خمسة عقود منذ بدء المشاركة السياسية للمرأة في الأردن، شابها الكثير من الضعف، ولم تتلائم مع نسبة تمثيل المراة في المجتمع الأردني، أو إنجازاتها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، ويتجلى ذلك من خلال ضعف تمثيلها في الحكومات والمجالس المنتخبة والنقابات والأحزاب السياسية، فمشاركتها الخجولة في الحكومات والهيئات مرتكزة على قرارات عليا نصت على ضرورة وجودها، و مشاركتها في مجلس النواب والمجالس البلدية واللامركزية فيعود لنظام “الكوتا” للنساء الذي نص عليه قانون الانتخاب المؤقت لعام 2003، أما حزبياً فقد أظهرت احصائيات صدرت عن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة ان “مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية لا تزيد عن 28.76 % من مجموع الأعضاء”، غير أن هذه النسبة من المفترض أن تزيد بعد مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، حيث نص مقترح قانون الأحزاب على أن لا تقل نسبة المرأة عن 20 بالمئة من عدد المؤسسين.
“المرأة والأحزاب السياسية: من سد الفجوات.. إلى الضوء” كان عنوان الجلسة الحوارية التي نظمتها شبكة نساء النهضة في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ضمن سلسلة لقاء الأربعتين، وشارك بها كل من: الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي الأردني، عبلة أبو علبة؛ و عضو مجلس النواب الأردني من حزب الائتلاف، أسماء الرواحنة؛ وعضو مجلس النواب سابقاً وعضو شورى حزب جبهة العمل الإسلامي، د. حياة المسيمي، كما غاصت الجلسة التي جاءت في إطار مشروع “جيل جديد” في أعماق الشباب والأحزاب السياسية بغية تحفيز وتحقيق المشاركة السياسية والمدنية لهم عبر الحوار ولقاء الأجيال، وإيصال أصواتهم لصناع القرار، والاحتفاء بهم مع اقتراب اليوم الدولي للشباب والذي يصادف يوم 12 آب أغسطس من كل عام.
مديرة الجلسة إيمان أبو قاعود، قالت: “إننا نفخر بوجود هذه القامات الحزبية معنا”، مشيدة بدورهن في العمل النسائي والدفاع عن حقوق المرأة، ومعربة عن أملها بأن يكون دور المرأة في المرحلة القادمة أكبر، لا سيما مع دخول الأحزاب مرحلة ترتيب الأوضاع لتكون الانتخابات القادمة الاختيار الفعلي لمخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية.
وفي الحديث عن أهمية الأحزاب، قالت عبلة أبو علبة: “إنها ساهمت في تأسيس اتحاد المرأة وفي دفع بالنساء للمشاركة بالنقابات، فهناك أثر للأحزاب على الحراك النسوي وتقدم المرأة وإن كان غير مباشر”، مؤكدة على ضرورة تبني الأحزاب لقضايا المرأة بشرط إقرار القول بالفعل، بحيث لا يكتفي الحزب بالشعارات، وأن يكون الخطاب المتعلق بالمرأة موضوعياً، ويلامس هموم جميع النساء في جميع أماكنهن، ولا بد من وجود هيكل تنظيمي يحمل هذا الخطاب.
وأكدت أن الانخراط بالعمل الحزبي يلزمه قبل كل شيء تغيير الثقافة السائدة لدى الأردنيين وعلاقتهم التاريخية بالأحزاب، فنحن نتحدث عن 33 عام عاش فيها الأردن فترة أحكام عرفية وعوقبت العائلات التي انخرط أحد أفرادها بالأحزاب، سواء بمنع السفر أو عدم الحصول على وظائف، وتغيير هذه الثقافة لا يتأتى من خلال القوانين فقط، وإنما من خلال الحديث عن أهمية الأحزاب في المناهج التربوية وتدريس أبنائنا الطلبة التاريخ السياسي الوطني والعربي.
وتحدثت الدكتورة حياة المسيمي، عن أهمية الإصلاح السياسي باعتباره الضامن لوجود الحياة الحزبية وتداول السلطة الذي تمارس الأحزاب عملها من أجله، مضيفة أن هناك وصفات عديدة لنجاح العمل الحزبي تختلف حسب البيئة ورسالة الحزب وطبيعة الأشخاص، لكن يجب أن يكون فيها أسس مشتركة وعلى رأسها وجود برنامج يحمل قضايا الوطن والنساء والشباب والعمال، ويقدم الحلول لها.
وبينت أن العمل الحزبي كان يعرض المرأة للكثير من التكاليف، لكن الآن اختلف الجو بعد قوانين لجنة تحديث المنظومة السياسية وتغير النظرة الاجتماعية لدخول المرأة الحياة الحزبية، ورغم محاولة البعض إقصاء المرأة من الأحزاب، إلا أن المسيمي أكدت بأن التحدي يكمن بثباتها وقدرتها بالدفاع عن مكانتها، مشيرة إلى أهمية دور العائلة في دعم المرأة حزبياً وسياسياً.
وقالت أسماء الرواحنة: “إن المطلوب في المرحلة القادمة هو التأسيس لمرحلة حزبية”، مبينة على مصالح الوطن وشعبه، وأن تكون البرامج الحزبية محددة بأهداف خلال مرحلة زمنية معينة، وأن يحاسب الحزب على إخفاقاته، كما أن المطلوب من المرأة أن يكون لها بصمة حقيقية في العمل السياسي والحزبي وأن ترفع مكانتها وتحل قضاياها بيدها، فأحزابنا لا تتبنى قضايا المرأة وإنما تتخذها شعاراً لتحقيق أهدافها.
وأضافت أن على المرأة الاشتباك مع كل القضايا الوطنية وليس القضايا التي تخصها فقط، فهي عماد المجتمع، كما أن الشباب عماد الوطن وأمل المستقبل هم ثمرة تربية النساء وما يغرسنه فيهم من قيم ونضال، وبالتالي؛ لا بد من ترسيخ مبدأ عام يجعل المرأة جزءاً لا يتجزء من المرحلة السياسية والحزبية والمراكز القيادية، والتصدي للعنف الذي تتعرض له بجميع أشكاله.
وفي مداخلة لها؛ أشارت الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس، إلى ضرورة أن تكون أجندة النساء الانتخابية وطنية، ولا بد من سماع أصوات النساء في كافة القضايا الوطنية، مشيرة إلى افتقار المحافظات للأجندات الحزبية الحقيقية، ومطالبة بربط تمويل الأحزاب بتمكين المرأة والشباب داخلها.
بدورها؛ قالت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية (أرض)، سمر محارب: “إننا ندرك معيقات العمل الحزبي ومساهمة المرأة والشباب في العمل العام المدني والسياسي، لكن نتمنى أن تكون القوانين الجديدة الداعمة لمشاركة الشباب السياسية من خلال الدفع باتجاه المأسسة والجدية وإتاحة المجال للتنظيم المجتمعي، كفيلة بذلك، وتفند الانطباعات السابقة على تضييق حرية العمل العام والتشكيل والتنظيم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا تكون المأسسة ذاتها عقبة أمام حيوية الأحزاب والجمعيات وقدرتها على العمل بالمرونة والفعالية المطلوبة، وهذا ما ستعمل عليه العديد من برامج مؤسسات المجتمع المدني ومنها برنامج “جيل جديد” لينشر الوعي والثقة حول أهمية هذا التحول وضروراته بالسياقات التي نعيشها، محفزين الفتيات والنساء بالتحديد لخوض غمار هذه التجربة معنا، علنا ندفع قدماً ببيئة ديمقراطية حقيقية تسهم بالنهضة المنشودة”.
مداخلات الحاضرات للجلسة كانت ذات أهمية أيضاً، حيث أكدن على ضرورة استمرار النساء في رفع أصواتهن لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية ورفع نسبة تمثيلهن حزبياً وبرلمانياً، إضافة إلى تصدير النماذج النسائية التي تستحق بغض النظر عن وضعهن الاجتماعي، فحتى العاصمة تشهد ضعفاً في تمثيل النساء ولا تفرز إلا النخب، كما أكدن على ضرورة استغلال الشباب لوجود إرادة سياسية بإدخالهم الحياة السياسية، وهي فرصة لإثبات نفسهم وقدرتهم على القيادة والتأثير الإيجابي.