كان في ظنونا أن اللاجئ العامل إذا لم يحصل على تصريح عمل، لا يمتلك أية حقوق قانونية، حتى أننا كنا نجهل كثير من القوانين التي تمس أحوالنا بشكل مباشر؛ كقوانين الأحوال الشخصية والمالكين والمستأجرين، والعمل”.
بهذا القول ردد عدد من اللاجئين (السودانيين، اليمنيين، الصوماليين)، ممن يجهلون حقوقهم وكيفية اللجوء إلى القانون، ما يمرون به في حياتهم اليومية في الأردن، خلال مشاركتهم في جلسات رفع وعي قانوني لتعريفهم بحقوقهم القانونية وإرشادهم وتوجيههم للجهات المختصة في متابعة الإشكالات القانونية التي تعترضهم.
ولتسليط الضوء على معاناة وتحديات هذه الفئات، التي تعتبر بعيدة عن الاهتمام الدولي، في ظل التطورات الجيوسياسية المحيطة في المنطقة، وطول مدة بقائهم في الأردن لأكثر من عشرين عاماً، قدم محامو دائرة المساعدة القانونية في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، جلسات حماية قانونية لهذه الفئات، ضمن إطار مشروع “الاستثمار في المستقبل : تحسين سبل العيش والتعليم لفئات اللاجئين الأقلية ضمن المجتمع في الأردن”، الذي ينفذ بالشراكة مع منظمة رؤيا أمل الدولية وبدعم مالي من قبل الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية.
التضامن بين هذه الفئات، والعيش معاً كل هذه الفترة في الأردن، وتقاسم أعباء الحياة، وهمومهم المشتركة في تربية أبنائهم وضمان مستقبل آمن لهم، وسعيهم في تأمين حياة أفضل، هو ما دفعهم للمشاركة في مشروع “الاستثمار في المستقبل”؛ الذي يعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال تقديم مجموعة من خدمات الحماية الاجتماعية للأهل ودعمهم لمواجهة التحديات، وتسليط الضوء عليهم للمناصرة للمجتمع الدولي للاهتمام بهم أكثر وبشكل متساوي في الاستجابة للأزمات الإنسانية، وعدم توقيف الدعم لهم وللمجتمع المحلي، مع الاهتمام بتعليم الأطفال على كافة الأصعدة الأكاديمية والفنية الرديفة لصقل وتنمية مهاراتهم، وكذلك على الصعيد التشغيلي ومهارات التعلم اللازمة لتأمين العمل للشباب مستقبلاً.
وقدم المحامون للمشاركين شروحات مكثفة حول حقوق الطفل وتعريفها في القوانين الأردنية والاتفاقيات الدولية والقوانين الأخرى ذات الصلة؛ مثل قانون العمل والحماية من العنف الأسري وقانون الأحوال الشخصية والضمان الاجتماعي، وعقد التدريب المهني والقوانين الدستورية والمدنية والأحداث، والعقوبات، وقانون المالكين والمستأجرين، إلى جانب توضيح الأمور الواجب توافرها في العقد وإجراءات الإخلاء.
كما ركزت الجلسات على التعريف بحقوق العامل من أجور وإجازات وساعات العمل والحد الأدنى للأجر سواء للأردنيين وغير الأردنيين وتصاريح العمل لغير الأردنيين، وكيفية إصدار شهادات الميلاد والأوراق اللازمة لإصدارها، بالإضافة إلى إثبات الزواج والنسب، وأيضاً، الحماية من الاحتيال والاستغلال للأطفال والبالغين.
بدورهم، اتفق المحامون على أن أهم ما يؤرق اللاجئين الرجال موضوع تصاريح العمل، ثم تأتي الإشكالية القانونية المتعلقة بإجراءات عقد الزواج لدى المحاكم الشرعية التي تشترط موافقة وزارة الداخلية لإجراء العقد، إذا كان أحد أطرافه من غير الجنسية الأردنية حيث لا تتم صدور الموافقة في حال وجود “غرامات إقامة” إلا بدفع الغرامة وتصويب وضعه، مما يضطر بعضهم اللجوء إلى كتابة عقد خارج المحكمة وعدم تسجيله، إضافة إلى صعوبة قبول الطلبة في المدارس الحكومية، وشح المساعدات.
وحول التحديات والمشاكل القانونية التي تواجه هذه الفئات، أكد المحامون على أن أسبابها بالدرجة الأولى قلة الوعي القانوني والحاجة المادية لقلة فرص العمل، ما يدفعهم إلى الوقوع في مشاكل قانونية متعددة، بحاجة إلى تدخل سريع من الحكومة والمجتمع المدني وكافة الجهات المعنية.
وتلمس المحامون -كما بينوا- مشكلة عدم قدرة الأهالي على تعليم أطفالهم، لذلك يذهبون بهم إلى العمل في الأعمال الشاقة والخطرة، مما يفقدهم الأمل في الحصول على فرصتهم في إكمال مسارهم التعليمي، مؤكدين أن اللاجئ قادر على الإبداع والابتكار وليس عاجزاً عن التعليم و العمل، لكنه بحاجة إلى تمكينه وإتاحة الفرص أمامه.
وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يبلغ عدد اللاجئين السودانيين نحو 6 آلاف لاجئ، أما اللاجئين اليمنيين فبلغ عددهم ما يقارب 15 آلاف لاجئ، بينما يبلغ عدد اللاجئين الصوماليين نحو ألف لاجئ، أغلبهم في عمان، ويحملون صفة ووثائق لاجئين، مختومة من المفوضية، ورغم أنهم يحملون هذه الصفة، فإنهم في المقابل لا يحصلون على حقوق اللاجئين، الأمر الذي تؤكد عليه “المفوضية” بأنها تسعى دائماً إلى لفت انتباه المجتمع الدولي إلى حاجاتهم.
خلاصة الأمر، إن القصص الإنسانية المرتبطة باللاجئين اليوم كثيرة، فهناك أكثر من 100 مليون لاجئ اضطروا إلى النزوح أو الهروب من بلدانهم بسبب الاضطرابات أو الكوارث الطبيعية، وكل شخص منهم قصة بحد ذاته، على اختلاف طموحاتهم وحاجاتهم، فمن المهم رفع الوعي القانوني لديهم وتمكينهم وإمدادهم بمهارات جديدة لدخول أسواق العمل الذي يخدمهم وعائلاتهم، مما يدعو مختلف الجهات لزيادة تشاركها وتضامنها وتعاونها لتمكين هذه الفئات من تجاوز التحديات.
يشار إلى أن مشروع “الاستثمار في المستقبل”، يأتي في إطار استراتيجية التعليم في النهضة العربية (أرض)، والتي تسعى إلى اتباع نهج شامل للتعليم يأخذ في الاعتبار ضمان حق الوصول إلى التعليم الجيد، وتوفير فرص التعلم المستمر للجميع كركائز أساسية للتخفيف من حدة الفقر وتمكين التحول الاجتماعي المستدام، ورفع الوعي ببرامج التعليم الشاملة وأنشطة الدعم الأكاديمي، وخدمات التعليم والحماية والعون القانوني، ومنح التعليم المهني، وتوفير برامج الفنون والقيم الجمالية، في سبيل تلبية الاحتياجات التعليمية للاجئين والفئات الأقل رعاية وزيادة حمايتهم.