جميع المستشفيات وخروجها عن الخدمة. وفي الوقت نفسه، كثفت إسرائيل عملياتها في بقية فلسطين المحتلة، حيث أصبحت مستويات العنف المتصاعدة حقيقة يومية، بدءًا من التهجير القسري، والتوغلات العسكرية القاتلة وهجمات المستوطنين، إلى الاعتقال الجماعي وممارسة التعذيب على نطاق واسع، وتدمير المنازل والممتلكات، وحرمان السكان من إنتاج الغذاء.
ومن الجدير بالذكر، أن تصرفات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تعكس الممارسات التي نفذتها في غزة، ففي الشهر الماضي، قُتل أكثر من 2300 مدني، ونزح 1.9 مليون شخص، واستُهدفت المستشفيات والصحفيون والعاملون في مجال الرعاية الصحية على نحو ممنهج.
هذا ولقد أدى إنشاء إسرائيل بين عامي 1947 و1949 إلى حدوث النكبة، وتبلور عنه مشروع ممنهج للتطهير العرقي وإبادة الشعب الفلسطيني، ما أسفر عن وقوع المذابح فضلًا عن الطرد القسري الذي تعرض له 750 ألف فلسطيني إلى المنفى أو الشتات. وعليه، تم تأسيس الأونروا في عام 1949 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وجرى تفويضها لتقديم المساعدات الإنسانية وحماية الحقوق الفلسطينية إلى أن يتم التوصل إلى “حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين”. في حين يتمتع اللاجئون الفلسطينيون بحق غير قابل للتصرف في العودة إلى وطنهم، إلا أن إسرائيل، ومنذ تأسيسها تؤكد وبشكل سنوي رفضها لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 والذي أقرته في عام 1948 والقاضي بحق العودة لـ 750 ألف فلسطيني ممن هجرتهم قسرًا خلال النكبة، إلى جانب أحفادهم، ممن يتجاوز عددهم الآن 9 ملايين لاجئ فلسطيني أجبروا على العيش خارج وطنهم. ويكمن الهدف الأساسي وراء الهجمات الإسرائيلية ضد الأونروا في منع اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة هذا الحق، ذلك أنه يمثل تحديًا أساسيًا للأهداف غير القانونية التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها، ما ينطبق خاصة على غزة، إذ إن 80% من الفلسطينيين هم من اللاجئين أصحاب المطالبات القانونية المبررة بمنازلهم وأراضيهم في فلسطين، داخل ما يسمى “الخط الأخضر”.
وبالتالي، يعد قرار الحظر الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي على الأونروا جزءًا من المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي الساعي إلى إنشاء “إسرائيل الكبرى”، وتوسيع سيطرتها على جميع فلسطين التاريخية وما يتجاوزها، مع محو وجود السكان الأصليين الفلسطينيين.
هذا، وتظل الأونروا المنظمة الوحيدة المجهزة لتقديم المساعدات الإنسانية الأساسية وخدمات الإغاثة للفلسطينيين، وخاصة في غزة، خاصة خلال هذه المرحلة الحرجة في تاريخ فلسطين من التهجير الاستعماري. وفي الوقت نفسه، يتطلب الوصول لحل عادل لمسببات هذه الإبادة المستمرة معالجة الأسباب الجذرية والتي أدت لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم وهو الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. ومن الضروري في هذا الخصوص أن نتجاوز مجرد التعامل مع القضية الفلسطينية بوصفها أزمة إنسانية من الواجب إدارتها إلى الأبد. ويتعين على المجتمع الدولي أن يأخذ في الحسبان الإرث الاستعماري الذي مكن دولة الاحتلال الإسرائيلي من إنشاء مستعمرة استيطانية في عام 1948 وشجع توسعها حتى يومنا هذا. ولم يكن هذا ليحدث لولا الدعم السياسي والعسكري والمالي الخارجي غير المحدود الذي منح إسرائيل حصانة فعالة من العواقب المترتبة على أفعالها غير القانونية.
إن التشريع الجديد ينتهك المادة 105 من ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2730 الصادر في أيار/مايو 2024 بشأن حماية العاملين في المجال الإنساني والأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإنه يتحدى حكم محكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اللاحق الذي دعا إلى انسحاب دولة الاحتلال الإسرائيلي من هذه المناطق بحلول أيلول/سبتمبر 2025. ومن خلال تبني هذه القوانين، انتهكت دولة الاحتلال الإسرائيلي التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتي حثت الاحتلال الإسرائيلي على وقف جميع أفعالها التي تخلق ظروفًا معيشية تهدف إلى تدمير المجموعة الفلسطينية التي تتمتع بالحماية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الملائمة دون عوائق إلى غزة. ومن خلال حظر الأونروا، لا تترك دولة الاحتلال الإسرائيلي أي شك في أن نيتها هي محو الفلسطينيين كشعب.
من جهتها، ترحب الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية بالإدانة العالمية لقرار حظر الاحتلال الإسرائيلي للأونروا. وفي الوقت نفسه، فإنها تحث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الخاصة على اتخاذ إجراءات ملموسة، وفورية وعملية لوضع حد للمشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، بما يستلزم زيادة الدعم المالي والسياسي للأونروا، وتعليق عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتخاذ تدابير سياسية، ودبلوماسية واقتصادية فعالة ضدها، مع وضع حظر الأسلحة المتبادل على رأس الأولويات الواضحة.