لا يختلف اثنان على أن الحق في الصحة من أهم حقوق الإنسان الأساسية، لأنه يرتبط ارتباطاً مباشراً بسلامة الأفراد والمجتمعات وأمنهم. لكن هذا الحق في الأردن ما زال يقف عند مفترق طرق، بسبب أوجه القصور الهيكلية، وعلى رأسها عدم وجود نص دستوري يضمن حق المواطن في الرعاية الصحية، فلم ينص الدستور الأردني على حق المواطن في الصحة.
ونظراً لأهمية دور المجتمع المدني في إسماع صوته فيما يخص الحق في الصحة كحق من حقوق الإنسان الأساسية، والحاجة إلى نظام صحي شامل، وفي إطار جهود تعزيز ثقة الجمهور في قطاع العدالة وضمان وجود التشريعات الناظمة للحقوق والواجبات وآليات تطبيقها والرقابة عليها، عقد منتدى دعم قطاع العدالة والذي يعمل تحت مظلة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بالشراكة مع مؤسسة درة المنال للتنمية والتدريب، جلسة لمناقشة “الحق في الصحة في سياق رؤية التحديث الاقتصادي”، التي انبثقت عن مخرجات ورشة العمل الاقتصادية الوطنية التي عقدت في الديوان الملكي في الأردن، بموازاة مبادرة تحديث الإدارة العامة التي أطلقها مكتب رئيس الوزراء شهر حزيران الماضي.
وتحدث في الجلسة التي عقدت الأحد 3 تموز/يوليو 2022، في مقر منظمة النهضة العربية (أرض) اثنان ممن شاركوا في إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي وهما: المديرة التنفيذية لمجلس اعتماد المؤسسات الصحية، سلمى الجاعوني، والخبير والمختص في الرعاية الصحية الأولية وطب الأسرة، ومستشار منظمة الصحة العالمية، الدكتور محمد رسول الطراونة، وجاءت الجلسة في إطار اجتماعات مجموعة الحق في الصحة العامة، والتي تشمل ممثلين ونشطاء من القطاع القانوني والطبي، والمكلفين بمتابعة التطورات وقرارات السياسة المتعلقة بالحق في الصحة، مع تركيز خاص على تعزيز المبادرات التشريعية المتعلقة في هذا الحق من منظور المجتمع المدني.
ميسرة الجلسة الدكتورة سوسن المجالي، الشريك المؤسس لدرة المنال للتنمية والتدريب، قالت: إن الحديث اليوم يأخذ منحى آخر من شأنه أن يلعب دوراً كبيراً في تحديث القطاع الصحي ضمن مسار تحديث الرؤية الاقتصادية. معربة عن أملها بأن يؤخذ تقرير اللجان المعنية بتطوير القطاع الصحي على محمل الجد، وأن لا يكون مصيره كمصير المحاولات السابقة التي لم تر النور وظلت حبراً على ورق. وأكدت على أهمية الحوارات بين القطاعات المختلفة، وتشاركيتها لضمان شمولية الإصلاحات وبناء التفاهمات، حتى لا تصطدم الطروحات بعائق غياب التنسيق والحصول على المعلومات من جميع الجهات المعنية، خصوصاً في غياب الأبحاث المعنية بهذه التغيرات المطلوبة.
“الصحة عملة ذات وجهين: الأول، جودة الخدمات المقدمة ونوعيتها وسهولة الوصول إليها؛ والوجه الثاني، أن القطاع الصحي ليس سياحة علاجية أو أرباح فقط، فهو يؤمن الوظائف لشريحة كبيرة من الناس” هذا ما قالته الجاعوني، التي أكدت أن أصعب ما واجههم عند الحديث عن تطوير القطاع الصحي ضمن رؤية التحديث الاقتصادي تمثل بتحديد مشاكل هذا القطاع ثم الانتقال للحلول وطرق تطبيقها، فقد كانت المعاناة كبيرة جداً في التوافق على المشاكل.
وفي عرضها لمشاكل القطاع الصحي التي تم تحديدها، أكدت الجاعوني بأنهم حصروها في 8 محاور: حوكمة القطاع الصحي الأردني؛ والمشاكل المتعلقة بالموارد البشرية؛ ومخرجات التعليم ومدى موافقتها لمخرجات التعليم العالمية؛ وطريقة تقديم الخدمة؛ والتمويل؛ وتكنولوجيا المعلومات وكيفية استغلالها بالطريقة الأفضل؛ وضرورة حوكمة وتنظيم قطاع الصيدلة؛ وتحديد الأسباب التي أدت إلى تراجع السياحة العلاجية؛ وعدم التفاعل مع المجتمع المحلي والإصغاء لصوت المريض. أما المبادرات التي طرحت لتطوير القطاع الصحي في سياق التحديث الاقتصادي، فتمثلت -وفقاً للجاعوني- بمجلس صحي عالي يترأسه شخص أعلى من العاملين بالقطاع الصحي، وله مقومات واضحة ذات علاقة بالجودة، مع تزويده بالدراسات والاستراتيجيات اللازمة، إضافة إلى التركيز على صحة الأسرة، وإعادة النظر بالتعليم العالي في مجال التخصصات الصحية، وقياس الجودة، وتكامل الصناديق الصحية، والاهتمام بالصناعات الدوائية وتعزيزها.
الدكتور الطراونة لم يخف تفاؤله بأن يصبح القطاع الصحي ملبياً لطموحات المواطنين، لا سيما مع الضمانات الملكية الواضحة، وقد وردت في محركين من محركات رؤية التحديث الاقتصادي ولم تنفصل عن باقي المحركات كونها تتأثر بها أو تؤثر عليها، مضيفاً أن المبادرات منتقاة بعناية فائقة وسيكون لها الأثر الكبير على المدى القريب والبعيد مما يسهم في تغيير شكل النظام الصحي للأفضل من خلال تعزيز الرعاية الصحية الأولية.
وفيما يخص مشاكل القطاع الصحي التي ينبغي العمل عليها، بين الطراونة أن المشكلة ليست في الموارد البشرية وعدد المراكز الصحية أو الإنفاق على الصحة، فالأردن ينفق على الصحة ما نسبته 8% من موازنة الدولة وهذا الرقم يعادل ما تنفقه دول الاتحاد الأوروبي، لكن المشكلة في الخدمات المقدمة، وفي استغناء الناس عن المراكز الصحية والذهاب للمستشفيات مما يسبب الضغط عليها، إضافة إلى عدم وجود نظام صحي جاذب للأدمغة الأردنية من ناحية الموازنة، مما يجعلها تفضل العمل في الخارج.
فيما اتفق المتحدثان على أن رؤية التحديث الاقتصادي هي منقذ القطاع الصحي إن توفرت لها خطة تنفيذ وفريق مؤهل مع ضرورة استدامة العمل بها بعيداً عن تغيير الحكومات، والسير بها خطوة بخطوة مع تحديث القطاع العام، وتعزيز المساءلة والمسؤولية سواء للقطاع الصحي العام أو الخاص، عن طريق التعاون مع الجهات المختصة بالقطاع القانوني والقضائي.
وأكد الحاضرون على ضرورة وجود المجتمع المدني في وضع الخطط والاستراتيجيات، وعدم إغفال الفجوة الموجودة بين القطاعين القانوني والصحي خاصة فيما يتعلق بالأخطاء الطبية، وإعادة النظر بالتشريعات الناظمة للعمل الصحي، وضرورة التأسيس لهذا الحق بالدستور، رغم أن المتحدثين بينا أن الرؤية لم تنص على هذا الحق صراحةً وباعتقادهما أنه يندرج حكماً تحت بند الحوكمة المطلوبة للقطاع وتحسين جودته، بالإضافة أن الأردن وقع على العديد من المعاهدات والوثائق الرسمية الضامنة لهذا الحق، لكن لا يوجد ما يمنع ليكون جزءاً من الأمور التي تطرح على أجندة الإصلاح الدستوري المطلوبة. وخلصت الجلسة إلى ضرورة استمرار الحوار وتحليل هذه الرؤية لتقصي الفرص ودعمها، والكشف عن التحديات في تنفيذها والعمل عليها، ورفع التوصيات بذلك للمعنيين وضمان المتابعة عليها من قبل الجهات المعنية.