في كل عام، ورغم سيل الرسائل التي تبثها وزارة التربية والتعليم لطمأنة الطلبة وذويهم وتعزيز الأجواء الإيجابية لديهم، بأن امتحانات الثانوية العامة “عادية” وأسئلتها نابعة من المنهاج المدرسي، إلا أن محاولات الطمأنة تلك سرعان ما تتبدد بسبب ما ارتبط بالذاكرة المجتمعية عن امتحان التوجيهي ورهبته.
وخلال الأعوام الأخيرة الماضية، وبحسب تربويين، وقعت تحولات اجتماعية وتعليمية واقتصادية عميقة غيرت من شكل امتحان التوجيهي بشكله الحالي لأسباب موضوعية ومتعددة. في هذا السياق، و لتبادل الخبرات والمعارف فيما يخص هذا “الامتحان المصيري”، والتوقعات المجتمعية للنتائج، وكيف يمكن للطلبة والأهالي التحضير له، والنظر في سبل التحسين والتطوير، جاء اللقاء الحواري: “التوجيهي والتوقعات المجتمعية” الذي نظمته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الإثنين 7 آب/ أغسطس 2023، ضمن سلسلة حوارات التحالف الوطني لمستقبل التعليم في الأردن – نافع، وبحضور عدد من ممثلي قطاع التعليم والمجتمع المدني والطلبة والمهتمين العاملين في هذا المجال.
وأوضح مدير إدارة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم، د. محمد كنانة، أنه عبر سنوات طويلة اكتسب العاملين في الوزارة خبرات تراكمية، ساهمت في إحداث تغيرات جوهرية على امتحان الثانوية العامة الذي ما يزال يحافظ على سمعته محلياً وعربياً، مبيناً أن شكل الامتحان سيشهد خلال الفترة القادمة تغيراً جذرياً وجوهرياً.
وعن جديد امتحان التوجيهي خلال الفترة المقبلة، كشف كنانة أن التقدم لامتحان الثانوية العامة سيكون على سنتين، جزءا منه سيقدم في الصف الحادي عشر، والثاني في الصف الثاني عشر، موضحاً أن النظام سيطبق بدءا من العام الدراسي 2024 /2025، وفي السنة الثانية بعد أن يكمل الطالب دراسة مواد الصف الثاني عشر سيتقدم بمباحث تخصصية.
وبحسب كنانة، لم تكن هذه الدورة مختلفة عن سابقاتها، حيث أفادت تقارير اللجان الرقابية، أن الامتحان سار بطريقة “آمنة وموضوعية ودقيقة”، وجاء ضمن جداول المواصفات والمستويات المعرفية المعتمدة من قبل الوزارة، بل وكان أقرب إلى “السهولة من الصعوبة”.
وحول تناقل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن وجود أخطاء عديدة في الامتحانات، أكد كنانة أن الخطاً العلمي الوحيد وجد في “مبحث الرياضيات”، ولم يكن هناك أخطاء في المباحث الأخرى مثل الكيمياء والفيزياء والانجليزي، وما أشيع كلام غير دقيق، لافتاً إلى أن مرجعية الوزارة الكتاب فقط ولا غيره.
ورأى أن “المشكلة الأعظم” التي تواجه طلبة الثانوية، تتمثل في الانجرار وراء المنصات التعليمية المختلفة التي باتت تقدم لهم مواداً تعليمية تحمل وجهات نظر مختلفة، فهناك مدرسة “تسخف” المنهاج المدرسي، مما يعني “الضحك على الطالب وتغليب عواطفه”، ومدرسة أخرى تعقد المنهاج وتسبب للطلبة الضياع والإرهاق النفسي.
وانتقد كنانة بعض تصرفات وسائل الإعلام خلال تغطيتهم لوقائع امتحانات التوجيهي، مشدداً على أهمية استمزاج وجهات النظر بطريقة محايدة وحقيقية، معتبراً في هذا السياق أن الطالب حينما يتحدث إلى الإعلام ينقل تجربته الشخصية فقط، وهنا، لا يجوز تعميم هذه التجربة على الجميع.
وفي نظرة تقييمية لامتحان التوجيهي، ذهب خبير القياس والتقويم في الجامعة الأردنية، د. جهاد العناتي، إلى أن التوجيهي عبر التاريخ يثير ضجة وصوت مرتفع، مشيراً إلى أن هذه الاختبارات تسير منذ الستينيات وفق خطوات علمية ومنهجية تتوافق مع التعليم الجامعي الأردني، منبهاً أن ما يثار من فوضى حول الثانوية العامة ليس جديداً وغير مستغرباً.
من ناحيته، تحدث طالب التوجيهي من محافظة الطفيلة، جواد الجرادين، عن صعوبة امتحان الرسم الصناعي وعدم وجود مساحة واسعة ومتخصصة في مدرسته، مطالباً وزارة التربية والتعليم ضرورة دراسة أوضاع المدارس في المحافظات البعيدة والمناطق الأقل رعاية وتأمين احتياجات طلابها.
أما طالبة توجيهي، سلمى صادق (من اليمن)، فأشارت إلى مشكلة تخوف الطلاب المسبق من الامتحانات، كما تطرقت إلى معاناة اللاجئين بشراء الكتب الدراسية من خارج المدرسة وبرسوم مرتفعة، مطالبة بإنهاء هذا التحدي.
فيما جرت نقاشات واسعة بين المشاركين في اللقاء الذي أدارته مستشارة برنامج التعليم في منظمة (أرض)، د. أسيل الشوارب، حيث تم التأكيد على ضرورة إصدار تشريع لضبط المنصات التعليمية في المملكة، والتركيز على الأثر النفسي للطلبة، ومراجعة الأنظمة التعليمية بشكل دوري، فضلاً عن تخصيص مركز حكومي معتمد لتشخيص حالات صعوبات التعلم، مع التنبيه على ضرورة أن يكون هناك متابعة ومراقبة مستمرة للعملية التعليمية، وتوفير الإمكانيات، خصوصا فيما يتعلق بالتعليم المهني والتقني الذي يحتاج إلى كوادر مؤهلة وإمكانيات مادية كبيرة، والعمل على توفيرها في المدارس الحكومية في محافظات المملكة، وصولاً إلى تنظيم العلاقة بين الأسرة والمدارس، وعقد لقاءات دورية لمناقشة القضايا التي تخص التعليم بالشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.