وأنت تحاول البحث في الصحف والمواقع الإخبارية عن دور النساء العربيات والأردنيات على وجه الخصوص في مجال العمل الإنساني، ستجد القليل من المقالات التي تتناول أدوارهن بشكل عام دون الحديث بالتفاصيل عن هذا المجال ما بين الواجب الإنساني والاستعداد المهني، أو عن مقدار التحديات والصعوبات التي تواجههن أثناء عملهن، ” العمل الإنساني يتلاءم مع طبيعة المرأة كونها تحب مساعدة وإغاثة الآخرين، لكنه في الوجه المقابل ينافي واقعها كامرأة، فهي الأكثر تأثراً في قلب الأزمات والكوارث والمشاهد المؤلمة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتبر هذا المجال من الأصعب مهنياً نتيجة الصدمات والمخاطر التي تتعرض لها المرأة أثناء تأدية واجبها، والذي يتطلب منها مهارات عالية وخبرة لا توفرها لها الوظائف العادية والأدوار النمطية بالعمل العام، أدوارها كأم أو ابنة أو زوجة عليها العديد من المسؤوليات ابتداءً وهذا العمل يحتاج للوقت والمجازفة أحياناً كثرة والعمل في ظروف غير مريحة أو مهيأة للنساء” هكذا اختزلت المديرة التنفيذية لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) سمر محارب المشهد. وهذا ما أكده النقاش في الجلسة الحوارية لشبكة نساء النهضة “دور المرأة في العمل الإنساني” ضمن سلسلة لقاء الأربعتين، والتي تحدثت فيها كل من رائدة العمل الإنساني ميسر السعدي، والرئيسة التنفيذية لدرة المنال للتنمية والتدريب منال الوزني، ومديرة مكتب منظمة بلان انترناشونال الأردن منى عباس.
ميسر السعدي والتي تعمل في مجال العمل الإنساني منذ حوالي نصف قرن، بدأت حديثها مستذكرة الصعوبات التي واجهتها منذ بداية دخولها مجال العمل الإنساني، كان أولها معارضة أهلها دراسة التمريض، وكيف أصرت على ذلك كونها تعتبر التمريض مهنة إنسانية بحد ذاتها. حيث بدأت السعدي عملها التطوعي في مخيمات اللاجئين ومخيمات الطوارئ في الأردن، وأشارت إلى المشقات التي واجهتها لكون العمل دون تنظيم، وكيف تطور ليصبح وفق خطط واستراتيجيات بعد تأسيس الاتحاد النسائي في الأردن عام 1974 – اتحاد المرأة الأردنية. كانت السعدي من مؤسسي هذا الاتحاد الذي فتح لها آفاقاً ومشاريع جديدة في العمل الإنساني، فتوجت مسيرتها عام 1998 عندما كرمتها الأمم المتحدة في اليوم العالمي لمكافحة الفقر عن مشروع قدمته لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.”تكريمي كان اعترافاً عربياً وعالمياً بدور المرأة في مجال العمل الإنساني”، هذا ما قالته السعدي مؤكدة أن دور المرأة في المجال الإنساني محوري وضروري للغاية، لقوتها وقربها الإنساني ومقدرتها على التعاطف والذي تعتبره السعدي أساساً للعمل الإنساني.
“إن جمالية العمل الإنساني بالنسبة للعاملين فيه تكمن بأنهم لا يصلون إلى مرحلة الإشباع منه، ويبقى لديهم رغبة دائمة في العطاء أكثر وأكثر” وفقاً لمنال الوزني، التي بدأت العمل الإنساني مع جمعية عملية الابتسامة عام 2004، والتي وعلى الرغم من خبرتها الطويلة وتأسيسها لأول فريق طبي أردني تطوعي، وعملها مع جمعية إنقاذ الطفل، وصولاً إلى تأسيس درة المنال للتنمية والتدريب، إلا أنها ما زالت تعتبر العمل الإنساني “رحلة طويلة بدون محطة وصول”.
وتشدد الوزني على أهمية دور المرأة في مجال العمل الإنساني، فنظرتها الشمولية وعاطفة الأمومة لديها تجعلها ترى الأمور بطريقة متكاملة ومختلفة، بما يمكنها من تحمل العبء الأكبر في مجال العمل الإنساني. مضيفة أن نجاح المرأة في العمل الإنساني يكمن في كونها قادرة على العمل على عدة أصعدة بوقت واحد، وقدرتها على التخطيط الاستراتيجي والاستعداد للأزمات، ومهاراتها الاجتماعية التي تخولها بالعمل مع فرق عمل كبيرة ومتنوعة وفئات مختلفة من المتأثرين بالأزمات، والتي تقدم الاستجابة والإغاثة الإنسانية وتوجيه فرق العمل للالتزام بمبادئ العمل الإنساني وبنفس الوقت الحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية، لأن هذا القطاع مليء بالحالات الإنسانية من إصابة أو فقد أو عوز، والتعامل معها بشكل يومي بحد ذاته من قبل الشباب قد يسبب لهم صدمة نفسية بحاجة لاستجابة واستعداد، إضافة إلى أنها تحرص أن لا يرتكب الفريق أخطاء قد تسئ للعمل الإنساني والمستفيدين، أو تستغل الموارد إذ علينا أن نعمل بفعالية كبيرة لإدارة المشاريع لأن أمد الازمة قد يطول والمجمعات احتياجاتها كثيرة في فترة الأزمة وبعدها ضرورة مساعدتهم على التعافي والصمود والتأقلم من خلال الخدمات المتكاملة من صحة وغذاء ومأوى وتعليم.
” بعد خمسين سنة سأذهب لشراء حذاء، وسيكون غالٍ وسأمشي حافية” هذه العبارة والتي كتبتها إحدى طالبات منى عباس عندما طلبت منهن كتابة توقعاتهن عن حياتهن وشكل العالم بعد خمسين سنة، أبكتها في الغرفة الصفية حينما كشفت لها أن بعض الأطفال ليس لديهم القدرة حتى على الأحلام. حيث بدأت عباس عملها مُعلمة ثم مديرة مدرسة في مدارس وكالة الغوث، ومن ثم عملت في جمعية إنقاذ الطفل، قبل تأسيسها لمكتب منظمة بلان إنترناشونال في الأردن وإدارته. وتقول عباس إن تلك القصة كانت حافزاً لها لدخول مجال العمل الإنساني، وهذا سر إيمانها بالاستمرار مع منظمتها التي تهتم بالفتيات اليافعات وتقدم الدعم لهن، وهو الدعم الذي لم يكن متوفراً لها ولغيرها عندما كُن يافعات.
وفيما يخص مراعاة البعد الثقافي والجندري للاستجابة، تشدد عباس على أهمية مراعاة هذه الأبعاد والتي للأسف لا تتبع بالعادة عند تأسيس مخيمات اللاجئين، حيث يتم تأسيسها بنفس المعايير الدولية سواء في آسيا أو في إفريقيا، مؤكدة أن المرأة السورية مثلاً احتياجاتها وتفاصيل حياتها مختلفة عن المرأة في إفريقيا.
“أما التحدي الأكبر بالنسبة لعمل المرأة في مجال العمل الإنساني فيتمثل في قدرتها على إثبات إدارتها الناجعة والمواءمة بين العاطفة والحرفية”، هذا ما أكدته عباس التي اعتبرت أن ميزان القوة ليس في صالح المرأة وينبغي توفير منظومة حماية متكاملة لها.
يقول مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “العمل الإنساني الشامل الذي يشرك النساء والفتيات في صنع القرار الإنساني سيؤدي إلى استجابة إنسانية أكثر فعالية”، وتلك جملة أثبتت مصداقيتها مع قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة والأمن والسلام ونحن نرى ما نسبته 60% من العاملين في مجال العمل الإنساني في الأردن من النساء، ويوماً بعد يوم يثبتن قدرتهن على الإدارة، وعلى الاستجابة، وعلى الإلمام بكل التفاصيل الضرورية للعمل الإنساني، والاحتياجات الأكثر ضرورة. وفي ذات الوقت لازال مجال العمل الإنساني بحاجة للدعم الحكومي العربي، والاعتراف به كعامل مؤثر يسهم في صمود المجتمعات وتماسكها بحالات الطوارئ والأزمات وما بعدها، حيث لا زال اعتراف القطاع الرسمي قاصراً فيما يخص المجال الإنساني ودور مؤسسات المجتمع المدني والمرأة بالتحديد بهذا القطاع، على الرغم من اعترافه بدور المرأة الأردنية بشكل خاص في قوات حفظ السلام وغيرها من الأدوار الدولية.
هذا ما خلصت إليه الجلسة مع التشديد على أنه لازال علينا الكثير للقيام به حتى لا تعرض صور المرأة العربية كضحية ضعيفة فقط، وإنما كقادرة استطاعت تاريخياً لعب دور أساسي في الاستجابة للأزمات وغيرها، وهذا ما ختمت به السيدة ميسر السعدي حديثها قائلة “عندما عملنا في معركة الكرامة، كنا بالقاعدة ثلاث ممرضات شابات و6 رجال. وبدأ الضرب في منطقتنا، قدم الرجال لإخلائنا وأصرينا على البقاء وقلنا لهم نحن لا نختلف عنكم ونحن هنا معاً لمساندة جنودنا وإسعافهم ولن نكون أفضل منهم لنمنع عنا الموت وهم يضحون بالميدان”.