“أزمة فيروس كورونا الحالية التي يواجهها العالم أبرزت ضرورة استقلال الدولة واكتفائها الذاتي، وأهمية صمودها من حيث توفير المواد الغذائية الأساسية.” وفقاً للعين د. سوسن المجالي التي قدمت وأدارت جلسة منظمة النهضة للديمقراطية والتنمية (أرض) السابعة يوم الخميس 28 أيار2020، تحت عنوان “الزراعة والتقنيات التكنولوجية والحماية الاجتماعية: تحديات وفرص “ضمن سلسلة حوارات المنظمة الإقليمية لواقع الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية.
حيث ركزت هذه الجلسة والتي ضمت كل من الأستاذ الدكتور عودة الجيوسي، رئيس قسم الابتكار وإدارة التقنية، جامعة الخليج العربي في البحرين، والأستاذ ربيع زريقات، مؤسس ورئيس جمعية مبادرة ذكرى للعمل المجتمعي التشاركي، وصاحب مشروع الهوية الموسيقية، وسعادة ضحى عبد الخالق عضو مجلس الأعيان الأردني، وأحد مؤسّسي شركة أسكدنيا للبرمجيات، على ضرورة البحث في الموارد التقليدية وفرصها مثل قطاع الزراعة المحلية، والابتكار والتجديد به، إضافة للاستفسار عن الموارد غير التقليدية والحديثة التي يتم الترويج للاستثمار بها بشكل أكبر والمتمثلة بالحلول الصناعية والتكنولوجية لمواكبة تطورات السوق الخدمي، والحد من البطالة بتوفير هذه الكفاءات، وتلبية الاحتياجات الصحية والتعليمية والاجتماعية عن طريق التقنيات التكنولوجية.
وفيما يخص الابتكار وأهميته في ظل معاناة الأردن والمنطقة العربية من تحديات مرتبطة بالماء، والطاقة والغذاء، إذ يبلغ العجز الغذائي ما نسبته 50 بالمئة في العالم العربي، الأمر الذي يستدعي مقاربة إقليمية متكاملة. أكد الدكتور الجيوسي “على وجود السابحين عكس التيار خلال الأزمات، مما يخلق فرصة للتجدد والابتكار”، مضيفًا بأن الثقة بالمستقبل هي أساس الابتكار ونهضة البلدان. وفيما يتعلق بمحاور تحسين الابتكار في الزراعة، فهي تتكون من عدة عد عناصر تشمل: تحسين كفاءة الري بما يوفر في الموارد بشكل هائل، وزيادة إنتاجية المحاصيل، إذ وبحسب المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة والأراضي القاحلة (إيكاردا)، فإن إنتاجية المحاصيل في العالم العربي تقارب 1000 كيلو جرام في الهكتار الواحد، مع وجود إمكانية رفعها إلى 4 أضعاف. إضافة لأهمية زيادة تحسين إنتاجية المياه، من حيث الزراعات المحمية والبذور المحسنة، وتقليص خسائر ما بعد الحصاد، أو فاقد ما بعد الحصاد والذي يقدر ببلايين الدولارات، مع الاهتمام بزيادة الكفاءة في سلسلة الموارد والقيمة.
في الحديث عن دور التكنولوجيا وضرورة الالتفات إلى عدم اتساع الفجوة الرقمية التي أظهرتها هذه الأزمة لتنضم إلى باقي الفجوات كالفقر، والصحة والتعليم. قالت العين عبد الخالق “أن الأزمة خلقت فرصة ممتازة لإعادة هندسة الإجراءات من جديد وذلك من خلال توظيف الأدوات التكنولوجية”. وبحسب عبد الخالق، فقد خلقت جائحة كورونا فرصة للتفكير موسعًا بمجالات التصدير، والتصنيع، والملكية الفكرية، وبراءة الاختراع، مع تفعيل دور الوسيط الإلكتروني للتشبيك مع أصحاب المصلحة، ونقل الأعمال والمشاريع إلى الإنترنت. من حيث استخدام المحفظة الإلكترونية للعمليات المالية، والتجارة الإلكترونية، مما يعزز من وجود الطبقة المتوسطة، وتمكين الأعمال الصغيرة نحو الرفاه الاجتماعي. ومع ذلك، وبالرغم من أن المؤشرات الأساسية تدل على انخفاض أسعار التقنية الرقمية، وتناقص رسوم الاشتراك في الإنترنت بشكل عام، لا بد من التنبه والتأكيد على أهمية توفير البنية التحتية الرقمية اللازمة للجميع وتمكينهم من خلال المهارات اللازمة للتعامل معها والاستفادة منها للمضي قدماً.
وفيما يخص العودة إلى الزراعة ومحاربة تغييبها وإدماجها في العملية التعليمية والتنموية، وأهمية وجود توجه وإرادة لتحقيق سيادة الغذاء. أكد زريقات، “ينبغي التفريق بين “الأمن الغذائي والسيادة الغذائية”، إذ أن استيراد الغذاء بكميات كافية لا يجعل للدولة سيادة عليه” وأضاف بأن وجودنا اليوم يعود لأجدادنا الذي استطاعوا خلق منظومة مستقلة من مواردهم المحلية مع الحرص على استدامتها.
وبحسب الفاو، يأتي %70 من الغذاء من مزارعين ذي حيزات صغيرة أو صغار المزارعين القادرين على خلق منظومة حياتية نظيفة، تحمي البيئة والصحة. إلا أن تغيّر منظومة الزراعة في الأردن، والتركيز على التصدير فقط أبقى على فقر المجتمعات، مع قولبة الغذاء وتغيير أنماط الشعب الغذائية، وتفتيت الملكيات بسبب إنشاء المدن وفتح شوارع رئيسية في مناطق زراعية معروفة، الأمر الذي أدى لتفضيل الوظيفة على الزراعة لارتباط الاقتصاد بالوظيفة الحكومية والعسكرية، وزيادة نسب البطالة لإهمال الاشتغال بالأرض على حساب التنافس على فرص وظيفية.
ولتجاوز هذه المعضلة، ذكّر زريقات بضرورة وجود مشاريع لتشجيع الزراعة البيتية وزراعة الشرفات، وإنشاء مشاريع لزراعة الحارات باستغلال أراضيها من قبل السكان، مع التذكير بأن الزراعة في بلادنا لطالما احتوت على قيم تشاركية مثل العونة (التعاون)، وأغاني الفلاحة والحصاد.
ختامًا، نبّه المتحدثون إلى أن الأزمة خالفت كل ما سبق إذ أظهرت أن المزارعين كانوا العنصر الأقوى خلالها، وحذروا من استمرارية تغييب الزراعة وعدم إدماجها بالعملية التعليمية ودعوا إلى تركيز المدارس مثلًا على تعليمها للطلاب كنشاط حياتي أساسي ومستدام. كما أجمعوا على ضرورة الاستثمار في التعليم والتقنية مع خفض كلف التكنولوجيا، والإنفاق علي البحث العلمي مع ربطها بالتنمية المستدامة، والتعاون المحلي والإقليمي فيما يخص الابتكار، وتطوير الثروات الزراعية والحيوانية، واستغلال الموارد والطاقات البشرية وخاصة الشابة منها، في تحقيق الاكتفاء الذاتي والتنوع الحيوي والبيئي. مشددين على وجوب تكامل كافة القطاعات الحكومية والمدنية وغيرها، لتحقيق اقتصاد ممكّن يحقق العيش الكريم ويقلص من الهشاشة الاجتماعية.