يقدر التحالف الوطني الأردني للمنظمات غير الحكومية (جوناف) الدعم الدولي الذي تم تقديمه لتعزيز الاستجابة لمختلف الأزمات التي مر بها الأردن على مدار الخمسين عامًا الماضية. ومنذ عام 2012، توسع نطاق تواجد منظمات المساعدة الدولية العاملة في سياقات “الإغاثة” أو “المساعدة الإنسانية”. وفي إطار هذه البنية التحتية الإنسانية، بدأت العديد من الجهات المعنية الدولية بالتنفيذ المباشر واستخدام خدمات منظمات المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني الأردنية كمنفذين أو “شركاء منفذين”. وقد قدمت وكالات المساعدة الدولية مساعدة حاسمة عندما كانت القدرات المحلية في حالة إجهاد، إلا أن ديناميكيات هذه العلاقة لم تتطور كثيرًا بمرور الوقت. بل مكّن ذلك من استخدام منظمات المجتمع المحلي الأردنية ومنظمات المجتمع المدني بشكل خاص، وخلق ديناميكية من الهيمنة والتبعية.
ومع ذلك، فإننا نؤكد أنه وفي كثير من الأحيان، تفشل أعوام مما يسمى بـ”الشراكة” في معالجة وقلب هذه السردية السلبية التي تصم منظمات المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني الأردنية، إذ تفترض بأن قدراتنا محدودة، وأننا أكثر عرضة للاحتيال والفساد، وأننا لسنا قادرين أو حتى راغبين في مقاومة الإغراءات أو الضغوط السياسية بما يتماشى مع “المبادئ الإنسانية”، والعديد من الأحكام المضّرة والتي غالبًا ما تكون غير مطلعة وغير دقيقة.
بصفته ائتلافًا يضم منظمات أردنية، فإننا أعضاء التحالف الوطني (جوناف)، نعترف بمسؤولياتنا الخاصة في هذا الصدد ونؤكد التزامنا بلعب دور فعال في المجتمع الأردني يزيد من الأمان والرفاه الفردي والجماعي في وطننا. حيث نعمل بلا كلل لتنظيم أنفسنا، وتعزيز قدراتنا التعاونية بيننا كمنظمات المجتمع المدني وحكومتنا، وتعزيز المعايير المهنية التي تعزز المساءلة والشفافية لجهودنا وتوسيعها. وقد أثبت عدد متزايد من منظمات المجتمع المدني الأردنية قدرتها وموثوقيتها، مع استطاعتها التعامل مع قدر أكبر من التمويل.
وبناء على ذكر، نقدم فيما يلي إضاءات وتوصيات محورية لأعضاء التحالف الوطني (جوناف):
1. لقد عملت الجهات الفاعلة الدولية على مدى عدة عقود لبناء منظمات مستدامة، وعلى الرغم من اختلاف الحال للجهات الفاعلة المحلية، إلا أنه من الضروري الاعتراف بمدى التقدم الذي أحرزته المنظمات المحلية نحو الاستدامة والفعالية. وفي حين تحاول المنظمات الدولية التفاوض على التمويل المرن متعدد السنوات، حتى تتمكن من تغطية تكاليفها الأساسية، والحفاظ على التدفق النقدي، مما يعني الإبقاء على الموظفين المؤهلين، والاستثمار في تطويرها المؤسسي وتنويع مصادر دخلها، إلا أن الجهات المحلية تُمنع عن هذه الأمور بشكل منهجي.
2. يدعو الالتزام الثاني في الصفقة الكبرى إلى “زيادة ودعم الاستثمار المتعدد السنوات لبناء القدرات المؤسسية للمستجيبين المحليين والوطنيين”. إلا أن هذا لم يكن الحال من الناحية العملية، باستثناء بعض “الجهات الفاعلة في مجال المساعدة الإنمائية”. وفي الوقت الذي ندرك فيه ندرك إحراز تطور في عمل الجهات الفاعلة المحلية والذي تم تحقيقه بمساعدة الشركاء الدوليين، نؤكد من جديد قيمة استمرار النمو والتعلم التعاوني، كما نشدد على أن “بناء القدرات” لا يمكن أن يكون له تأثير مستدام في حال الإبقاء على وضع صراع المنظمات المحلية المستمر للبقاء من خلال بيئة تشغيلية قصيرة الأمد.
3. يشدد أعضاء التحالف الوطني الأردني على أن هذه التطورات الإيجابية غالبًا ما تقوضها بيئة لا تمكّن الفاعلين المحليين حقًا. إذ قوضت تحديات “عجز إدراكي” واسعة النطاق التطور بدلاً من دعم تطوير المجتمع المدني الأردني القادر والمسؤول. فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الأردن، فإن التعاون والتنسيق والمقترحات والتقارير بأغلبية ساحقة يجب أن تكون باللغة الإنجليزية – حتى دون السماح بخيار استخدام اللغتين.
4. غالبًا ما يتم انتقاد المنظمات المحلية لكونها مجزأة، بينما من الواضح تصميم عملياتها لتكون قادرة على المنافسة -ومع ظهور شبكات وتحالفات متخصصة، يتم انتقادها بسبب الافتقار إلى “الشمولية” الجامعة.
5. يرغب الفاعلون الدوليون في أن تنخرط الجهات الفاعلة المحلية أكثر في وضع السياسات وجهود المناصرة، الأمر الذي يقترن على الأغلب بتوقع مفاده أن حشد التأييد نيابة عن الفاعلين المحليين لا يمكن له انتقاد أدوار وممارسات معينة للنفوذ والسيطرة.
6. يعمل آلاف الأردنيين المؤهلين الآن في المنظمات الدولية، مما يحرم المنظمات الحكومية وغير الحكومية الأردنية من مواهبهم وخبراتهم. ونعلم كما بينت الخبرات حول العالم أن قلة منهم ستعود للعمل بالقطاع الحكومي الأردني أو في المؤسسات الوطنية غير الهادفة للربح. ومن المثير للقلق، واقع أن عمل الموظفين في المنظمات غير الحكومية الدولية، بنفس القدر من المهارات والقدرات، يكسبهم على نحو ما احترامًا وتقديرًا أكثر مما لو عملوا بالمؤسسات المحلية مع احتمالية زيادة نفوذهم. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن القدرات المحلية موجودة بالفعل، ولكن لا يتم التعرف عليها إلا عند التعاقد مع المنظمات غير الحكومية الدولية ووكالات الأمم المتحدة.
7. يدرك الفاعلون المحليون أن “قوى عمل محليّة” بدأت تنبض بالحياة في الأردن. ولذا، لا بد من اختبار فيما إذا كنت ستشارك في قيادتها مع منظمة أردنية، وما إذا كان سيتم تصميم جدول أعمالها ووظيفتها وإدارتهما بشكل مشترك مع الشركاء المحليين. فهل ستعمل بنشاط بالروح التي توختها الصفقة الكبرى و“… تتعامل مع المستجيبين المحليين والوطنيين بروح الشراكة وتهدف إلى تعزيز القدرات المحلية والوطنية بدلاً من استبدالها؟”.
8. شجعت الصفقة الكبرى الجهات المانحة على “زيادة استخدام أدوات التمويل التي تزيد وتحسن المساعدة التي يقدمها المستجيبون المحليون والوطنيون، مثل الصناديق القطرية المشتركة بقيادة الأمم المتحدة (CBPF)، وصندوق الطوارئ للإغاثة في حالات الكوارث (DREF) التابع للاتحاد الدولي والمنظمات غير الحكومية– وصناديق مجمعة أخرى.” والآن وبعد عدة سنوات، تمكن عدد من منظمات المجتمع المدني الأردنية الآن من الوصول إلى الصندوق الإنساني الأردني. ومع ذلك، لا تزال غالبية الجهات الفاعلة المحلية لا تعرف الكثير عنه، وعن كيفية التعامل معه وما هي معاييره ومتطلباته. وهذا يتناقض بشكل حاد مع صناديق الأموال المجمعة في بلدان أخرى، حيث يتم إعطاء المنظمات المحلية مبالغ كبيرة بشكل مباشر وغير مباشر لدعم جهودها.
لقد غير كوفيد-19 العالم، وفي ذات الوقت، فقد جذب الأردن الانتباه الدولي لإجراءات الاحتواء المبكرة والقوية التي اتخذها في مواجهة الجائحة، مما يدل على قيادة حكومية حازمة. وبالفعل، استجاب عدد من منظمات المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني الأردنية بسرعة كبيرة للتخفيف من الآثار الاجتماعية والطبية والاقتصادية الفورية، في الوقت الذي أعادت فيه عدة وكالات دولية موظفيها الدوليين لبلادهم. ومع ذلك، وبشكل مخيب للآمال إلى حد ما، لم تصل إرشادات اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) حول المحلية والاستجابة لكوفيد-19 والتي صدرت في أيار/مايو 2020 إلى الجهات الفاعلة المحلية من خلال “الشركاء” الدوليين.
وفي الأردن وكما البلدان الأخرى، تشعر الجهات الفاعلة الأردنية المحلية بقلق عميق إزاء آثار الكساد الاقتصادي العالمي المتوقع. سيواجه المزيد من الأردنيين وغيرهم من المقيمين في الأردن البطالة وفقدان الدخل والفقر والهشاشة متعددة الأبعاد. إن هذا تحدٍ اقتصادي واجتماعي وسياسي يتوجب على الأردنيين من جميع قطاعات المجتمع مواجهته بالتعاون مع السلطات. وفي حين أننا نقدر دعم الجهات الدولية، فإننا ننتهز الفرصة للتأكيد مرة أخرى فنقول: نحن نقدر مساعدتكم، لكن نرجوكم أن تدعمونا، لا أن تستبدلونا.