“الأرض بتتكلم عربي.. الأرض، الأرض”، لعل هذه الكلمات التي عاصرها جيلٍ وراء جيل، وخطها “شيخ الملحنين”، المصري سيد مكاوي، تقارب العنوان الذي اختارته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) هذا العام؛ للاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية الذي يصادف 18 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام.
ومنذ خمس سنوات، تحتفي منظمة النهضة العربية (أرض)، بهذا اليوم، عبر إقامة ندوات حوارية استضافت خلالها أستاذ علم الحاسوب في جامعة بيرزيت مصطفى جرار، والمفكر اللبناني رمزي البعلبكي، أو عبر إطلاق أفلام مصورة، كما في هذا العام، باعتبار أن “اللغة العربية هي أساس النهضة”.
واختارت المنظمة أن يكون عنوان فيلمها لهذا العام تحت مسمى “الأرض تورث كاللغة”، وهو سطر شعري من قصيدة “مأساة النرجس، ملهاة الفضة” للشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش.
وكلغة هي أصل الأشياء، ويتحدث بها أكثر من نصف مليار إنسان حول العالم، حثت المنظمة عبر الفيديو المصور الذي هو نتاج اللجنة الثقافية لشبكة شباب النهضة، وقام بتمثيله وتنفيذه الفنان الأردني، زهير النوباني، الشابات والشباب، الاعتزاز بلغتهم العربية التي هي أساس التجديد والتحرر من الانغلاق والجمود ومن الأزمات المزمنة التي تفتك بالعالم العربي.
ورغم اختلاف طرق الاحتفاء والتعبير في هذا اليوم، إلا أن الغاية واحدة، وهي فتح الحوار وإثارة الفضول لدى الجيل الجديد بالتعرف على لغتهم العربية، التي هي جزء من الثقافة العربية والحركة الفنية. فـ”الفنان ووسائل الإعلام المختلفة ومعاهد التعليم والمجتمع المدني” مطالبون اليوم بتعريف الناس والأجيال القادمة بجمالية هذه اللغة السامية.
فلماذا نحاول الهروب من لغة هي الأكثر غزارة من حيث التعبيرات والكلمات، بل وواحدة من أقدم اللغات على سطح الأرض وأكثرها فصاحة وبلاغة وقدرة على التصوير والدلالة؟
تحديات وتهديدات عديدة أصابت عصب “لغة الضاد”، ليس أولها نظم التعليم التي لم تعد تعطي لعربية اهتماماً كما كان الأمر سابقاً، فأصبح جيل الشباب بالوقت الراهن يعانون من مشكلات كبيرة في القراءة، وأصبحت الأخطاء واضحة في الكتابة والتعبير.
بل إن بعض أبناء جلدتنا بات يتفاخر ويتباهى بأن أبناءهم لا يعرفون اللغة العربية، لكونهم يتعلمون بمدارس عالمية، فضلاً عن إدراكهم الضيق بكينونة اللغة العربية، وتفضيل اللغات الأجنبية الأخرى على لغتنا العربية، متناسين أنها لغة متطورة وشاملة بلهجاتها وتنوعها.
بالمحصلة، لا يكفي أن نقول إن الأمم المتحدة اعتبرتها لغة أساسية في منابرها، وكرست يوم الثامن عشر يوماً عالمياً للاحتفاء بها، فكل ذلك يبقى ناقصاً ما لم يقترن بالكلام على جمال اللغة العربية كلغة منطوقة مكتوبة. فهي تنفرد بجماليات لا تضاهيها أي جماليات في لغات أخرى.
حقٌ علينا تجديد اللغة العربية وكسر جمودها؛ فالمتذوق لها يحار من أين يبدأ! ولا يمكن لنا، كشعوب عربية بعد اليوم، أن نرتقي ونتقدم إلا إذا حافظنا عليها، فلكل أمة أسلحتها وذخيرتها ورصيدها من المقدرات التي تباهي الأمم، ونحن مصدر قوتنا يكمن في اعتزازنا بلغتنا، فهي الهوية والسلاح والنهضة وعنوان الوحدة والتضامن!