عمّان- لو لم يكن رأس المال البشري “حجر الأساس” لتقدم أي مجتمع، لما شاهدنا تجارب عديدة لدول تقدمت علمياً وإنتاجياً وإبداعياً، بعد اعتمادها بشكل أساسي على التنمية البشرية وتطوير البيئة التعليمية والصحية والاجتماعية لشعوبها. عربياً؛ تواجه الدول، ومن بينها الأردن، ضغوطًا متزايدة بما يتعلق ببطالة الشباب وعدم إتاحة الفرص أمامهم لتطوير مهاراتهم وأدواتهم لتتسق مع متطلبات السوق، ما يتطلب اليوم وجود إرادة سياسية فاعلة تركز على تنمية رأس المال البشري.
ضمن ذلك الإطار، ولفهم التحديات التي تحول دون الاستثمار بالتنمية البشرية، خصوصاً لدى فئة الشباب، جاءت الجلسة الثانية لمختبر سياسات المشاركة الشبابية الذي تنفذه منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ضمن مشروع “جيل جديد”، لتعزيز مفاهيم المشاركة المدنية والسياسية لديهم، وإكساب طلبة كليات العلوم السياسية والحقوق خبرة عملية تساعد في توسيع آفاق أعمالهم بالمستقبل. وسعت الجلسة؛ التي جمعت طلبة كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية، الثلاثاء 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، إلى فتح الحوار مع الشباب المهتمين بالعمل على سياسات عامة تتعلق بالمشاركة السياسية والمدنية، وزيادة وعيهم بالقضايا التي تواجههم وإيصال تصوراتهم والحلول المقترحة حولها. وتعد هذه الجلسات الدامجة للمقبلين على العمل السياسي “بوابة مهمة” لتعريفهم بالخبراء والمؤسسات المتخصصة في هذا المجال، وأيضاً لمساعدتهم على إيصال أصواتهم لرسم السياسات والتواصل الإيجابي الفعال مع صانعي القرار.
من جهته، أكد الخبير في حقوق الإنسان، د. رياض الصبح، على أهمية الاستثمار في الإنسان، والارتقاء في القدرات البشرية، وهي مسؤولية وطنية للحكومات والمجتمعات والمجتمع المدني، لافتاً إلى أن التنمية البشرية أساس الوصول إلى التنمية الاقتصادية. حيث تم توضيح مفهوم التنمية البشرية في سياق تطوير القدرات والتركيز على التعليم وتحسين سبل المعيشة والتكامل مع التنمية السياسية، أي ما يمكن تأكيده على أن يكون تحقيق التنمية الفعلية من خلال النهج القائم على حقوق الإنسان.
“فالوطن العربي ككل يمتلك موارد كبيرة لا يتم استغلالها بشكل صحيح، حيث لا نزال نعتمد على النظام الرعوي ولا نحسن الإنتاج والابتكار والاستثمار في الموارد ورأس المال البشري، وهو ما ينعكس بوضوح على التنمية الاقتصادية” كما بين الصبح. وعليه فإن تحسين مؤشر رأس المال البشري في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يحتاج إلى استثمارات كافية وفاعلة لتحسين نتائج الصحة والتعليم، وزيادة توظيف النساء والشباب للاستفادة بشكل أفضل من رأس المال البشري الحالي، وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية لمساعدة جميع الناس على تحقيق إمكاناتهم الكامنة.
وحول علاقة التنمية البشرية بالنمو الاقتصادي، أوضح الاقتصادي، د. رعد التل، أنه “كلما زادت وتوسعت الانتاجية، كلما زادت رفاهية الإنسان وتقدمه في مختلف المجالات”. ودعا ضرورة تأهيل الكوادر البشرية لزيادة الانتاجية، وإدخال مادة اجبارية لطلبة الحقوق والعلوم السياسية حول المفاهيم الاقتصادية، وتوظيف التكنولوجيا في الأعمال.
وتناقش الطلبة حول كيفية تقديم توصيات عملية في سبيل تحقيق التنمية في الأردن من خلال تطوير التعليم وحول تعزيز دور مجلس النواب والمجالس المحلية في تحسين فرص العمل. حيث ركز المشاركين على أهمية التعليم وقدرته على تعزيز التنمية الاقتصادية والبشرية، فأكدوا على ضرورة التخلص من التعليم التلقيني وتطوير المناهج وجعل التعليم مجانياً، وضرورة إدراج تخصصات جديدة يتطلبها سوق العمل. وفيما يخص العمل فقد أوصى المشاركين بالتخلص من الترهل الإداري، فضلاً عن توظيف الخبرات في مكانها المناسب، مع أهمية وجود سياسات طارئة لحل مشكلة البطالة، وتمكين المرأة والشباب لخلق بيئة جاذبة للاستثمارات وإحداث التغيير المنشود. وفيما يخص دور المجالس الدفع نحو التشريعات التي تكفل تطور التعليم وتعزيز بيئة العمل لضمان إشراك الشباب والمرأة.