حوار وطني للوصول إلى ضمان اجتماعي شامل، كان هذا العنوان العريض والأمل الكبير الذي تجدد خلال اللقاء الوطني لمنتدى سياسات الضمان الاجتماعي الشامل للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي دعت إليه منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بالشراكة مع مسارات التنمية، وجمع مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي د. حازم الرحاحلة، ومدير عام الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، ومنسقة المشاريع الوطنية في منظمة العمل الدولية جلنار الكردي، والمختص الرئيس في السياسات الاجتماعية في مسارات التنمية الدكتور ستيفن كيد.
تنامى وعي الناس بأهمية الضمان الاجتماعي بسبب ما خلفته جائحة كورونا من آثار سلبية على سوق العمل والحياة بشكل عام من بطالة وفقر وظروف معيشية صعبة، ومن هنا أتى هذا الحوار الوطني حول أسس الانتقال إلى الضمان الاجتماعي الشامل متسق تماماً مع دعوة الخبراء في هذا المجال، لمناقشة المقترحات المقدمة من المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، والهدف واضح وصريح كما جاء على لسان ميسر اللقاء الخبير الدولي في قضايا العمال حمادة أبو نجمة: “ضمان اجتماعي شامل ومعتمد على استدامة التمويل من خلال العوائد الضريبية”.
ثمة بطء في شمول كل القوى العاملة بمظلة الضمان الاجتماعي الشامل، وهذا باعتراف الدكتور حازم الرحاحلة نفسه، فعام 2010 كانت المؤسسة تغطي 55% من العاملين، واليوم تغطي 65% منهم، أي ثلثي العاملين تقريباً، لكن حتى هذه النسبة البعيدة عن الوصول إلى الشمولية قوبلت بالتشكيك من قبل أحمد عوض الذي استشهد بالإعلان غير الرسمي لدائرة الإحصاءات العامة قبل سنتين، بأن ما نسبته 48% من القوى العاملة في الأردن لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، أي غير مشتركين بالضمان الاجتماعي ولا بالتأمين المدني ولا العسكري، وهذه النسبة ازدادت بالضرورة في ظل تداعيات جائحة كورونا.
لا تتعلق مشكلة الفئات غير المشمولة بمظلة الضمان الاجتماعي من أصحاب المهن الحرة والمنشآت الصغيرة بتشريعات القانون نفسه وفقاً للرحالة، وإنما بالإجراءات وآلية التوسعة، والأهم من ذلك أن النمط المعمول به في الضمان الاجتماعي لا يتوافق مع التوسعة الشمولية المنشودة، وهذا ما يفسر سعي الضمان لاستخدام أدوات جديدة مثل البيانات الإدارية والتنسيق مع مختلف الجهات التنظيمية لقطاع العمل لحل هذه المعضلة.
ويؤكد الرحاحلة “إن مشروع تعديل القانون انطلق من أربعة محاور أساسية، هي: الاستدامة المالية؛ والتحفيز؛ والاستجابة؛ والحماية. غير أن أهم الاختلالات التأمينية وأكثرها خطورة على نظام الضمان واستنزافاً لأمواله، بحسب ما كشفت الدراسات، هو التقاعد المبكر، الذي وصل في الأردن إلى درجة أصبح فيها ثقافة وقاعدة وليس استثناء، غير أن أحمد عوض برر توجه الأردنيين للتقاعد المبكر ، فسياسات تدني الأجور في الأردن ضاغطة على الأجور مما يجبر العمال على التقاعد المبكر للحصول على فرصة عمل جديدة ودخل إضافي يعينهم على متطلبات الحياة الباهظة، إضافة إلى أن بعض مواد قانون العمل ونظام الخدمة المدنية تسمح للشركات وأرباب العمل بالاستغناء عن العمال خاصة من الذين يصلون عمراً متقدماً، فلا يكون أمامهم سوى التقاعد المبكر مع تضاؤل فرصة حصولهم على وظيفة جديدة”.
“يتطلب الوصول إلى ضمان اجتماعي شامل تعهد الحكومة بذلك، كونها صاحبة القرار، وتخصيص مبالغ من ميزانية الدولة لهذا الأمر” هذا ما تؤمن به منظمة العمل الدولية كما جاء على لسان جلنار الكردي، وهو رأي داعم لما ينادي به خبراء في الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
وترى الكردي أن الحل يكمن بالبحث عن نموذج أفضل للانتقال من نظام المساعدات الاجتماعية المتمثل بصندوق المعونة الوطنية، إلى نظام التأمين الاجتماعي دون أن يتأثر المستفيدون من صندوق المعونة الوطنية وألا يكون الاشتراك بالضمان الاجتماعي حافز سلبي، فالضمان الاجتماعي حق أساسي من حقوق الإنسان وهو غير قابل للتفاوض، أو لعلاقات القوى داخل المجتمع، وهو التزام من الدولة تجاه مجتمعها وحق من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تختلف عن الحقوق المدنية والسياسية.
“لا يعود الضمان الاجتماعي بالنفع على المواطنين فقط، وذلك بتوفير برامج حماية اجتماعية، أو أي ترتيب إلزامي آخر، يوفر لهم درجة من أمن الدخل عندما يواجهون حالات طارئة تتعلق بالشيخوخة أو العجز أو الإعاقة أو توفير الرعاية الطبية العلاجية أو الوقائية لهم، بل أنه يعود بنفعٍ أكبر على الدولة، حيث يساهم في تعافي الاقتصاد، وبناء عقد اجتماعي قوي بينها وبين المواطنين، ويعيد الثقة بين الطرفين، ويأخذ الدولة إلى منابع القوى، وهذا ما على الأردن فعله حتى يدفع المواطنون الضرائب، لإيمانهم بأنهم سيحصلون مقابلها على خدمات تحسن أوضاعهم” بهذه الكلمات لخص الدكتور ستيفن كيد مشجعاً على ضرورة انتقال الأردن نحو الضمان الاجتماعي الشامل، فالأمر لا علاقة له بغنى الدولة أو فقرها، وإنما بالنية الجادة من خلال نظام متعدد الطبقات.
بقي الإشارة إلى أن هذا اللقاء هو جزء من فعاليات أسبوع سياسات الضمان الشامل الذي تنظمه منظمة النهضة العربية (أرض) ، وفي إطار الفعالية الرئيسة لمنتدى سياسات الضمان الاجتماعي الشامل للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالشراكة مع مسارات التنمية، حيث تتضمن الفعاليات أيضاً ورشات عمل تدريبية متخصصة حول الحماية المجتمعية، وورشات وحوارات وطنية مع الخبراء والجهات المعنية في كل من الأردن وتونس ولبنان في إطار المنتدى الإقليمي لسياسات الضمان الاجتماعي الشامل (ISSPF) بالشراكة مع مؤسسة مسارات التنمية وأعضاء المنتدى الإقليمي في لبنان وتونس.