من بين أهم المخرجات التي اتفق عليها خبراء متخصصون في القضاء والعدالة، ضرورة “تحول قطاع العدالة من الشأن الخاص إلى العام، خصوصاً أن تعزيز ثقة الجمهور بهذا القطاع لا يكون بالاستراتيجيات وإنما بالممارسات، والتأكيد أن هذا القطاع حيوي يتأثر كغيره بالتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حوله”.
من هذا المنطلق، ولفهم متغيرات ومستقبل قطاع العدالة في الأردن والمنطقة العربية، في ظل تأثير هذا القطاع على العديد من الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع ، بما في ذلك اللاجئين والمهاجرين والمواطنين، عقد منتدى دعم قطاع العدالة في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الإثنين 27 آذار/مارس 2023، طاولة مستديرة حول البحث الإقليمي: “مستقبل قطاع العدالة في المنطقة العربية بعد جائحة كورونا: بحث النهج القائم على الحقوق”.
وتأتي هذه الجلسة، ضمن مشروع “تعزيز الثقة العامة في قطاع العدل من خلال الحوار المجتمعي” بشراكة وتمويل من السفارة الفرنسية في عمان، حيث أجرت النهضة العربية (أرض) أبحاثاً إقليمية ركزت على ثلاثة محاور: حوكمة قطاع العدالة، وتوفير خدمات العدالة، ومطالب العدالة، وشملت الأردن وفلسطين ومصر ولبنان والعراق والمغرب وليبيا وتونس، وضمت ثلاث ندوات إقليمية وخمس جلسات حوار محلية ناقشت القضايا الشاملة ذات الصلة بمستقبل العدالة في المنطقة بشكل عام.
ولمناقشة توصيات وتحديات قطاع العدالة في الأردن، جاءت هذه الجلسة، التي أدارتها مع المشاركين المديرة التنفيذية للنهضة العربية (أرض) سمر محارب، والتي اعتبرت أن متغيرات قطاع العدالة في الوطن العربي، والأردن، بدأت من الربيع العربي، ثم جائحة كورونا، وصولاً للمتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، منبهة إلى ضرورة التركيز على الاحتياجات الحالية للناس وضمان وصولهم للعدالة وحصولهم على الخدمات.
وحول مخرجات البحث الإقليمي، أشارت المستشارة الأولى في مركز النهضة الفكري التابع لمنظمة النهضة العربية (أرض)، د. ماريا لوغرانو نوربانو، إلى العديد من التحديات التي تواجه قطاع العدالة منها: “البنية التحتية، وبناء القدرات، وتأثير الصراعات والمشكلات التي تواجه المنطقة ككل، حيث تراوحت هذه التحديات ما بين الفساد والتدخل الأمني في أنظمة العدالة في الدول العربية والتي تؤثر على استقلاليتها.. كما أن مظاهر التمييز والطائفية كان لها تأثير كبير على سير قطاع العدالة، فعلى سبيل المثال قطاع العدالة في فلسطين يتأثر بالقوانين التميزية التي يسنها الاحتلال، من ناحية تضيق الحقوق والحريات المتاحة للفلسطينيين”، منبهة أيضاً إلى مشكلة المواطنين في لبنان الذين يواجهون معضلة شاقة فيما يتعلق بالظروف الاقتصادية التي تقلل من فرص الوصول للعدالة ومتابعة احتياجات هذا القطاع الأساسي.
وفي استعراضها لنتائج وتوصيات البحث، أكدت الباحثة في مركز النهضة الفكري، يسرى حسونة، على أهمية تعزيز الاستقرار الأمني والسياسي في مجال البيئة المؤسساتية المحيطة، وكذلك تعزيز استقلال القضاء والفصل بين السلطات، وتعزيز الشفافية والمساءلة ضمن قطاع العدالة لأجل النهوض وتطوير عمل القضاء, وزيادة ثقة المجتمع به بصورة تساهم في تعزيز الحق في الوصول إلى العدالة، وصولاً إلى ضرورة نشر الوعي القانوني في المجتمع.
أما في مجال القوانين وتوجهاتها، فلفتت حسونة إلى مراجعة وإنفاذ تنفيذ استراتيجيات العدالة على المستوى الوطني، وأيضاً، المراجعة والتحديث المستمر للتشريعات بهدف الاستجابة لاحتياجات المجتمع وواقعه، وتفعيل دور الآليات البديلة لتسوية المنازعات بما يضمن الوصول العادل للعدالة بين كافة الأطراف، إلى جانب ضرورة العمل على تعزيز حقوق وقدرة النساء على الوصول إلى العدالة.
وبشأن البنية التحتية والموارد البشرية، فأوصى البحث، كما بينت حسونة، إلى ضرورة زيادة عدد الكوادر البشرية وخاصة القضاة في هذا القطاع، وتطوير مهارات وقدرات الكوادر القضائية بشكل دوري بهدف زيادة التخصص القضائي، إضافة إلى تطوير البنية التحتية الخاصة بالمحاكم من خلال أبنية جديدة ومتطورة وقادرة تساعد في توفير الراحة للمتقاضين من جهة، وتسهل استعمالها على الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة, وذلك بهدف تشجيع الأفراد على اختلاف أوضاعهم على الوصول إلى العدالة، وكذلك تطوير وتعزيز استراتيجيات واضحة لاستخدام التكنولوجيا والرقمنة في هذا القطاع، وتعزيز آليات تقديم المساعدة القانونية لكافة الأفراد.
هذه السمات والتوصيات المشتركة بين دول المنطقة، اتفق عليها المشاركين في الجلسة، وشددوا على أن استقلال قطاع العدالة “مهم وضروري لكافة الأطراف”، فهذا القطاع متقاطع مع كافة شؤون المجتمع، لذا من المهم أيضاً التركيز على بناء ثقة المواطنين بالقانون وسيادته.
بالنتيجة؛ هذه المدخلات هامة للبناء عليها للبحث الإقليمي، رغم اختلاف السياقات في الدول العربية، إلا أن السمات المشتركة في ما يتعلق بالبنية التحتية والموارد البشرية والكفاءات المطلوبة، هو أمر حيوي وحساس، خصوصاً في ظل الإيقاع السريع للأحداث اليومية في الحياة، وهو ما يتطلب وجود استجابة سريعة من أصحاب القرار لوضع حد لتأثر هذا القطاع بالظروف المحيطة به وضمان سلامته وكفاءته واستقلاله.
ومطلوب كذلك التزام الدول العربية بالاتفاقات الدولية بما يتعلق في مجال حقوق الإنسان والالتزام بحماية الحريات العامة، مع ضرورة أن يستمع أصحاب القرار لمنظمات المجتمع المدني من النقابات والمؤسسات الحقوقية كونهم أصحاب خبرة في قطاع العدالة، إضافة إلى ضرورة تعزيز الوصول للعدالة بمفهومه الأكبر الذي يشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن أهمية التطوير المستمر والتدريب المستمر لكوادر هذا القطاع، فضلاً عن أهمية تخفيض كلف التقاضي وتوافر خدمات المساعدة القانونية الفعالة.