تدين الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية بشدة الاعتداءات الجوية والبرية المتكررة والتي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على مخيم جنين للاجئين، وكان آخرها في 3 تموز/يوليو 2023. أدى استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي المتعمد والعشوائي للقوة المميتة إلى مقتل 11 فلسطينيًّا إلى الآن، من بينهم ثلاثة أطفال، كما خلف مئات الجرحى وآثارًا جسيمة في البنية التحتية للمخيم.
كما وتدعو الشبكة إلى تنفيذ الانتشار الفوري لقوة وقائية على الأرض لكبح تصاعد العنف في فلسطين المحتلة وحماية السكان الفلسطينيين. وبما أن الفيتو الأمريكي قد يعرقل أي قرار بشأن عملية حفظ السلام صادر عن مجلس الأمن الدولي، فإننا نحث الأمم المتحدة على إعادة توزيع وجودها الدولي في فلسطين المحتلة مثلما فعلت الأونروا حين نشرت “موظفي شؤون اللاجئين” خلال الانتفاضة الأولى، إذ تمركز جزء من موظفيها الدوليين خلال هذا البرنامج حينها في أماكن حساسة تحديدًا لتوفير درجة من الحماية للشعب الفلسطيني والتمسك بمعايير القانون الإنساني الدولي.
إن معاملة المجتمع الدولي الاستثنائية للاحتلال الإسرائيلي وإفلات هذا الأخير من العقاب لا يؤديان إلا إلى زيادة إضعاف صورة النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية القائم على سيادة القانون وحقوق الإنسان للجميع المشوهة اصلُا إضافة إلى نقض مصداقيته، بما يشمل الأمم المتحدة. يمثل السعي إلى تحقيق العدالة في فلسطين الفرصة الأخيرة لاستعادة شرعية النظام الدولي وفعاليته ويأتي عاجلًا على قمة الأولويات الحالية.
إلى جانب الخسائر في الأرواح والإصابات، تعمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحفيين، والعاملين في المجال الإنساني والمستشفيات التي يحاصرها رصاص قناصة الاحتلال الإسرائيلي حاليًّا، كما تعرضت البنية التحتية المدنية، بما في ذلك خطوط المياه وأنظمة الصرف الصحي، للهجوم. في غضون ذلك، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتجريف الطرق المؤدية إلى المخيم، وسد تلك الطرق التي لم تجرفها، الأمر الذي أعاق قدرة المسعفين وسيارات الإسعاف على إخلاء الجرحى المتبقين في المخيم ومساعدتهم، ما أجبرهم على التنقل بين مواقع جرائم قوات الاحتلال الإسرائيلي سيرًا على الأقدام في خطى بطيئة للغاية. كذلك، أُجبر أكثر من ثلاثة آلاف لاجئ، من الناجين أو أبناء وأحفاد النازحين عن منازلهم في مدن ساحل فلسطين الانتدابية في عام 1948، على الفرار من المخيم.
لجأ الفلسطينيون، حالهم في ذلك حال أي شعب يعاني قسوة الاحتلال والهيمنة الأجنبية، إلى جميع أشكال المقاومة -السلمية منها والمسلحة- لوضع حد لإخضاعهم لاحتلال غير قانوني طويل الأمد، وإعمال حقوقهم غير القابلة للتصرف. إن الحق وضرورة مقاومة هذا النوع من حالات الاستعمار الاستيطاني هو أساس إعمال الحق في تقرير المصير، المعترف به في القانون الدولي كحق غير قابل للتصرف للشعب الفلسطيني.
مثّل مخيم جنين مركزًا للمقاومة الفلسطينية الصامدة وهذه المقاومة هي تهديد بيّن لأي مشروع استيطاني استعماري. إن نزع الصفة الإنسانية عن مخيم جنين للاجئين، ووصف جميع سكانه بأنهم تهديد إرهابي جماعي -كما تجلى الأمر في التدمير غير المفهوم الذي طال المخيم في عام 2002 أثناء الانتفاضة الثانية- ما هو إلا استراتيجية طويلة الأمد يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لسحق المقاومة الفلسطينية عبر الإرهاب الإسرائيلي الممنهج الذي يهدف إلى دفع ساكني المخيم إلى الرحيل القسري عنه، وردع ظهور حركات مقاومة شبيهة، والقضاء في نهاية المطاف على أي أثر للهوية الفلسطينية في فلسطين.
وما الأحداث الحالية التي تتكشف في جنين، والتي يتردد صداها في جميع أنحاء فلسطين التاريخية، إلا محض استمرار لممارسات التطهير العرقي وسياساته البغيضة التي تبلورت خلال نكبة عام 1948 واستمرت منذ ذلك الحين، والتي يدعمها المزيد من التقنيات والاستراتيجيات المتقدمة كاستهداف المناطق السكنية المكتظة لغرس اليأس والخوف في نفوس ساكنيها، وإجبار السكان الأصليين على هجر منازلهم -أي تلك التي لم تُهدم بالفعل، كما أنها كلها أساليب وخطط لتمكين سرقة الأراضي، وتوسعة المستوطنات، ونزع الملكية عن الفلسطينيين، وتوسيع ضم الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين.
وثمة جانب آخر لم يتغير بشكل يدعو إلى شجبه منذ الأحداث التي وقعت قبل أكثر من 75 عامًا ألا وهو المعاملة الاستثنائية التي قدمها المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، للاحتلال الإسرائيلي، فما دامت انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الصارخة واليومية للقانون الدولي وحقوق الإنسان، والتي ترقى إلى مستوى جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية تمر دون أي عقاب، فإن الاحتلال سيواصل بلا هوادة تنفيذ مشروعه الاستعماري الاستيطاني، وسعيه إلى تجريد السكان الأصليين من أراضيهم ووطنهم بالقوة لتأمين قبضته بشكل دائم على كل فلسطين التاريخية.
لا يمكن النظر إلى مجزرة جنين الأخيرة بمعزل عن العنف النظامي الذي يعصف بحياة الفلسطينيين اليومية، والذي بلغ ذروته في موجات العنف المتكررة التي ابتليت بها القرى الفلسطينية في الأشهر الأخيرة، والهجمات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على قطاع غزة، الذي يعاني بالفعل حصارًا شديدًا منذ 16 عامًا، بالإضافة إلى الإصلاح القضائي الذي روجت له الحكومة الإسرائيلية الجديدة. إن هذه الأحداث كلها جزء لا يتجزأ من المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، الذي ينفذه الاحتلال من خلال تطبيق نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، فضلاً عن الاحتلال غير القانوني لبقايا الأرض الفلسطينية المُجمع عليها دوليًّا بوصفها حقًا جزئيًّا للفلسطينيين، إذ تسهم في تقرير مصيرهم من الخارج، وذلك عبر إقامة دولتهم المستقلة.
في ضوء هذا الواقع الوحشي الدائم، نحث المجتمع الدولي على:
- الإقرار بأن العنف في جنين هو نتيجة مشروع استيطاني استعماري عفا عليه الزمن، فالكيان الإسرائيلي هو المستعمر، والشعب الفلسطيني هو ذلك الخاضع للاحتلال.
- تفكيك هيمنة الكيان الإسرائيلي القمعي بوصفه قوة استعمارية استيطانية تمارس على الشعب الفلسطيني، ووضع حد لمظاهر هذه الهيمنة غير المشروعة، بما في ذلك نظام الفصل العنصري والاحتلال.
- يبدأ هذا من إعمال حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في تقرير المصير، والذي يستلزم إعمال حق العودة لجميع الفلسطينيين النازحين من ديارهم طوال الـ 75 عامًا الماضية، وذلك بوصفه شرطًا أساسيًّا مسبقًا لأي مفاوضات سياسية مستمرة وعادلة.
- متابعة إخضاع الكيان الإسرائيلي للمساءلة من خلال المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الأماكن المتاحة للمسؤولين وذلك عن ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مع ضمان حصول الضحايا على التعويضات المستحقة، وفقًا للقانون الدولي.
- تجديد ميثاق التضامن مع الشعب الفلسطيني من خلال المثابرة على السعي إلى تحقيق العدالة في فلسطين، وتبني رواية صادقة تحكي المأساة الاستيطانية الاستعمارية التي عفا عليها الزمن والتي حلت بالشعب الفلسطيني، وإسماع الأصوات والخبرات الفلسطينية في جميع المؤسسات، والخطابات العامة ووسائل الإعلام المختلفة.